السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

أثر الدعاء في النصر على الأعداء (2)

أثر الدعاء في النصر على الأعداء (2)
الأربعاء ١٧ يناير ٢٠٢٤ - ١٠:٣٣ ص
54

أثر الدعاء في النصر على الأعداء (2)

كتبه/ السيد مختار البنا

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فنستكمل في هذا المقال كلامنا عن الدعاء وأثره، ودوره الكبير في النصر على الأعداء.

7- مما يدلًّ على أنَّ النصر يُستنزل بالدعاء، ما قاله أسد بن عبد الله القسري أمير خراسان في قتاله للفرس: "إنَّه بلغني أنَّ العبد أقرب ما يكون إلى الله إذا وضع جبهته لله، وإنِّي نازل وواضع جبهتي، فادعوا الله، واسجدوا لربكم، وأخلصوا له الدعاء، ففعلوا، ثمَّ رفعوا رؤوسهم، وهم لا يشكُّون في الفتح" (تاريخ الطبري).

8- وهكذا كان عقبة بن نافع، فقد كان مستجاب الدعوة، وكان يتوجه إلى الله بالدعاء عند الشروع في معاركه، ويصادم العدو في شجاعة مذهلة، كما ذكره عنه أهل السير، ثمَّ يكتب الله له النصر المبين (أبطال ومواقف).

9- وهكذا يمضي جنود الإسلام، وتسير قوافل المجاهدين إلى الله رب العالمين؛ فهذا الإمام الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك الحنفي، يقول لألب أرسلان في موقعة (ملاذكرد) بعد أن رأى كثرة جيش الروم والتي قُدِّرت بمئتي ألف مقاتل: "إنَّك تقاتل عن دين الله، وقد وعد الله بنصره، وأرجو أن يكون الله قد كتب لك بجيشك القليل شرف النصر، فسر إلى العدو الكافر يوم الجمعة، بعد الزوال، والأئمة على منابرهم يدعون لجيشك بالنصر، والله غالب على أمره، وتمَّ ذلك عند ظهيرة يوم الجمعة من صيف أربعمائة وثلاث وستين للهجرة، فقد صلَّى وبكى فبكى الناس لبكائه، ودعا الله فدعا الناس بدعائه، وعفَّر وجهه بالتراب ثمَّ ركب وقال للناس: ليس عليكم الآن أمير، وكلكم أمير نفسه، من شاء أن ينصرف فليعد إلى أهله، ولبس البياض وتحنَّط، وحمل بجيشه حملة صادقة، فوقعوا في وسط العدو يقتلون ما يشاؤون، وثبت العسكر، ونزل النصر، وولت الروم، واستحر بهم القتل، وقتل طاغيتهم أرمانوس، بعد أن أسره مملوكٌ، وسار به ذليلًا ليُقتل رغم أنفه" (البداية والنهاية).

أليس ذلك من بركات الدعاء يا عبد الله؟!

10- وانظر في حال نور الدين محمود في فتح حارم سنة 559هـ، وقد انفرد تحت تل، حينما التقى الجمعان وسجد لربه ومرَّغ وجهه وتضرع، وقال: "هؤلاء يا رب عبيدك وهم أولياؤك، وهؤلاء عبيدك وهم أعداؤك، فانصر أولياءك على أعدائك" (ما فضول محمود في الوسط)؛ يشير إلى أنَّك يا رب إن نصرت المسلمين فدينك نصرت، فلا تمنعهم النصر بسبب محمود، يعني نفسه، إن كان غير متحقق النصر، ثمَّ بعد ذلك فتح الله على يديه فتحًا عظيمًا. (معارك المسلمين في رمضان، للدكتور عبد العزيز العبيدي).

11- ومتِّع عينيك بقصة البطل العظيم صلاح الدين محرر القدس من الصليبيين، "فقد جمع صلاح الدين الجموع، ونظَّم الجيوش ثمَّ عقد مجلس شوراه للتشاور في منازلة العدو، وتوقيت المعركة فاتفقوا على الخروج في 17 ربيع الآخر عام 583هـ بعد صلاة الجمعة، وبين تكبير المسلمين وابتهالهم وتضرعهم بالدعاء" (صلاح الدين الأيوبي، للدكتور عبد الله ناصح علوان).

قال القاضي ابن شدَّاد: "وكان صلاح الدين إذا سمع أنَّ العدو قد داهم المسلمين خرَّ إلى الأرض ساجدًا لله، داعيًا بهذا الدعاء: اللهم قد انقطعت أسبابي الأرضية في نصرة دينك، ولم يبقَ إلا الإخلاد إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونعم الوكيل".

وقال: "ورأيته ساجدًا ودموعه تتقاطر على شيبته ثمَّ على سجَّادته، ولا أسمع ما يقول، ولم ينقضِ ذلك اليوم إلا ويأتيه أخبار النصر على الأعداء، وكان أبدًا يقصد بوقفاته الجمع؛ سيما أوقات صلاة الجمعة تبركًا بدعاء الخطباء على المنابر، فربما كانت أقرب إلى الاستجابة" (سيرة صلاح الدين الأيوبي للقاضي ابن شدَّاد).

12- وانظر ماذا كان يفعل المظفر قطز في معركة عين جالوت سنة (658) هـ، وهو يحمِّس المجاهدين ويصيح: واإسلاماه، واإسلاماه، ويسجد ويعفِّر وجهه في التراب ويقول: "يا الله انصر عبدك قطز" (معارك المسلمين في رمضان للعبيدي).

وقال ابن كثير عن قطز: "ولمَّا رأى عصائب التتار، قال للأمراء والجيوش: لا تقاتلوهم حتَّى تزول الشمس وتفيء الظلال وتهب الرياح، ويدعو لنا الخطباء في صلاتهم" (البداية والنهاية). واستجاب الله دعاءه، وهزم المغول ووقعوا بين يديه ما بين قتيل وجريح وأسير، بل وقع بين يديه قائد المغول فقتله تنكيلًا به، وجزاء إجرامه في قتل المسلمين.

13- أمَّا محمد الفاتح، فقد دخل المسجد في صباح يوم التاسع والعشرين من مايو عام 1453م فوجد شيخه ومعلمه ومربيه آق شمس الدين منطرحًا بين يدي ربه مستغرقًا بالدعاء، فاستبشر خيرًا بالنصر، وحين كان المجاهدون يهيئون للمعركة عدتها كان هتافهم: "يا الله، يا لله"، ولمَّا فتحت القسطنطينية رآه الناس وهو يمرِّغ وجهه في التراب تواضعًا لله، والمؤمنون يهنئونه بالنصر، وهو لا يزيد على أن يقول: "النصر من عند الله، النصر من عند الله" (أبطال ومواقف).

عرف هؤلاء البواسل دربهم، فساروا إلى ساح الجهاد، وفتحوا الفتوحات، وغيَّروا مجرى التاريخ لصالح أمة الإسلام الخالدة، وأكثروا الدعاء لربهم، والاستغاثة بمعبودهم، حتى خطَّ الله لهم طريق النصر المبين، والعز والتمكين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة