الأحد، ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مَن ذاق عرف! (1)

مَن ذاق عرف! (1)
الأربعاء ٠٣ يناير ٢٠٢٤ - ١٢:٠٨ م
60

مَن ذاق عرف! (1)

كتبه/ أحمد شهاب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

ففي مشهد عجيب؛ جماعة من الناس يتجادلون في طعم كوبين من الشاي أمامهم: أي الكوبين حلو وأيهما مرٌّ؟!

فعجيب جدًّا أن كل واحد منهم ينظر إلى الكوبين فقط ويقول رأيه!

يسرد كل منهم أدلته على رأيه، لكن دون أن يتذوق شيئًا منهما.

وهنا يجول بخاطرك الجواب البدهي: أليس مَن ذاق عرف؟!

وإن كان بعرض الأدلة يتضح أن لأحدهما من الأدلة ما يجعله متيقنًا من حلاوة هذه ومرارة هذه؛ فقد أخبره مَن صنع كوب الشاي الحلو أنه وضع فيه ثلاث ملاعق كاملة من العسل المصفى، ثم إنه أخبره من سبق وذاقها أن هذا الكوب حلو -وهو رجل ذواقة سليم الحس، وقد زكاه مَن أتى له بهذا الكوب-  إلى غير ذلك من الأدلة الدامغة على صحة رأيه، لكن ومع كل هذه الأدلة؛ إلا أن كلا الطرفين المتجادلين لم يذقها بعد!

فحتى مَن كانت أدلته واضحة وحججه غالبة؛ إلا أنه لا زال قد يشككه مشكك ويضللـه مضلل، وقد تلتبس عليه الأمور -رغم وضوح أدلتها-؛ إلا أنه -لنقص فيه- قد يتلجلج، لكنه لو ذاقها فسيزيد يقينه بقدر هائل أن هذا الكوب فعلًا طعمه حلو، وأن الآخر مرٌّ، بل هو بالمقارنة بالأول شديد المرارة، وأن مكسبات الطعم التي وضعوها لتحليته قد أفسدت طعمه أكثر وأكثر! فلم يعد لديه احتمال أن يشككه أحد في حلاوتها؛ فقد ذاق، ومن ذاق عرف، فاختار دون حيرة.

فيا عباد الله... مما نحتاج إليه حاجة حقيقية أن نذوق طعم الإيمان.

نحن متفقون أن الأدلة مهمة جدًّا وهي الأصل، وخبر الشارع للحق يكفينا، وقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصدق عندنا من حواسنا، لكن سيظل الكلام والوصف بلا طعم ما لم نذق نحن الطعم.

ولكل عامل ذوقه ووجده، لكن أين الثرى من الثريا؟!

إن الخبير بالذهب لا يروج عليه النحاس، ولا الذهب المغشوش؛ فإنه قد تعامل كثيرًا مع الذهب الحقيقي فلا ينطلي عليه الزائف.

وكذا العبد الصالح الخبير بالأذواق الإيمانية لا يلتفت أبدًا للأذواق الشيطانية للأوراد البدعية والكفرية، ولا تنطلي عليه، لأنه سيعرف أنها مغشوشة؛ فقد رأى النور وعَلِم الحق من الحق عن الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإن الذوق والوجد ونحو ذلك هو بحسب ما يحبه العبد ويهواه، فكل محب له ذوق ووجد بحسب محبته وهواه. فأهل الإيمان لهم من الذوق والوجد مثل ما بيَّنه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله في الحديث الصحيح: (ثَلاثٌ ‌مَنْ ‌كُنَّ ‌فيه ‌وجَدَ ‌حَلاوَةَ ‌الإِيمانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ ورَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِواهُمَا، وأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لا يُحِبُّهُ إلَّا لِلَّهِ، وأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَما يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (‌ذَاقَ ‌طَعْمَ ‌الْإِيمَانِ ‌مَنْ ‌رَضِيَ ‌بِاللهِ ‌رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا) (رواه مسلم). وأما أهل الكفر والبدع والشهوات فكل بحسبه. قيل لسفيان بن عيينة: ما بال أهل الأهواء لهم محبة شديدة لأهوائهم؟ فقال: أنسيت قوله -تعالى-: (‌وَأُشْرِبُوا ‌فِي ‌قُلُوبِهِمُ ‌الْعِجْلَ ‌بِكُفْرِهِمْ) (البقرة: 93)، فعُبَّاد الأصنام يحبون آلهتهم كما قال -تعالى-: (‌وَمِنَ ‌النَّاسِ ‌مَنْ ‌يَتَّخِذُ ‌مِنْ ‌دُونِ ‌اللَّهِ ‌أَنْدَادًا ‌يُحِبُّونَهُمْ ‌كَحُبِّ ‌اللَّهِ) (البقرة: 165)... ولهذا يميل هؤلاء ويغرمون بسماع الشعر والأصوات التي تهيج المحبة المطلقة التي لا تختص بأهل الإيمان، بل يشترك فيها محب الرحمن ومحب الأوثان، ومحب الصلبان، ومحب الأوطان، ومحب الإخوان، ومحب المردان، ومحب النسوان، وهؤلاء الذين يتبعون أذواقهم ومواجيدهم من غير اعتبار لذلك بالكتاب والسنة، وما كان عليه سلف الأمة" (مجموع الفتاوى).

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة