الجمعة، ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٣ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

وقفات مع رحلة المغفرة (خطبة مقترحة)

وقفات مع رحلة المغفرة (خطبة مقترحة)
الأحد ٢٤ ديسمبر ٢٠٠٦ - ١٧:٠٨ م
23

وقفات مع رحلة المغفرة (خطبة مقترحة)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

قال الله -تعالى-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (آل عمران:96-97)، وقال -تعالى-: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج:27).

مقدمة وتمهيد:

أيها المسلمون... بالأمس القريب رحل عنا رمضان، وها نحن ننتقل من طاعة إلى طاعة، ومن ركن من أركان الدين إلى غيره، وتتوالى مواسم الخيرات محفوفة بفضل الزمان، وشرف المكان، وتأتي أيام الحج إلى بيت الله -تعالى-، فتهفو أفئدة المسلمين إلى البيت الحرام، والقِبلة التي يتجهون إليها كل يوم في صلاتهم (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) (البقرة:144)، كلهم يرجو الرحلة إليه، باذلين من أجل ذلك الأموال والأبدان، يرجون رحمة الله، وقد اجتمعوا عند بيته وأرضه المقدسة ليباهي الله -تعالى- بهم ملائكته، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنّ الله -تَعَالَى- يُباهي ملائِكتَهُ عَشِيّةَ عَرَفَةَ بأَهْلِ عَرَفَةَ، يَقولُ: انْظرُوا إِلَى عِبادِي أتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا) (رواه أحمد الطبراني، وصححه الألباني)؛ فما أعظمها من رحلة تهون لها النفوس وتُبذل من أجلها الأموال!

ولذا؛ فإن حديثنا اليوم يدور حول هذه الرحلة، وهذه الفريضة العظيمة من خلال وقفات وتأملات في بعض ما يكون منها.

فضل الحج والعمرة

الحج من أفضل الأعمال:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: (إِيمَانٌ بِاللهِ)، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ) قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: (حَجٌّ مَبْرُورٌ) (متفق عليه)، والحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم، وقال الحسن: أن يرجع زاهدًا في الدنيا، راغبًا في الآخرة.

الحج جهاد العاجز:

عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (جِهَادُ الْكَبِيرِ، وَالصَّغِيرِ، وَالضَّعِيفِ، وَالْمَرْأَةِ: الْحَجُّ، وَالْعُمْرَةُ) (رواه أحمد والنسائي، وحسنه الألباني).

الحج يمحق الذنوب:

عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) (متفق عليه).

وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ بَيْنَهُمَا، تَنْفِي الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ، خَبَثَ الْحَدِيدِ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

الحج المبرور ثوابه الجنة:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ) (متفق عليه).

وقفات وعظات

شد الرحال وهجر المال والعيال:

- قال الله -تعالى-: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) (الحج:27)، فيقول العبد بلسان حاله ومقاله: "لبيك اللهم لبيك... ".

الميقات والمحظورات، وترك المباحات:

التجرد من الدنيا: "الثياب والعطور والنساء والصيد..." مع التخلق بالأخلاق الطيبة، قال -تعالى-: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) (البقرة:197)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ حَجَّ هَذَا البَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) (متفق عليه).

ملابس الإحرام ودرس في الزهد:

ثياب تشبه ثياب الموتى:

قال -صلى الله عليه وسلم-: (كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلاَ تُحَنِّطُوهُ، وَلاَ تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا) (متفق عليه).

عدم التفاضل:

قال الله -تعالى-: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13).

التلبية وعبودية التوحيد:

قال جابر -رضي الله عنه-: فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالتَّوْحِيدِ: (لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ... ) (رواه مسلم).

البيت المعمور:

لماذا كان البيت العتيق هو أعظم البيوت؟!

بناه الملائكة والأنبياء: عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: "بعث الله جبريل -عليه السلام- إلى آدم -عليه السلام- فأمره ببناء البيت، فبناه آدم ثم أمره بالطواف به، وقيل له: أنت أول الناس، وهذا أول بيت وضع للناس" (تفسير ابن كثير).

قال الله -تعالى-: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (الحج:26)، وقال -تعالى-: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة:127).

أول بيت للعبادة في الأرض:

قال -تعالى-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران:96).

اختار الله مكانه:

قال الله -تعالى-: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِِ) (الحج:26)، وقال -تعالى-: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (البقرة:125).

تعلق القلوب به أكثر من غيره:

(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً) (البقرة:125).

الصلاة فيه تعدل صلاة 55 عامًا:

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (صَلاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني).

قال -تعالى-: (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ) (آل عمران:97) (الحجر الأسود - الركن اليماني - مقام إبراهيم - زمزم - الحجر - الملتزم).

مغناطيس القلوب:

قال الله -تعالى-: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا) (البقرة:125)، وقال -تعالى-: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) (إبراهيم:37).

ولذلك هانت عليهم الأموال، وتحملت لأجله الأبدان، وصبرت على مشقته النفوس.

حركة الحياة فيه وحوله لا تتوقف... فأنت مسبوق دائمًا:

فإذا أردت السبق في الطواف أو الصلاة أو دخول المسجد أو الجمعة أو القراءة أو أي نوع من العبادة ستكون مسبوقًا، قال الله -تعالى-: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) (الحج:26)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَا بَنِي عَبْدَ مَنَافٍ لا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

كل شيء فيه وحوله آمن:

قال الله -تعالى-: (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) (آل عمران:97)، وقال -تعالى-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) (العنكبوت:67)، وقال -تعالى-: (لإِيلافِ قُرَيْشٍ . إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ . فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (قريش).

الحجر الأسود قطعة من الجنة على ظهر الأرض:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نَزَلَ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّةِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

يا لله... ! من الجنة شيء على الأرض، جزء من المحبوبة المرغوبة!

يا لله...! ولا يشتاق لرؤيته المحبون، ولاستلامه المشتاقون!

أثر الذنوب على الحجر؛ فكيف على القلوب؟!

قال -صلى الله عليه وسلم-: (نَزَلَ الْحَجَرُ الأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّةِ وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)..

يا لله... ! قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَوْلاَ مَا مَسَّ الحَجَرَ مِنْ أَنْجَاسِ الجَاهِلِيَّةِ مَا مَسَّهُ ذُوعاهَةٍ إِلاَّ شُفِيَ، وَمَا عَلَى الأَرْضِ شَيْءٌ مِنَ الجَنَّةِ غَيْرَهُ) (رواه البيهقي، وصححه الألباني).

لقد أثرت المعصية على الأرض كذلك: "مرور النبي -صلى الله عليه وسلم- بأرض ثمود، ونهيه الناس أن يشربوا من مائها".

الطواف بالبيت... عبر وذكريات:

بيت أمر الله بالطواف حوله: قال الله -تعالى-: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج:29). وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَنْ طَافَ بِهَذَا البَيْتِ أُسْبُوعًا فَأَحْصَاهُ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ) وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: (لا يَضَعُ قَدَمًا وَلا يَرْفَعُ أُخْرَى إِلا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطِيئَةً وَكَتَبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةً) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

الطواف لا ينقطع:

قال -صلى الله عليه وسلم-: (يَا بَنِي عَبْدَ مَنَافٍ لا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى آيَةً سَاعَةَ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

وقفة: المجلببات يطفن في الحر، والعاريات يطفن بين الرجال على الشواطئ!

ذكريات:

مشاهد التمكين بعد الاضطهاد والضعف:

قال الله -تعالى-: (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران:140).

مشاهد الاضطهاد والاستضعاف:

"إلقاء سلا الجزور على النبي -صلى الله عليه وسلم- - أبو جهل يمنعه من الصلاة - ابن مسعود القارئ يُضرب".

مشاهد العز والتمكين:

دخوله -صلى الله عليه وسلم- فاتحًا وهو يتلو قوله -تعالى-: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) (الإسراء:81).

بلال -رضي الله عنه- المستضعف الطريد يصعد سطح الكعبة ويصدح بالآذان.

مشهد تقلب القلوب:

الطائفون من كل الأجناس الذي كان آباؤهم أعداءً للإسلام.

الحجر الأسود وعقيدة التوحيد:

قال عمر -رضي الله عنه-: "إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ، لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ" (متفق عليه)، فنقبِّل حَجرًا، ونطوف حول حجر، ونرمي حجرًا بحجر؛ انقيادًا وطاعة لأمر ربنا.

مكة أم القرى:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ) (رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّ بَلَدٍ هَذَا، أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الحَرَامِ؟) (رواه البخاري ومسلم)، فهي أعظم الحرمين، ولا حرم غيرهما، وهي السياحة العظمى لمن أراد الترويح، ففيها تنشرح النفوس والصدور.

مشهد الشرب من ماء زمزم:

قصة زمزم:

عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ المِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ، اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لِتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ، حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ البَيْتِ... " (رواه البخاري).

درس في التوكل:

قالت هاجر -عليها السلام-: "يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الوَادِي، الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ" (رواه البخاري).

وقالتها لجبريل حين قال لها: "مَنْ أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا هَاجَرُ أُمُّ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: إِلَى مَنْ وَكَلَكُمَا؟ قَالَتْ: وَكَلَنَا إِلَى اللَّهِ، قَالَ: وَكَلَكُمَا إِلَى كَافٍ" (تفسير الطبري).

ممارسة الأسباب المشروعة مع التوكل على الله:

الدعاء:

دعاء إبراهيم -عليه السلام-: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) (إبراهيم:37).

السعي: سعي أم إسماعيل -عليهما السلام- بعد ما فني الماء تنظر، حتى نزل الملَك، وضرب الأرض، وكان الفرج والمخرج.

فضل زمزم:

غسل به قلب النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: (أُتِيتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فانْطُلِقَ بِي إِلَى زَمْزَمَ فَشُرِحَ عَن صَدْرِي ثُمَّ غُسِلَ بِماءِ زَمْزَمَ ثُمَّ أُنْزِلَ) (رواه مسلم).

خير ماء على وجه الأرض: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ ماءٍ على وَجْهِ الأَرْضِ ماءُ زَمْزَمَ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).

طعام طعم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (زَمْزَمُ طَعامُ طُعْمٍ) (رواه ابن أبي شيبة والبزار، وصححه الألباني). "أبو ذر تقوت بها شهرًا حتى تكسرت عكن بطنه - أم إسماعيل تعيش عليها زمنًا".

شفاء سقم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (زَمْزَمُ طَعامُ طُعْمٍ وَشِفاءُ سُقْمٍ) (رواه ابن أبي شيبة والبزار، وصححه الألباني). وعن عروة بن الزبير قال: كَانَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها- تَحْمِلُ مَاءَ زَمْزَمَ، وَتُخْبِرُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَحْمِلُهُ فِي الأَدَاوِي وَالْقِرَبِ، وَكَانَ يَصُبُّ عَلَى الْمَرْضَى وَيَسْقِيهِمْ" (رواه البيهقي، وصححه الألباني).

لما شرب له: قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ) (رواه أحمد وابن ماجه، وصححه الألباني). "الكرب، والمرض، والعلم، ولحاجة، ولنصرة، ولشبع".

السعي بين الصفا والمروة:

تذكر حال أم إسماعيل -عليهما السلام- في توكلها في حالها الظاهر لعله يعين على الباطن.

تذكر حال مَن دخل على ملك، وقيل له: "انتظر حتى يقضي في أمرك بالخارج، فظل يروح ويجيء حتى قيل له: اذهب واحلق فقد أديت".

الوقوف بعرفة:

تذكر يوم الحشر: إذ تختلف الألوان واللغات والأصوات كلها تلهث بالدعاء ترجو العتق في ذلك اليوم.

يوم العتق: قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلاءِ؟) (رواه مسلم).

يوم الدعاء الأعظم: قال -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

عيد لأهل الموسم: قال -صلى الله عليه وسلم-: (الحَجُّ عَرَفَةُ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، وفيه نزل قوله -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا) (المائدة:3).

يوم تكفير لغيرهم: قال -صلى الله عليه وسلم-: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ) (رواه مسلم).

الذبح والنحر:

سنة إبراهيم -عليه السلام- ودرس في الإسلام والاستسلام لأوامر الله: قال الله -تعالى-: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى) (الصافات:102).

- درس قاس لدعاة التنوير والعقلانية واتهامهم التشريعات بالجمود، ورفض أوامر الله إذا خالفت عقولهم.

- درس للآباء والأبناء؛ فللأبناء في الطاعة والانقياد والبر والأدب فيما أمر به الوالد ما لم يكن شركًا أو معصية، وللآباء في أمر الأبناء بالطاعة ولو كان ذلك مع حصول بعض المكاره من ابتلاء أو سخرية.

ما يقوم مقام الحج والعمرة لمن عجز عنهما:

قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا، مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلاَ وَادِيًا إِلا وَهُمْ مَعَنَا فِيهِ، حَبَسَهُمُ العُذْرُ) (رواه البخاري).

ذكر الله عقب الصلوات: عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى، وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، فَقَالَ: (وَمَا ذَاكَ؟) قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلا نَتَصَدَّقُ، وَيُعْتِقُونَ وَلا نُعْتِقُ، فَقَالَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ؟ وَلا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ) قَالُوا: بَلَى، يَا رَسُولُ اللهِ، قَالَ: (تُسَبِّحُونَ، وَتُكَبِّرُونَ، وَتَحْمَدُونَ، دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ مَرَّةً) (رواه البخاري).

صلاة العشاء والصبح في جماعة:

عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ نِصْفِ لَيْلَةٍ، وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

المكث في المسجد بعد صلاة الصبح في ذكر إلى الشروق:

قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

المراجع:

كتاب الرياض النضرة في مناسك الحج والعمرة للشيخ سيد حسين العفاني.

رياض الصالحين للإمام النووي.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة