الأحد، ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

فساد ذات البين

فساد ذات البين
الأربعاء ٠٥ سبتمبر ٢٠٠٧ - ١٧:٢٦ م
11

فساد ذات البين

كتبه/ أحمد شكري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

ومن أخطر العوائق التي تمنع العبادات من النفاذ إلى لب القلب وجود الضغائن والأحقاد والغل، فمهما قام الإنسان بأنواع من الطاعات والعبادات فإنه لن ينجو يوم القيامة إلا إن كان من أصحاب القلوب السليمة، كما قال -تعالى-: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء:88-89)، والقلب السليم هو السليم في العلاقة بربه -عز وجل- بحيث يكون خالياً من الشك والشرك والرياء والبدع والشهوات، ولابد أيضاً مع ذلك أن يكون سليماً في علاقته بمن حوله، بحيث يكون خالياً من الحقد والحسد والغش، وهذا هو معنى النصيحة لكل مسلم.

والشيطان الذي يئس أن نترك الصيام والقيام، فلا يجرؤ أن يقول لأحد "دعك من صيام رمضان هذا العام"، لن يتركنا نستفيد من هذه العبادة الجليلة، بل سيسلك أقصر الطرق لمنع هذه الاستفادة، وهي إثارة الشحناء كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (إن الشيطان قد أيئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب لكن رض في التحريش بينهم).

إنهم لن يتركوا عبادة الله إذن فالسبيل لإضلالهم هو منع هذه العبادة من التأثير فيهم عن طريق إثارة الخلافات والنزاعات بينهم، ولذلك بيَّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن فساد ذات البين ليست فقط تفسد على الإنسان الاستمتاع بحياته وهدوء أعصابه، بل أيضاً تفسد عليه دينه كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (فإن فساد ذات البين هو الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين)،  وروي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً: رجل أمََّ قوم وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط، ورجلان متصارمان).

انظر الثلاثة يجمعهم فساد ذات البين، إن فساد ذات البين تحرم الإنسان من بركات مواسم الطاعة والخير، فيوم الاثنين والخميس يومان تعرض فيهما الأعمال على الله -عز وجل-، ويغفر الله فيهما لعباده كذلك في ليلة النصف من شعبان حين يطلع الله فيها على عباده فيغفر لهم.

ولكن يحرم من بركة هذين اليومين في الأسبوع، وهذا اليوم في السنة من كان مشركاً أو متشاحناً.

وأعجب ما يروي في رفع بركات ونفحات مواسم الطاعة بسبب فساد ذات البين ما روي أن رسول الله صلي الله عليه وسلم رأى ليلة القدر فخرج لأصحابه ليخبرهم بها، فتلاحى رجلان فنسيها -صلى الله عليه وسلم-، سبحان الله ما أشد هذه العقوبة على التناحر والتنازع!

ولذلك إذا خلى قلب الإنسان من هذه الضغائن فإن اليسير من العبادة سيرفعه إلى أعلى عليين، أما إذا كان قلبه مظلماً  بتلك الأحقاد والشحناء، فلن ينيره أي عبادة مهما كثرت، كما أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل من أهل الجنة، فقال: (يخرج عليكم رجل من أهل الجنة) فلزمه عبد الله بن عمرو بن العاص قال له يا بني ليس إلا ما رأيت غير أني لا أبيت وليس في صدري غش لأحد من المسلمين. قال عبد الله بن عمرو: هذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق.

ولما سئل -صلى الله عليه وسلم- عن خير الناس؟ قال: (كل مخموم القلب صدوق اللسان) قالوا يا رسول الله هذا صدوق اللسان نعلمه فما مخموم القلب ؟ قال: (التقي النقي الذي لا غل فيه ولا حسد)

لابد أن يستقر في حس كل مسلم أن الاستفادة من الطاعات والعبادات ليست إلا رحمة من الله -عز وجل- وحده، ليست من كثرة الاجتهاد، ولا بالاعتماد على النفس، بل بفضل الله ورحمته، والله -عز وجل- لا يرحم من عباده إلا الرحماء، ومن لا يرحم لا يرحم كما -صلى الله عليه وسلم-: (إنما يرحم الله من عباده الرحماء)

ولعلك ترى بعض المصلين في المسجد أو حتى بعض المعتكفين بينهم من التدابر والتقاطع، بل يصل الأمر إلى أن يتمنى لأخيه الخطأ حتى يشنِّع به عليه، ولا شك أن هذا ضد الرحمة فيما بينهم، وهذا لا يكون من صفات المؤمنين كما قال -تعالى-: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)(الفتح: من الآية29)

لذلك لابد من نصيحة الأخوة الحريصين على أوقاتهم -جزاهم الله خيراً-؛ لأن بعضهم يؤدي به ذلك إلى نوع من الغلظة والجفاء، وخصوصاً مع من يدخل المسجد لأول مرة، أو لم يتعود بعد على الاعتكاف في المسجد، يجب عليه أن يهتم أن حسن الخلق أثقل في الميزان من العبادات الذاتية، ولذلك يجب أن يتضح الفرق بين النصيحة والتعيير، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (ما كان الرفق في شئ إلا زانه وما نزع من شئ إلا شانه).

اعلم أن كثيراً من الملتزمين سيقفز إلى أذهانهم الآن صور شتى من فساد ذات البين بسبب قضايا فكرية، أو حتى عقائدية، أو بسبب التنازع على المساحات الدعوية بين الجماعات المختلفة.

ولا شك أن هذه المشكلة من أعقد المشاكل وأشدها استعصاء على الحل ولكن ينبغي:

 أولاً: أن نفرق وبمنتهى الوضوح بين الغضب لله وبين الغضب للنفس، ولا تحسبها سهلة.

ثانياً: ينبغي أن نعلم أن البغض قد يجتمع مع محبة الهداية والرحمة واللين والرفق في النصيحة.

ثالثاً: اعلم جيداً أن الجدال لا يكون أبداً من وسائل نصرة السنة، وإن كان فلا ينبغي أبداً أن يكون ذلك في رمضان.

رابعاً: اعلم أن أهل الحق المستقيمين على السنة والفهم الصحيح للإسلام مطالبون بأكثر مما يطالب به  غيرهم، فالمخالف لطريق السلف  مطالب فقط بأن يعود إلى طريقهم، أما الموافق لطريق السلف فهو مطالب باللين والرفق وحسن الخلق، والصبر على الأذى، ومطالب أيضاً بالفهم الأعمق لمنهجه؛ لأنني ألاحظ في كثير من الأحيان أن من أهم أسباب الصد عن الحق هو عدم فهمه بالأساس، وعدم العلم بالحجج القاطعة الدالة عليه.

خامساً: ليس العالم من يعلم الخير من الشر، ولكن العالم من يعلم خير الخيرين وشر الشرين، وفي رمضان تغلب مصلحة صفاء الذهن والتفرغ للفكر والقرآن على كثير من المصالح المسماة دعوية.

سادساً: ارجع إلى أهل العلم والخبرة ممن يتميزون بالهدوء والاتزان في ردود الأفعال، واحذر القرارات الشبابية العوراء.

سابعاً: كن موقناً بقول الله -عز وجل-: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت:34-35)

 

ثامناً: أعظم تحصيل للملتزمين الجدد ضد البدع والأفكار المنحرفة هو تحسين صلتهم بربهم -سبحانه وتعالى- وتزكية أنفسهم بحيث لا تكون خاضعة للهوى، إذا كان السلف يوقفون دروس العلم والحديث للتفرغ لكتاب الله -عز وجل- في رمضان، فهل نظل نحن حريصين على تدريس ما يسمى بالقضايا الفكرية في هذه الأجواء الإيمانية الراقية.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة