الثلاثاء، ١٤ ذو القعدة ١٤٤٥ هـ ، ٢١ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

عقيدة السلف فى الصفات (شرح المنة -4)

عقيدة السلف فى الصفات (شرح المنة -4)
السبت ٢٤ مارس ٢٠٠٧ - ١٣:١٨ م
17

عقيدة السلف فى الصفات (شرح المنة -4)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

يجب الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه، وكلمة "كل" ترد على من يأخذون سبعاً أو ثلاث عشرة أو عشرين، بل نؤمن بكل ما ورد، فالتزام الأشاعرة بالمنهج العقلي جعلهم يقولون: إن صفة الرحمة لا تليق بالله، ما أننا نكررها كل يوم مرات عديدة فنقول: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، يقولون إن الرحمة لا تليق الله لأن الرحمة -عندهم- ضعف وخور، وأما معنى الرحمة -الواردة في النصوص- عندهم هي إرادة الثواب، لأنهم يردون كل الصفات الواردة إلى صفة من الصفات السبع السالفة الذكر، التي زعموا أن العقل أثبتها، مع أن عقل المعتزلي ينفي ما أثبته عقل الأشعري، وعقل الجهمي ينفي ما أثبته عقل المعتزلي، وعقل الفيلسوف ينفي ما أثبته عقل الجهمي، بل ينفي ذات الرب -عز وجل- أصلاً!!

لكن عقل السني يثبت كل ما أثبته الكتاب والسنة، ويقول: إن من يوصف بالرحمة -مع نفي العجز والضعف والخور عنه- وأنه يضع الرحمة في مواضعها، فهذا -بلا شك- أكمل ممن لا يتصف بذلك، لاشك أن الذي يتصف بالرحمة أكمل، والذي يرحم كل من سواه، ويرحم من يشاء، ويعذب من يشاء، لاشك أن ذلك كمال وليس نقصاً، لكن لأنهم في الحقيقة وقعوا في التشبيه أولاً، واعتقدوا أن  الرحمة تستلزم انفطار القلب، والبكاء مثلاً، فقاسوا رحمة الخالق على رحمة المخلوق، فوجدوها لا تليق فنفوها، وهذا من أبطل الباطل.

وليس هناك فرق بين بعض الصفات وبعضها، وليست صفات الله -عز وجل- مقتصرة على سبع كما يعتقد الأشاعرة أو غيرهم، بل كل ما ورد في الكتاب والسنة يجب الإيمان به كالحياة والسمع والبصر والقدرة والإرادة والعلم والكلام والرحمة والمحبة والرضا، فالله يحب عباده المؤمنين، يحب المتقين، يحب المحسنين، ويرضى عن المؤمنين، ولا يرضى لعباده الكفر، ولا يرضى عن القوم الفاسقين. 

وكذلك السخط على الكافرين، كما قال -تعالى-: (أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ)(المائدة:80)، فالله -عز وجل- يسخط على الكفار.

والفرح بتوبة العبد حين يتوب إليه، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة)

والضحك لرجلين يقتل أحدهما الآخر فيدخلان الجنة، كما قال -صلى الله عليه وسلم-:  (يضحك الله لرجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة. قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: يُقتَل هذا فيَلِجُ الجنة ثم يتوب الله على الآخر فيهديه إلى الإسلام ثم يجاهد في سبيل الله فيُستشهد).

وكذلك صفة اليدين: كما قال -تعالى-: (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ) (صّ:75)، وقال -تعالى-: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ)(المائدة:64)

وصفة القَدَم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تزال جهنم تقول: هل من مزيد حتى يضع فيها رب العزة -تبارك وتعالى- قدمه فتقول: قط قط وعزتك، ويزوي بعضها إلى بعض)، ولو قلنا صفة القدمين فهو صحيح أيضاً، لأن ابن عباس -رضي الله عنه- ثبت عنه أنه قال: "الكرسي موضع القَدَمين".

كل ذلك على ما يليق بعظمة الله -عز وجل-، نثبت هذه الصفات على ما يليق بالله -تعالى-، ولا نقول إنها تشبه صفات المخلوقين أو أن المخلوقات هي عين الله -عز وجل-، ولا نثبت المماثلة بين الخالق والمخلوقين كما سيأتي.

التعطيل

التعطيل هو: نفي المعنى الحق الذي دلت عليه الصفة.

والتعطيل -كاعتقاد- على درجات منها:

1-تعطيل الباطنية: نُفاة النَّقيضين، وهم أسوأ أنواع المعطلة وأضلهم، وعقيدتهم فيها جمع بين المتناقضات، فيقولون: لا سميع ولا ليس بسميع، لاحي ولا ليس بحي، لا عليم ولا ليس بعليم، لا موجود ولا ليس بموجود، فكلامهم خرافة وأباطيل، وصفوا الرب بالمستحيل وجعلوه عدماً، وهم فعلاً يعقتدون ذلك، ويخدعون الناس أنهم يؤمنون بالله، ويقولون لا إله إلا الله.

2-تعطيل الفلاسفة: وأشهرهم -من المنتسبين إلى الإسلام- ابن سينا والفارابي، فقد كانا يقولان بعقيدة الفلاسفة مثل أرسطو وأفلاطون وأمثال هؤلاء الذين يثبتون الوجود المطلق، وهو الوجود الواجب، أو يسمونه واجب الوجود، لا ذاتاً ولا اسماً، ولا صفة ولا فعلاً، بل هو وجود مطلق أي وجود فقط، بدون أي تقييدات.

3-تعطيل الاتحادية من الصوفية كابن عربي وابن سبعين وابن الفارض:

والصوفية بالتأكيد تأثروا بهم أعظم التأثر، وأدخلوا كلام الفلاسفة في معتقدهم، وقد تأثر الغزالي -رحمه الله وغفر له- بمصطلحات الفلاسفة كالعقل الكلي والعقل الجزئي والنفس الكلي والنفس الجزئي، وظلت آثار هذا الكلام موجودة في كتاباته، وإن كان رجع عن ذلك وكفَّر الفلاسفة القائلين بِقِدَم العالم في كتابه "تهافت الفلاسفة". وكذا تعطيل الحلولية كالحلاج القائل: "لا إله إلا الله ما في الجبة إلا الله"، وهؤلاء وإن كان ظاهرهم الإثبات، ولكنهم في الحقيقة ينفون علو الله -تعالى- على خلقه، وأنه -تعالى- بائن من خلقه، فهم يقولون بوجود الرب في كل وجود، ويقولون: إن الله في كل مكان، ويعتقدون ذلك، وبعض جهلة المسلمين يحفظون أن الله في كل وجود، لكن لو قلت له: هل الله موجود -تعالى- في الكلب والخنزير ودورة المياه؟!! يقول: "أعوذ بالله" ويأنف من هذا تماماً، أما الاتحادية والحلولية فيقولون ذلك صراحة ويعتقدونه، فإذا كان النصارى قد كفروا بأعيانهم لاعتقادهم حلول الرب في ذات المسيح، فكيف بمن يعتقد انه يحل في كل المخلوقات، وانه سارٍ فيهم سريان الملح في الماء، والسمن في اللبن، أو أنه هذا الهواء الذي نتنفسه؟؟ -نعوذ بالله من كفرهم- وهذا قول جهم أصلاً، فهو لا يثبت صفةً ولا فعلاً لله -عز وجل- ولا انفصالاً، ويقول: سارٍ وحالٌّ في الوجود، كل شيء في الوجود الله، وهذا كلام الحلولية، وهؤلاء كفار بلا نزاع.

وكذا الاتحادية وهم أشد منهم كفراً، لا يقولون بذات حلت في الأخرى، كالملح في الماء يحل فيه، بل يقولون إنها شيء واحد، وينكرون على الحلولية قولهم.

والاتحادية هم أئمة الصوفية كابن عربي وابن الفارض وابن سبعين، كل هؤلاء أئمة كبار عند فرق الصوفية، ومنهم كذلك الدسوقي الذي له أبيات شعرية فظيعة جداً في هذا الشأن، والشاذلي، ومنهم المرسي أبو العباس تلميذ ابن عطاء الله السكندري تلميذ أبي الحسن الشاذلي، الذين يقولون في جميع أوراد الطائفة الشاذلية بتفرعاتها المختلفة: "اللهم انشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة"، فمن سمى التوحيد أوحالاً فهذا وحده- كفر، وقولهم: "عين بحر الوحدة"، فهذا هو الاتحاد، أن يكون كله شيئاً واحداً، ولا يوجد تعدد عندهم، وأحد قدمائهم -ويُدعى التلمساني- يقول: " وما الكلب والخنزير إلا إله".

وكذلك ابن الفارض صاحب القصية التائية المليئة بأنواع الكفر البواح، الذي لم يوارِ ول يدار، يقول:

وكل الجهات الست نحوي توجهت

بما تم من نُسْكٍ وحج وعمرةِ

لــها صــلواتي بالمقــام أقيمـــــها

وأشــهد فيـــها أنـها لي صَلَّتِ

كلانــا مصــلِّ واحـــد ساجـــد إلى

حقيقته بالجمع  في كل سجدةِ

وما كان لي صلَّى سواي ولم تكن

صلاتي لغيري في أدا كل ركعةِ

  ثم يقول:

وبي موقفي لا بل إلىَّ توجُّهي

كذاك صلاتي لي ومنِّي كعبتي

فلاتك مفتوناً بحسنــك معجباً

بنفسك موقوفاً على لَبسِ غرة

وفارقْ ضَلال الفرق فالجمع منتج

هدى فرقة بالاتحاد تحدَّتِ

ثم يقول:

إلي رســولاً كنت منـــي رسلاً

وذاتي بآياتي عليَّ استدلت

ثم يقول:

ولولاي لم يوجد وجود ولم يكن

شهود ولم تعهد عهود بذمةِ

فلا حيَّ إلا من حيــــاتي حياتــــه

وطوع مرادي كل نفس مُريدةِ

ثم يقول:

وما عقد الزنار حكماً سوى يدي

وإن حُلَّ بالإقرار بي فهي حلَّتِ

وإن نار بالتنزيل محراب مسجد

فما بار بالإنجيل هيكــــــل بيعةِ

وأسفار توراة الكليـــــــم لقومه

يناجي بها الأحبار في كل ليلةِ

وإن خر للأحجار في الــبُّدِ عاكفٌ

 فلا وجه للإنكـــــــار بالعصبيةِ

 فقد عبد الديــــنار معنــــى منزَّه

عن العــــار بالإشراك بالوثنية

وقد بلغ الإنذار عني من بـــــغى

وقامت بي الأعذار في كل فرقة

وما زاغت الأبصار من كل مــلة

وما زاغت الأفكار من كل نِحلةِ

يقول:إن سجد للأصنام شخص في صحراء، فلا تكن متعصباً، وتنكر عليه السجود للأصنام، فإن الذي عقد الزنار هو يدي، والذي حله بالإسلام هو أنا، فكله شيء واحد، وهذه هي وحدة الأديان، وابن عربي يقول: "كنت أبغض المرء إن لم كين دينه ديني، فأصبح يستوي عندي اليوم كعبة طائف، ودير رهبان، وبيت أوثان، ومرتع غزلان"، كل ذلك واحد عنده، وهذا خروج من الملة بإجماع أهل الإسلام، ولذلك كان السلف يقولون: (إن الله مستوٍ على عرشه بائن من خلقه"، يعني منفصل عن الخلق، وكلام الأشاعرة الذين يقولون: "لا نثبت له الاتصال، ولا الانفصال"، كلام خطير مخالف للسلف، لأن السف لم يزالوا يقولون "بائن من خلقه"، فإن الاستواء هنا استواء يقتضي البينونة، لأن وجود الرب غير وجود المخلوق، ولا نقول بالمماسة، بل هو بائن من خلقه. 

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة