عقيدة السلف في الصفات
... شرح المنة (11)
التعبد لله باسمه الباطن
والظاهر
كتبه/ ياسر برهامي
الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
قال
ابن القيم -رحمه الله- في كلامه عن التعبد لله -سبحانه- باسمه الظاهر:
وأما التعبد باسمه الباطن فإذا شهدت إحاطته بالعوالم
وقربَ البعيد منه وظهورَ البواطن له وبدوَّ السرائر له وأنه لاشيء بينه وبينها
فعامله بمقتضى هذا الشهود ، وطهر له سريرتك فإنها عنده علانية وأصلح له غيبك فإنه
عنده شهادة ، وزَكِّ له باطنك فإنه عنده ظاهر ... » ا.هـ ([1]<1>)
وقال ـ رحمه الله ـ : « فمن شهد مشهد علو الله على خلقه
وفوقيته لعباده واستوائه على عرشه كما أخبر به أعرف الخلق وأعلمهم به الصادق
المصدوق -صلى الله عليه وسلم- ، وتعبد بمقتضى هذه الصفة بحيث يصير لقلبه صمد يعرج
القلب إليه مناجياً له مطرقاً واقفاً بين يديه ، وقوف العبد الذليل بين يدي الملك
العزيز ، فيشعر بأن كلمه وعمله صاعد إليه معروض عليه مع أوفى خاصته وأوليائه ،
فيستحى أن يصعد إليه من كلمه ما يخزيه ويفضحه هناك ، ويشهد نزول الأمر والمراسيم
الإلهية إلى أقطار العوالم كل وقت بأنواع التدبير والتصريف ـ من الإماتة والإحياء
والتولية والعزل والخفض والرفع والعطاء والمنع وكشف البلاء ، وإرساله وتقلب
الدول ومداولة الأيام بين الناس ـ إلى غير ذلك من التصرفات في المملكة التي لا
يتصرف فيها سواه ، فمراسمه نافذة كما يشاء (يُدَبِّرُ
الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ
كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) (السجدة:5)، فمن أعطى هذا
المشهد حقه معرفة وعبودية استغنى به .
وكذلك من شهد مشهد العلم المحيط الذي لا يعزب عنه مثقال
ذرة في الأرض ولا في السموات ولا في قرار البحار ولا تحت أطباق الجبال ، بل أحاط
بذلك علمه علماً تفصيلياً ثم تعبد بمقتضى هذا الشهود من حراسة خواطره وإرادته
وجميع أحواله وعزماته وجوارحه ، علم أن حركاته الظاهرة والباطنة وخواطره وإرادته
وجميع أحواله ظاهرة مكشوفة لديه علانية له بادية لا يخفى عليه منها شيء .