الجمعة، ١٠ ذو القعدة ١٤٤٥ هـ ، ١٧ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

السلفيون..والعقيدة الصافية

السلفيون..والعقيدة الصافية
الثلاثاء ١٩ يونيو ٢٠٠٧ - ١٤:١٨ م
14

السلفيون..والعقيدة الصافية

كتبه/ محمود عبد الحميد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمما لا شك فيه أن العقيدة الصحيحة من أهم الأمور؛ لأنها رأس الأمر، وبصلاحها؛ يصلح أمر العبد، وبفسادها؛ يفسد أمره -أو كمال أمره- على حسب ما أحدث من خلل، وإن المتأمل لأحوال الناس اليوم؛ يجد أن كثيرًا منهم صارت عندهم أخطاء في العقيدة ما بين قول أو فعل؛ وهذا ناتج من التساهل الواضح عندهم في تعلم العقيدة الصحيحة وما يضادها.

حتى إنك تري كثيرًا ممن تظن بهم الخير والصلاح عندهم تساهل في هذا الجانب، بل كثير ممن يقوم بأمر الدعوة إلى الله، ولهذا تميزت الشخصية السلفية عن غيرها باهتمامها بأمر التوحيد علمًا وعملاً، قولاً واعتقادًا، بل يجعل السلفي قضية التوحيد هي القضية الأولي في حياته، وهي التي يعيش لتحقيقها؛ لقول الله -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56)، قال قتادة: أي يوحدون.

فإذا كان الله -تعالى- خلق الإنسان لهذه القضية؛ فجدير به أن يعيش بها، وأن يعيش لها، وأن يبذل كل ما في وسعه لتحقيقها، فإن العمل بها سبب في دخول الجنة؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا؛ دَخَلَ الْجَنَّةَ) (متفق عليه)، وكذلك ترك التوحيد سبب في دخول النار؛ لقوله -تعالى-: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (المائدة:72).

وتميز السلفي بأن جعل قضية التوحيد هي قضية الدعوة الأولي، وذلك سيرًا على درب الأنبياء والمرسلين، فإن كل نبي كان أول ما يقرع به أسماع قومه: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) (الأعراف:59)، وقد بعث الله بذلك المرسلين: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (النحل:36)، وقال -تعالى-: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:25).

وقد جعل الله -سبحانه وتعالى- التوحيد سبب وشرط لقبول العمل، والشرك سبب لحبوطه؛ قال -تعالى-: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (الزمر:65)، وقال -تعالى-: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:88).

ولذلك؛ فإن العبادة بلا توحيد أو مع شرك لا تنفع صاحبها ولو كثرت، وكذلك فإن التوحيد يملأ القلب حبًا لله -سبحانه وتعالى-، فأكثر الناس حبًا لله هم من حقق التوحيد الكامل؛ قال -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ) (البقرة:165)، ومعلوم أن القلب كلما ازداد حبًا لله؛ ازداد له عبودية، وكلما ازداد له عبودية؛ ازداد له حبًا وحرية عما سواه، والقلب فقير بالذات إلى الله من جهتين: من جهة العبادة، ومن جهة الاستعانة والتوكل، فالقلب لا يصلح، ولا يتلذذ، ولا يسر، ولا يطيب، ولا يسكن، ولا يطمئن إلا بعبادة ربه، وحبه، والإنابة إليه، ولو حصل له كل ما يلتذ به من المخلوقات؛ لم يطمئن، ولم يسكن؛ إذ فيه فقر ذاتي إلي ربه من حيث هو معبوده ومحبوبه ومطلوبه.

والتوحيد من أعظم أسباب انشراح الصدور؛ قال -تعالى-: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ للإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) (الزمر:22)، وقال -تعالى-: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ) (الأنعام:125).

فالتوحيد من أعظم أسباب انشراح الصدور، والشرك والضلال من أعظم أسباب ضيق الصدر.

والسلفي يعتقد أن التوحيد أول واجب؛ فلا يدخل العبد الإسلام إلا به، وهو آخر واجب؛ فإنه يـُطلب من المرء ألا يخرج من الدنيا إلا به؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ؛ دَخَلَ الْجَنَّةَ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، ولأجل ذلك حافظت السلفية علي العقيدة نقية خالصة من أي شائبة، وحصَّنتها من الأفكار المحدثة التي جاءت بها الفرق التي نشأت بعد العصر النبوي بما فيها من انحراف عن العقيدة كما كان عند الخوارج من تكفير أهل القبلة، والحكم عليهم بالخلود في النار لمجرد المعصية.

وما كان عند الشيعة الغلاة من تأليه عليّ -رضي الله عنه-، وما عند بقية فرق الشيعة من المخالفات العقدية كادعاء العصمة في الأئمة، وعبادة القبور والأضرحة، وغير ذلك.

وما كان عند القدرية من إنكار القدر، وما جاءت به الفرق الكلامية بمحاولة التوفيق بين الفلسفة الإغريقية والعقيدة الإسلامية مع ما بينهما من الفروق؛ فالعقيدة الإغريقية مبنية على الوثنية وتعدد الآلهة، والعقيدة الإسلامية مبناها التوحيد؛ فقامت السلفية بالدفاع عن العقيدة، وتحريرها من الفلسفة وعلم الكلام.

كما تصدى المنهج السلفي للمعتزلة والجهمية في إنكار صفات الله -تعالى-، أو في تشبيه الله بخلقه، كما تصدت السلفية لمناهج التأويل غير المعتبر لأسماء الله وصفاته لدى الأشاعرة والماتريدية، وبهذا بقيت السلفية على عقيدة السلف الصالح من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

كما تصدت السلفية للمدرسة العقلية التي جعلت العقل البشري نِدًا للوحي، وحاكمًا مهيمنـًا عليه، وسعوا إلى تأويل النصوص لموافقة العقل، وهو مبدأ خطر؛ لأنه ينتهي بالأمر إلي فوضي؛ لأنه ليس هناك عقل مطلق لا يتناوبه النقص، والهوى، والشهوة، والجهل.

فخلص من ذلك إلي أن السلفي سعى سعيًا دءوبًا؛ لتحقيق التوحيد في نفسه، وفي أمته.

حقق التوحيد في كل أقسامه سواء في الربوبية، أو الألوهية، أو في الأسماء والصفات، وعاش في رياض التوحيد ينعم بثماره على قلبه، وعلى لسانه، وفي جوارحه، يهنأ بالسعادة، والأمن، والاهتداء الذي يحققه توحيد الله -عز وجل-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمن وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:82).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية