نداءات الإيمان ...
الأدب مع الله
قال ابن مسعود -رضي الله عنه- إذا
سمعت (يا أيها الذين آمنوا) فأرعها سمعك. وهذا
النداء الذي بين أيدينا نداء ما أحوجنا إليه، يقول -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا
أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6)
قال ابن عباس -رضي الله عنه- في تفسير
قوله -تعالى-: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً)
أي: أدبوهم وعلموهم.
والأخلاق والآداب هي الغاية التي بعث
لأجلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق)
ولذلك أولى سلفنا الصالح الآداب عناية
خاصة حتى قال ابن القيم -رحمه الله- الأدب هو الدين كله.
وقال ابن المبارك: نحن إلى قليل من
الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم، وأرقى الآداب وأكدها الأدب مع الله.
ولقد كان للصفوة -عليهم الصلاة
والسلام- النصيب الأعظم من ذاك الأدب، فهذا آدم -عليه السلام- يتأدب مع ربه
قائلاً: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ
تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (لأعراف:23)، ولم يقل كما قال إبليس: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي
الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (الحجر:39)
أما أدب الخليل -عليه السلام- فتجده
في قوله:
(الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي
وَيَسْقِينِ)(الشعراء:78-79) ثم
لم يقل: (وإذا أمرضني فهو يشفين)، وإنما عدل عن
ذلك تأدباً مع الله فقال: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (الشعراء:80)
أما المسيح -عليه السلام- فقد كان
الأدب شعاره ودثاره حتى في أصعب اللحظات وأشدها، وذلك يوم أن يقول الله له: (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ
اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ)(المائدة: من الآية116)، فيقول: (سُبْحَانَكَ
مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ
عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ
أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ)(المائدة: من الآية116)، ولم يقل: أنا لم أقل
ذلك.
الأدب مع الله يتجلى في أبهى صوره عند
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ساعة أن ارتفع إلى هذا المستوى الرفيع ليلة
المعراج، ولقد كانت أسباب التفات البصر هناك يمنة ويسرة على أشدها، فلقد رأى من
آيات ربه الكبرى، مع ذلك كان -عليه الصلاة والسلام- آية في أدبه حتى وصفه ربه
بقوله:
(مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) (لنجم:17) أي: ما تجاوز ما أمر به طرفة عين.
ولقد نهل الصحابة الكرام من معين أدبه
-عليه الصلاة والسلام-، وكان في سيرتهم آيات للسائلين عن الأخلاق والآداب والمثل.
فهذا أبو بكر يصلي بالناس إماماً، وما أن يشعر بقدوم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
حتى يتقهقر إلى الوراء فيشير إليه رسول الله أن اثبت مكانك، فيرفع أبو بكر يديه
حامداً الله -تعالى- ثم يعود إلى وراء، ويتقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم
يسأل أبا بكر ما منعك أن تثبت إماماً فيقول أبو بكر في أدب جم: ما كان لابن أبي
قحافة أن يتقدم بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وهذا العباس بن عبد المطلب يُسأل:
أأنت أكبر أم رسول الله؟ ومعلوم أن السائل يسأل عن السن، ومع ذلك يقول العباس:هو
أكبر مني وأنا أسن منه.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي
لحسنها إلا أنت، واصرف عنه سيئها لا يصرف عنه سيئها إلا أنت.
موقع أنا السلفي
www.anasalafy.com