الاثنين، ٢٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٦ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

عقيدة السلف في الصفات..شرح المنة (9)

عقيدة السلف في الصفات..شرح المنة (9)
الأربعاء ٢٥ أبريل ٢٠٠٧ - ١٤:٤٣ م
12

عقيدة السلف في الصفات..شرح المنة (9)

التعبد لله -عز وجل- بالأسماء والصفات

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

الموضوع اليوم من أهم الموضوعات المتعلقة بقضية الأسماء والصفات، إن لم نقل هو المقصود الأول المهم، وهو الذي أمر الله -عز وجل- به، وهو التعبد لله -عز وجل- بأسمائه وصفاته.

إن إبطال العقائد الفاسدة مثل التعطيل والتحريف والتكييف والتمثيل هو بيان الطريق في باب التعبد بالأسماء والصفات وليس نهايته ، فلو أن إنساناً لديه قطعة أرض ، ونظفها من الشوائب والقاذورات التي بها ، ثم إنه رضي بهذا وجلس فيها ولم يَبْنِ فيها بيتاً ، فلو جاءه حر لَلَفَحَهُ ، ولو جاءه برد لآذاه ، لذلك كان لابد له من أن يبني بيتاً يحميه، وكذلك نحن بعد أن نُنَظِفَ قلوبنا من العقائد الفاسدة لابد لنا من بناء الإيمان داخل قلوبنا ، وذلك بالتعبد لله -عز وجل- بالأسماء والصفات ، ودعاء الرب -عز وجل- بها ، فهو الذي قال : (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (لأعراف:180)

 ونحن لم نتكلم عن الفرق الضالة إلا لأنها موجودة، وقلنا إن أضر الناس على الإسلام هم هذه الفِرق، وهم شرٌ على الإسلام طوال تاريخه، ومازالوا موجودين ، فلابد من الحذر منهم.

والأصل أن لا نتكلم بهذا الكلام ولا نثيره إلا قدر الضرورة ، وننشغل عنه بما هو أهم منه وأعظم، وهو البناء، فلا يكفي أن نَرُدَ على أهل البدع فقط ، بل الغرض المقصود أن نتعبد لله -عز وجل-، فالتعبد لله -عز وجل- بأسمائه وصفاته هو حقيقة التوحيد، وذلك بأن يمتلئ القلب بأجل المعارف باستحضار معاني أسماء الله الحسنى وصفاته العلى ، ويتأثر القلب بآثارها ومقتضياتها، ويدعو الله تعالى بها.

فمثلاً أسماء « العظيم ، والكبير ، والمتعال ، والمجيد ، والجليل » تملأ القلب تعظيماً لله وإجلالاً له ، وأسماء « البر ، والكريم ، والودود » تملأ القلب حباً لله -عز وجل- وشوقاً إليه ، وحمداً له وشكراً ، وأسماء « العزيز ، وشديد العقاب ، والجبار ، والقدير » تملأ القلب خضوعاً وانكساراً وذلاً وخوفاً ورهبة منه -سبحانه وتعالى- ، وأسماء « العليم ، والخبير ، والسميع ، والبصير ، والشهيد ، والرقيب والحسيب » تملأ القلب مراقبة لله -عز وجل- في الحركات والسكنات ، وتؤدي بالعبد إلى أن يعبد الله كأنه يراه ، فإن لم يكن يراه فالله -عز وجل- يراه ، وأسماء « الغني ، والغفور ، والتواب ، والمجيب ، واللطيف » تملأ القلب افتقاراً إلى فضله ورجاءً لرحمته ورغبة في منته .

قال ابن القيم -رحمه الله- في طريق الهجرتين : « واعلم أن لك أنت أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً بل كل شيء فله أول وآخر وظاهر وباطن ، حتى الخطرة واللحظة والنفس وأدنى من ذلك وأكثر . فأولية الله -عز وجل- سابقة على أولية كل ما سواه ، وآخريته ثابتة بعد آخرية كل ما سواه . فأوليته سبقه لكل شيء ، وآخريته بقاؤه بعد كل شيء ، وظاهريته ـ سبحانه ـ فوقيته وعلوه على كل شيء ، ومعنى الظهور يقتضي العلو ، وظاهر الشيء هو ما علا منه وأحاط بباطنه . وبطونه سبحانه إحاطته بكل شيء بحيث يكون أقرب إليه من نفسه ، وهذا قرب غير قرب المحب من حبيبه ، هذا لون وهذا لون . فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة ، وهي إحاطتان : زمانية ومكانية ؛ فأحاطت أوليته وآخريته بالقبل والبعد ، فكل سابق انتهى إلى أوليته ، وكل آخر انتهى إلى آخريته ، فأحاطت أوليته وآخريته بالأوائل والأواخر ، وأحاطت ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن ، فما من ظاهر إلا والله فوقه ، وما من باطن إلا والله دونه ، وما من أول إلا والله قبله ، وما من آخِر إلا والله بعده : فالأول قِدَمُه ، والآخِر دوامه وبقاؤه، والظاهر علوه وعظمته ، والباطن قربه ودنوه ، فسبق كل شيء بأوليته ، وبقى بعد كل شيء بآخريته ، وعلا على كل شيء بظهوره ، ودنا من كل شيء ببطونه ، فلا توارى منه سماءٌ سماءً ولا أرضٌ أرضاً ، ولا يحجب عنه ظاهر باطناً بل الباطن له ظاهر ، والغيب عنده شهادة والبعيد منه قريب والسر عنده علانية . فهذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركان التوحيد ، فهو الأول في آخريته والآخر في أوليته ، والظاهر في بطونه، والباطن في ظهوره ، لم يزل أولاً  وآخراً وظاهراً وباطناً.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة