السبت، ٢٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٤ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

بيْن احتلال الصومال وإعدام "صدام"... آلام جديدة ودروس مستفادة!

بيْن احتلال الصومال وإعدام "صدام"... آلام جديدة ودروس مستفادة!
الخميس ٠٤ يناير ٢٠٠٧ - ١٥:٠٩ م
14

بيْن احتلال الصومال وإعدام "صدام"... آلام جديدة ودروس مستفادة!

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فعيد الأضحى يفرح فيه المؤمنون متذكرين معاني الإيمان والتوحيد، ومِن أعظمها أن عاقبة الطاعة والصبر على طاعة الله -تعالى- هي دائمًا الفرج، والفرح والسرور بعد الألم والشدة؛ فإبراهيم -عليه السلام- استسلم لأمر الله -تعالى- في ذبح ابنه إسماعيل -عليه السلام-، وإذا كان إبراهيم مشفقًا حليمًا في عذاب قوم لوط، يجادل ربه عسى أن يؤخر عنهم العذاب، وهم المجرمون المفسدون؛ فكيف برحمته وشفقته على ابنه الحبيب الحليم الذي أتاه على الكبر ووافقه على طاعة الله؟!

وكم قدر الألم الفطري الذي تحمله إبراهيم حبًّا لله -تعالى-، وإذعانًا واستسلامًا لأمره! وكم قدْر صبر إسماعيل -عليه السلام- وهو يستسلم لأمر الله بالذبح وبيدِ ِأبيه الحنون العطوف الرحيم! ثم يأتي الفرج في آخر لحظة، وهكذا سنة الله في أوليائه يجعل لهم بعد الضيق مخرجًا، وبعد العسر يسرًا، وبعد الشدة والألم سعة وفرحًا وسرورًا.

وعيد الأضحى هذا العام مرَّ على المسلمين بآلام جديدة، نسأل الله ونرجوه أن يجعلها مقدمة لفرج وفرح، وسعة وسرور كما هي سنته مع المؤمنين في كل العصور.

كان مِن أشد هذه الآلام ما حل بوطننا الصومال إذ انضاف إلى قائمة الدول المحتلة المغتصبة إثر غزو إثيوبي فاجر وبمباركة أو قلْ وكالة أمريكية وإسرائيلية، وبعمالة مَن باعوا دينهم ووطنهم وأمتهم بعرض خسيس مِن أعراض الدنيا، وقَبِلوا أن يدخلوا بلادهم تحت دبابات ومدافع وقصف عدوهم!

وصار نموذج حكومات قطاع الطرق هو النموذج المفضَّل لدى الأعداء؛ إذ يسلـِّطون على المسلمين عصابات النهب والسلب والفساد في الأرض، ويسمونها حكومات مكافحة الإرهاب، ومع سقوط آخر معاقل المحاكم الإسلامية، وتحالف الجيران ضدهم لم يبقَ للمسلمين أمل ورجاء إلا في فضل الله ورحمته، راغبين إليه -سبحانه- أن يلهم قادة المسلمين هناك وعلماءهم الطريق الأمثل في معالجة الأزمة التي تحتاج لصبر وجهد وجهاد طويل الأمد.

ولا نستطيع أن نلوم المقاتلين المسلمين على الانسحاب السريع، فالقوة غير متكافئة بين ميليشيات خفيفة التسليح، حديثة الولادة لم تكمِل عامها الثاني، وبين جيش جرار هو أقوى جيوش المنطقة المدعوم ماديًّا ومعنويًّا مِن أمريكا وإسرائيل وغيرهما، يسعي لإبادة الشعب المسلم في الصومال؛ تصفية لدين أمريكي قديم، وقد قال -تعالى-: (الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال:66).

فأذِن الله للمسلمين في الانصراف إذا كانوا أقل مِن نصف قوة عدوهم مع وجود النية الصالحة بالتحيز إلى مكان يمكن أن يستمر منه الجهاد للعدو المحتل دون إبادة الشعب المسلم، ونسأل الله لهم الثبات والنصر والنجاة، وللشعب المسلم في الصومال وفي كل مكان، العافية والتوحد والنصر على الأعداء المحتلين الغاصبين.

وأما الألم الثاني: فكان مِن شماتة الأعداء مِن الأمريكان واليهود والمنافقين مِن أهل البدع مِن الرافضة وغيرهم، بما اختاروا مِن توقيت محسوب عندهم لتنفيذ حكم الإعدام في "صدام حسين" صبيحة عيد الأضحى عند أهل السنة -فالشيعة احتفلوا به ثاني أيام العيد وليس مع بقية المسلمين- الذي وإن كان قد ارتكب قبْل ذلك مِن أنواع الفساد في الأرض والصد عن سبيل الله سنين طوال، وحكم بغير ما أنزل الله، وترأس "حزب البعث" العلماني القومي الخبيث، وجعله العصا الغليظة التي سام بها شعبه سوء العذاب؛ إلا أن خاتمته كان فيها ما يجعل كل مسلم يتورع في شأنه.

ونحن نأخذ مِن هذا دروسًا عديدة:

أولها: التأكيد على المعنى الذي نكرره دائمًا مسألة: "الفرق بيْن كفر النوع وكفر المعين"؛ فلا شك أن المبادئ العلمانية التي أُسس عليها "حزب البعث" ومثله أحزاب أخرى فيها مِن المناقضة لدين الإسلام وحقائق التوحيد؛ ما حكم أهل العلم بسببه بكفر مَن يعتقد ذلك ويدين به، ولكن لا نحكم بالردة على المعيَّن الذي انتسب إلى هذا الحزب بالكفر والردة حتى ولو ترأسه، فضلاً عن مجموع هائل مِن المسلمين انتسب إليه رغبة ورهبة دون إطلاع على مبادئه، أو مع إطلاع، لكن مع تأويل أو جهل أو إكراه، وعلى أية حال؛ فلا بد مِن أن يتولى تكفير المعين قضاء شرعي أو علماء المسلمين بعد مناقشة الشخص المعين، والنظر في شروط التكفير، وانتفاء موانعه.

وتبقى مسألة تحقيق مناط التكفير في المعين محل اجتهاد بيْن أهل العلم بناءً على ذلك، ولا شك أن نطق الشهادتين قبْل الموت مباشرة وإمساك المصحف والتكبير مما يوقفنا كثيرًا قبْل أن نجزم بالتكفير.

وإذا كانت كلمة فرعون: (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (يونس:90)، التي قالها حين أدركه الغرق وعاين العذاب والبأس قد جعلت جبريل -عليه السلام- يدس مِن طين البحر في فمه؛ تعظيمًا لشأن هذه الكلمة مخافة أن تدركه رحمة الله بها، كما ثبت في الحديث الصحيح أنه -عليه السلام- قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَا مُحَمَّدُ فَلَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا آخُذُ مِنْ حَالِ البَحْرِ فَأَدُسُّهُ فِي فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، فحق لنا أن نتورع بعد هذه الكلمات التي نطق بها قبْل الغرغرة، وفي سياق مختلف عن فرعون الذي نطق بها بعد الغرغرة؛ فالله أعلم بعباده، وبما في قلوبهم، وأعلم بحقائق أعمالهم.

و"صدام حسين" قد أفضى إلى ما قدَّم، وحسابه عند ربه -عز وجل-، ولسنا بالذين نرفعه إلى مقام الشهداء الأبطال، وقد فعل قبْل ذلك ما فعل، والناس مولعون بالغلو؛ إما بأن يرفعوا الرجل إلى عليين، وإما أن ينزلوه أسفل سافلين، ولا يقبلون ما بيْن ذلك! كما سأل ابن الإمام أحمد أباه -رحمه الله-: "هل تحب يزيدًا -يعني ابن معاوية-؟ فقال: وهل يحب يزيد أحدٌ يؤمن بالله واليوم الآخر وقد فعل بأهل المدينة ما فعل؟! فقال: هل تلعنه؟ فقال: وهل سمعتَ أباك يعلن أحدًا مِن المسلمين" أو نحو هذه القصة.

ومِن الدروس التي نستفيدها مِن هذه الواقعة أيضًا: معرفة قيمة الدنيا وملكها ونهايتها، وقلة وفائها، وخسة شركائها، وكيف تصرع طالبيها وراغبيها، فنسأل الله العافية، والسعيد مَن وعظ بغيره.

ومِن الدروس أيضًا: أن نرجو الفرج بعد شدة الضيق، وكثرة الآلام؛ فكم بقيت هذه البلاد تتألم مِن أنواع الظلم والفتن، ثم ازدادت الآلام حتى صار القتلى بمئات الألوف والجرحى بالملايين، وكل هذا يعقبه -إن شاء الله- عودة الناس إلى ربهم، ثم يعقبه -إن شاء الله- رفع البلاء عنهم، والله المستعان.

ونستفيد أيضًا: معرفة التحالف الخبيث والموالاة الفاجرة بيْن الرافضة وأعداء الإسلام مِن اليهود والنصارى، وإن مثـَّلوا أمامنا نزاعًا أو صراعًا؛ إلا أن الحقيقة أنهم عبْر تاريخهم الطويل عونًا لأعداء المسلمين عليهم، بل كانوا شرًّا منهم في أذية أهل السُّنة وسفك دمائهم وانتهاك حرماتهم -ما تمكنوا مِن ذلك-؛ فليعقل الدرس المغرورون، وليستيقظ الغافلون؛ فالخطر جاثم، والعدو قريب، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حولا ولا قوة إلا بالله.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة