السبت، ٢٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٤ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

انتفاضة الحجاب... وتقليب القلوب!

انتفاضة الحجاب... وتقليب القلوب!
الاثنين ٢٧ نوفمبر ٢٠٠٦ - ١٥:٥٠ م
10

انتفاضة الحجاب... وتقليب القلوب!

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فشهود المؤمن لآثار الله في تقليب القلوب والأقوال والآراء أمر مِن أعظم أمور الإيمان التي تكرر ذكرها في الكتاب والسُّنة، قال -تعالى-: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (الأنعام:110)، وقال -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (يونس:100)، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنفال:24)

وكان مِن قَسَم النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ وَمُقَلِّبِ القُلُوبِ(رواه البخاري)، وكان مِن دعائه -صلى الله عليه وسلم-: (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ(رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ قَلْبٍ إِلا وَهُوَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، إِنْ شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ(رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

وما نشهده الآن حول قضية الحجاب، نرى مِن قدرة الله في ذلك العجب! فإن الله إذا أراد إقامة أمر ونشره في الناس أقام له مَن يعارضه، وكم تعرضتْ قضية الحجاب لأنواع الهجوم ومحاولات صرف الناس عنها بالشبهات والشهوات، ولكن عجبًا في هذه المرة قلـَّب الله قلوب أقوام حتى طعنوا في الحجاب، واتهموه بالتخلف والرجعية، وصرحوا بأنهم يكرهونه ولا يحبونه، ولا دخل لهم إن كان فريضة أو غير فريضة، وهذا كله مِن الخذلان، ووالله لولا الخذلان مِن الله لهم لما تفوهت ألسنتهم بهذا، ولا اعتقدت قلوبهم هذا بما فيه مِن الطعن في القرآن الذي نص على الحجاب للمؤمنات عمومًا، فقال -تعالى-: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) (النور:31)، فنص على الخمار، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) (الأحزاب:59)، فنص على الجلابيب وهي مما يغطي البدن كله.

ومع هذا الطعن العجيب مِن أقوام أحسن أحوالهم أن يعذروا بجهلهم، ولا ندري أيكون عذرًا لهم بيْن يدي الله يوم القيامة، فإن الله قدَّر أن ينتفض لمحاربة هذا الباطل ألسنةٌ طالما تكلمت بالباطل، وأقلامٌ طالما كتبت المنكر، حتى كثير مِن المتبرجات دافعن عن الحجاب، حتى صار بالفعل معلومًا مِن الدين بالضرورة.

وتكلم رجال الأزهر وإن كنا ننتظر منهم أكثر مِن ذلك، وتكلم الدعاة إلى الله في كل مكان.

وتكلم الناس عن شروط الحجاب وصفته وكيفيته، فوصل الأمر إلى أكثر مما كنا نتصور لو قمنا بحملة للدعوة إلى الحجاب بوسائل بدائية مِن ورقة أو كتيب أو لوحة؛ فاليوم تبرع هؤلاء الذين يكرهون ما شرع الله وأنزله -كما صرَّحوا بألسنتهم- بأسابيع مِن الدعوة إلى الحجاب، وفي كل وسائل الإعلام، وبكل وسائل الحوار حتى صارت القضية على مستوى العالم! فسبحان مقلب القلوب والأبصار!

وهكذا نبشِّر إخواننا في كل قضية مِن قضايا الدين تتعرض للطعن والهجوم؛ فإن عاقبة ذلك إلى الخير إن شاء الله "تحقيقًا لا تعليقًا"، فإن الله قد أخبر فقال: (وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (طـه:132)، وقال -تعالى-: (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) (هود:49).

فالشرط أن نحقق التقوى، وأما التهم الباطلة التي يتهم بها أهل الحق فمآلها إلى الاضمحلال والذهاب (إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) (الإسراء:81).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة