الاثنين، ٢٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٦ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

أئمة السلفيين- أئمة الاتباع

أئمة السلفيين- أئمة الاتباع
السبت ٠٦ يناير ٢٠٠٧ - ١٥:٢٢ م
12

أئمة السلفيين- أئمة الاتباع

كتبه/ أحمد عبد السلام

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن من أهم ما يتربى عليه المسلم عامة وطالب العلم خاصة: قضية الاتباع، وتعظيم الدليل؛ لأن الأمر دين، ولا يقبل قول بدون دليل، لذلك؛ بيَّن الله ذلك في كتابه في القاعدة الذهبية عند الاختلاف: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء:59).

فطاعة الله مطلقة، وطاعة رسوله كذلك، أما طاعة أولي الأمر -العلماء والأمراء- فتابعة لطاعة الله وطاعة رسوله، لذلك؛ عطفت بالواو، ثم إن حصل الخلاف بين العلماء أو الأمراء؛ فيجب الرد -عند ذلك- إلى كتاب الله وسنة رسوله، فهو الفصل عند النزاع، وكذلك بيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث العرباض بن سارية: (فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي) (رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني).

وعلى هذا المنهج سار السلف، فكانوا يسألون عن الدليل، ويرون الحجة فيه دون غيره، فهذا زر بن حبيش -رحمه الله- يأتي صفوان بن عسال -رضي الله عنه- يقول: إنه قد حك في صدري المسح على الخفين، فهل سمعت النبي -صلى لله عليه وسلم- يذكر فيه شيئًا؟

ولذلك قالوا: العلم معرفة الحق بدليله. قال الأمام ابن القيم -رحمه الله-: قال أبو عمر -يعني: ابن عبد البر-: "أجمع الناس على أن المقلد ليس معدودًا من أهل العلم، وأن العلم معرفة الحق بدليله".

والخلاف يرد إلى الدليل والسنة، قال الشافعي: "أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس".

وهذه أقوال الأئمة في وجوب اتباع السنة، وترك الأقوال المخالفة لها:

قال أبو حنيفة -رحمه الله-:

1- "إذا صح الحدث؛ فهو مذهبي".

2- "لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا؛ ما لم يعلم من أين أخذناه". وفي رواية: "حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي، فإننا بشر نقول القول اليوم، ونرجع عنه غدًا".

3- وقال: "ويحك يا يعقوب -هو أبو يوسف- لا تكتب كل ما تسمع مني، فإني قد أرى الرأي اليوم وأتركه غدًا، وأرى الرأي غدًا، وأتركه بعد غد".

4- إذا قلت قولاً يخالف كتاب الله -تعالى- وخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ فاتركوا قولي".

والإمام مالك بن أنس- رحمه الله- قال:

1- "إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة؛ فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة؛ فاتركوه".

2- "ليس أحد بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي -صلى الله عليه وسلم-".

قال ابن وهب: "سمعت مالكًا سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء، فقال ليس ذلك على الناس. قال: فتركته حتى خف الناس، فقلت له: عندنا في ذلك سنة. فقال: وما هي؟ قلت: حدثنا الليث وابن لهيعة وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه. فقال: إن هذا الحديث حسن، وما سمعت به قط إلا الساعة. ثم سمعته بعد ذلك يُسأل؛ فيأمر بتخليل الأصابع".

الشافعي -رحمه الله- قال:

1- "ما من أحد إلا وتذهب عليه سنة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويعزب عنه، فمهما قلت من قول، أو أصلت من أصل فيه عن رسول الله خلاف ما قلت؛ فالقول ما قال رسول لله، وهو قولي".

2- "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله؛ فقولوا بسنة رسول الله، ودعوا قولي". وفي رواية: "فاتبعوها، ولا تلتفتوا إلى قول أحد".

3- وقال: "إذا صح الحديث؛ فهو مذهبي".

4- وقال للإمام أحمد: "أنتم أعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث الصحيح؛ فأعلموني به أي شيء يكون: كوفيًّا، أو بصريًّا، أو شاميًّا، حتى أذهب إليه إذا كان صحيحًا".

5- "كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله عند أهل النقل بخلاف ما قلت؛ أنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي".

والإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- قال:

1- "لا تقلدني، ولا تقلد مالكًا، ولا الشافعي، ولا الأوزاعي، ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا".

وفي رواية: "لا تقلد دينك أحدًا من هؤلاء، ما جاء عن النبي وأصحابه فخذ به، ثم التابعين بعد الرجل فيه مخير".

2- "رأي الأوزاعي، ورأي مالك، ورأي أبي حنيفة كله رأي، وهو عندي سواء، وإنما الحجة في الآثار".

3- "من رد حديث رسول الله؛ فهو على شفا هلكة".

ولهم سنة متبعة في رد الأقوال المخالفة في السنة والإنكار على مخالفيها، فقد ذكر الإمام الترمذي في "سننه" بعد أن روى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- في إشعار الهدي. قال: "والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي وغيرهم، يرَوَن الإشعار، وهو قول الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. قال: "سمعت يوسف بن عيسى يقول: سمعت وكيعًا يقول حين روى هذا الحديث قال: لا تنظروا إلى قول أهل الرأي في هذا، فإن الإِشعار سنة، وقولهم بدعة". قال: "وسمعت أبا السائب يقول: كنا عند وكيع فقال لرجل عنده ممن ينظر في الرأي: أشعر رسول الله، ويقول أبو حنيفة هو مُثْله، قال الرجل: فإنه قد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال: الإشعار مُثْله. قال: فرأيت وكيعًا غضب غضبا شديدًا، وقال: أقول لك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتقول قال إبراهيم؟! ما أحقك بأن تحبس، ثم لا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا".

وذكر الإمام الترمذي -أيضًا- تحت حديث: (وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ) (قال الألباني: حسن صحيح).

قال: "والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم، وبه يقول الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، إن تحريم الصلاة التكبير، ولا يكون الرجل داخلاً في الصلاة إلا بالتكبير".

قال بسنده عن عبد الرحمن بن مهدي يقول: "لو افتتح الرجل الصلاة بسبعين اسمًا من أسماء الله، ولم يكبر؛ لم يجزه، وإن أحدث قبل أن يسلم؛ أمرته أن يتوضأ، ثم يرجع إلى مكانه؛ فيسلم، إنما الأمر على وجهه" ا. هـ، وفيه الرد على الأحناف في تجويزهم افتتاح الصلاة بغير التكبير.

فهذه بعض نصوص أهل العمل في وجوب اتباع السنة، وتعظيم الدليل، فينبغي على طالب الحق ألا يعدو ذلك، فإن فيه الحق والهدى.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية