الثلاثاء، ٢٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٧ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

عقيدة السلف في الصفات (شرح المنة 5)

عقيدة السلف في الصفات (شرح المنة 5)
الأربعاء ٢٨ مارس ٢٠٠٧ - ١٤:١٦ م
10

عقيدة السلف في الصفات (شرح المنة 5)

كتبه: ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة السلام على رسول الله، أما بعد،

تعطيل الجهمية الأوائل النُفاة لصريح الكتاب والسنة: لا يثبتون اسماً ولا صفة لله -عز وجل- ولا فعلاً، وناشر عقيدتهم الجهم بن صفوان، وهو تلميذ الجعد بن درهم، والجعد هو أول من أظهر هذا الاعتقاد علانية، وقال: "إن الله لم يكلم موسى تكليماً، ولم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يَسْتَوِ على العرش" قال ذلك صراحةً باللفظ، فكَفَّره أهلُ زمانه من التابعين، وقتله خالد بن عبد الله القسري على زندقته ـ أحد ولاة بني أمية ـ وكان ظالماً شديد البطش، ولكنه أحسن في قتله الجعد بن درهم ، وكان في بني أمية شدةٌ على أهل البدع، وهذا من محاسنهم، فقال : «يا أيها الناس، ضَحُّوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مُضَحٍ بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً»، فذبحه يوم عيد الأضحى ونزل عن منبره فذبحه في أصل المنبر .

تعطيل المعتزلة: الذين أخذوا عن الجهمية ذلك، ولكن صاغوه بعبارات أخف، فأثبتوا ذاتَ الرب وأسماءَه الحسنى، ونفوا صفاته، فقالوا سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، عليم بلا علم، قدير بلا قدرة، وهذا كلام متناقض في الحقيقة، والذي أدى بهم إلى هذا التناقض محض شبهات باطلة في أذهانهم، قالوا لو أثبتنا لله سمعاً قديماً، فقد أثبتنا إلهين، ولو أثبتنا بصراً، لصاروا ثلاثة آلهة، ولو أثبتنا قدرة لصاروا أربعة، وهكذا فيصير عندنا آلهة شتى، وهذا ينافي التوحيد، فنفوا صفات الرب -جل وعلا-، وهذا كلام باطل بالقطع، فالصفات إنما تقوم بذات الرب -سبحانه وتعالى- ولا تقوم منفردة ولا مستقلة، فالانفصال بين الصفة والموصوف أو بين الذات والصفات إنما هو انفصال في الذهن فقط وليس في الخارج، فليس هناك سمع مستقل، ولا بصر مستقل ليكون هناك تعدد، بل الانفصال في الذهن، أما في الخارج وفي الحقيقة فلا، فالله -عز وجل- واحد لا شريك له، لم يزل بأسمائه وصفاته -سبحانه وتعالى-.

تعطيل الأشاعرة: وهو الاعتداد بسبع صفات أو ثلاث عشرة أو عشرين دون باقي الصفات ، ويقولون إن العقل يثبتها، إذاً فمنبع البدعة هي بدعة الجهمية الأوائل وبدعة الفلاسفة، وهي أن العقل مصدر التلقي كما ذكرنا ذلك، وقد مر بنا عرض مختصر لعقيدتهم .

والفرق الخارجة من الملة مــن المعطلة هم : «الحلولية، والاتحاديـة، والباطنية، والفلاسفة، والجهمية الأوائل النافون لصريح الكتاب والسنة الذين يقولون: لم يتخذ اللهُ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم اللهُ موسى تكليماً»، أما المعتزلة فأقوالهم أقوال كفرية، ولكن لا يكفر المعين منهم حتى تقام عليه الحجة لوجود الشبهة .

أما الأشاعرة فهم أهل بدع وضلال، وإقرارهم بالصفات المشهورة المعلومة من الدين بالضرورة في الجملة منع من تكفيرهم، وإن كان عندهم تعطيل للاستواء ونحو ذلك من الصفات، ولكنه ليس على سبيل الإنكار لصريح القرآن بل على سبيل التأويل، فيقولون : «استوى بمعنى استولى»، وهذا في الحقيقة هو كلام الجهمية الأوائل لكن على سبيل التأويل، وهذا هو التحريف الذي سنبينه إن شاء الله -تعالى-، فالذي يقول : استوى بمعنى استولى ، واليد بمعنى القدرة والنعمة، والرِجْل بمعنى المقام العظيم، أو غير ذلك، كل هذا من البدع والضلال الموروث عند الأشاعرة عن المتقدمين من المعتزلة.

التحريف

أما التحريف فهو نوعان : 

1- التحريف اللفظي: ومعناه التغيير في لفظ الآية أو الحديث ، كقول بعض المعتزلة في قوله -تعالى-: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) (النساء :164) ، يقرؤها : « وكَلَّمَ اللهَ مُوسَى تكْلِيماً » ، ليثبت أن الكلام لموسى وليس صفة لله ، فجعله من فعل موسى -عليه السلام- ليهرب من إثبات صفة الكلام لله -عز وجل- ، وهذا لا يمكنه في مثل قوله -تعالى-: (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) (الأعراف : 143) ، فهي لا تحتمل إلا وجهاً واحداً وهو أن الله -عز وجل- هو الذي كَلَّمَ موسى -عليه السلام- .

2- التحريف المعنوي: هو تحريف المعنى ، بحيث يبقى اللفظ على ما هو عليه ولكن يُحرِّف المعنى ، ويدخل في التحريف التأويل المذموم الذي ابتدعه بعض الخلف لشبهات عقلية فاسدة كقول المعتزلة ومن وافقهم فيما بعد من الأشاعرة في قوله -تعالى- : (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه : 5)، أي « استولى » ، تحريفاً للمعنى ، فَهُم يُثبتون اللفظ ، ويحرِّفون المعنى الحقيقي ، وهو معنى العلو والارتفاع ، فالله -عز وجل- على العرش استوى ، بمعنى علا وارتفع ، فينفون ذلك ، ويقولون: لا يجوز أن يوصف بالاستواء والفوقية ، ولكن الاستواء هو الاستيلاء ، واستوى بمعنى استولى.

ومثل قولهم في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ كُلَّ لَيْلَةٍ ، فَيَقُولُ : مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ؟؟ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ؟؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ؟؟ حَتَّى يَطْلُعَ الفَجْرُ)، فيقولون : ينزل أمر ربنا ، أو ينزل مَلَك من ملائكة ربنا ، ولا يُثبتون نزول الرب -سبحانه وتعالى- ، لماذا ؟! لأنهم يقولون إن هذا النزول لا يليق بالله ، ولا يجوز أن يوصف الرب -سبحانه وتعالى- بالنزول والصعود والارتفاع ونحو ذلك ، وهذا كله جهل عظيم ، وذلك لأن صفات الله -تعالى- وأفعاله نأخذها من كتاب ربنا ومن سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- ، فقد سبق أن : مصدر التلقي في عقيدة أهل السنة والجماعة وفي عقيدة السلف هو : الكتاب والسنة ، وليس العقول التي تخطئ وتصيب ، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر أن الله ينزل إلى السماء الدنيا .

وأخبر الله -عز وجل- عن صفة اليد بقوله : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ)(المائدة : 64) ، فلا يجوز بعد ذلك لعبد أن يقول : « إن اليد التي وصف الله بها نفسه هي جارحة ، أي جزء من الأجزاء ، وهذا لا يليق بالله ، ونحن نعرف ما يليق بالله ، فنصرف اللفظ الذي ورد إلى معنى آخر ، هو معنى القدرة أو النعمة » .

وكذلك لا يجوز لعبد أن يقول أن قوله -تعالى-: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) معناه قدرته أو نعمته ، لأن اللفظ لا يحتمل ذلك ، لماذا؟! لأن صفة القدرة صفة واحدة فلا نقول : إن لله قدرتين ، ولا أن لله نعمتين ، لأن الله نعمه لا تحصى -سبحانه وتعالى- وقدرته صفة ذاتية قائمة به -عز وجل- وكيف يقول في قوله : (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) قدرتاه أو نعمتاه ؟!.

فالذي يُحَرِّف يُسمِّي ما يفعله تأويلاً ، والتأويل هي الكلمة المشهورة عندهم ، فلا يسمون التحريف تحريفاً ، ولكن يسمونه تأويلاً لنصوص متشابهة كما يزعمون ، يسمون نصوص آيات الصفات نصوصاً متشابهة تحتاج إلى تأويل ، فيؤولونها بهذه الألفاظ ، فعلى سبيل المثال لماذا ينفون الاستواء ؟! لأنهم يقولون : يلزم منه الجِهَة ، والجِهَة يلزم منها التَحَيُّز ، أي يكون الله -عز وجل- في حَيِّز ، وفي مكان معين .

والجواب عن ذلك أن الاستواء لا يلزم منه التَحَيُّز ، ولا أن الجِهَة بمعنى المكان المخلوق ، نحن نُثبت ما أثبته الكتاب والسنة من أن الله فوق العرش ، ولفظ فوق التي يسمونها الجِهَة لا يلزم أن يكون مكاناً محدوداً يَحِلُّ فيه الرب -عز وجل- ، بل الله -سبحانه وتعالى- العلي الكبير ، فهو -عز وجل- أكبر ، نقول : الله أكبر ، أكبر من كل شيء ، فلا يحيط به شيء ، بل هو -عز وجل- بكل شيء محيط ، هو -سبحانه وتعالى- لا يَحِلُّ في شيء من مخلوقاته ، بل هو كما يقول السلف : «مُسْتَوٍ عـلى عرشه بائِنٌ من خلقـه» ، وبائنٌ أي منفصل ، لا يَحِلُّ في المخلوقات ، فالسموات السبع والأرضون السبع في كَفِّ الرحمن كخَرْدَلَة في كَفِّ أحدكم ، والخَرْدَلَة شيء خفيف جداً مثل الحبوب التي تكون في زهرة النبات ، والله أعلى وأعلم .

ونقول : إن هذا الذي حَرَّفَ كأنه يقول لله -عز وجل- إن الصفة التي وصفتَ بها نفسك ، ووصفكَ بها رسولك -صلى الله عليه وسلم- لا تليق بك ، وأنا ألغيها وآتي بما يليق بك ، فما أقبح هذا وما أشد سوء أدبه ، فالله -عز وجل- أعلم بنفسه ، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعلم بربه ، ولا يجوز أن نقول إن الكتاب والسنة يظهر منهما الباطل .

فلذلك نقول لا يجوز أن نَصِفَ الرب -سبحانه وتعالى- إلا بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم- ولا نُحرِّف ، والتحريف نوع من التعطيل وإن كان دون التصريح بالتعطيل ، فالذي يُحرِّف يحاول ألا يُكَذِّب صريح القرآن فيُؤوِّل ، وهذا فعل المعتزلة والأشاعرة ، وأصل هذه التأويلات هي تأويلات الجهمية لما فشلت حيلتهم في رد الكتاب صراحةً ، وفي رد السنة صراحةً ، لجؤوا إلى التأويل ، ولكن لأجل عدم معرفة المتأخرين بعقيدة السلف ، أصبحت عقيدة هؤلاء الجهمية هي عقيدتهم ، وإن كانوا لا يُسَمُون أنفسهم بالجهمية.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة