الجمعة، ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٣ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

نجاة الكليم وهلاك اللئيم

نجاة الكليم وهلاك اللئيم
الاثنين ١٤ يناير ٢٠٠٨ - ١٣:٣١ م
8

نجاة الكليم وهلاك اللئيم

كتبه/ سعيد صابر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

كان آخر نداء جمعنا بكم -أيها الأحبة- هو قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(المائدة:1). ورأينا كيف أن البعض يصدق عليه قول القائل: "الخط في الماء أبقى من عهده، وسحابة الصيف أثبت من قوله!".  وكيف لا وليس وعده إلا خديعة وسراب بقيعة؟

ونود أن نقف قليلاً مع يوم من أيام الله -تعالى- هو يوم عاشوراء الذي نجى الله فيه كليمه موسى -عليه السلام-، ولنقف مع قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً) (الأحزاب:69)

إنه الرجل الذي اصطفاه الله على أهل زمانه. يقول -تعالى-: لموسى (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)(لأعراف:144)

ولقد كان -عليه الصلاة والسلام- آية في الشكر والتبتل ليس حال حياته فحسب، بل وبعد وفاته كذلك!

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث الإسراء: (مررت بموسى وهو قائم يصلي في قبره) فكانت الصلاة قرة عينه، وكانت من أمضى الأسلحة التي واجه بها عدوه فرعون (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) (يونس:87)

فنعم العون لنا على عدو الله وعدونا أن نقيم تلك الشعيرة، وأن نأتي بها على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه. ولقد كان -صلى الله عليه وسلم- إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:153)

أمر الله كليمه موسى أن يتوجه إلى رأس الشر، ومع ذلك أمره أن يتلطف في دعوته، فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه، يقول -تعالى-: (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى) (طـه:42-45)

ففرعون أشهر من نار على عَلَم في البطش والجبروت، فسكن الله قلبيهما بقوله: (لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طـه:46) ومن كان الله معه فمن عليه؟؟

توجه موسى إلى فرعون فكانت قصة من أروع القصص في المواجهة بين الحق والباطل، وكان العداء بينهما علي أشده، وهذه سنة الله، فكل من دعا إلى الله فلابد أن يأخذ بحظه ونصيبه من تلك العداوة (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً) (الفرقان:31)

وهذه العداوة -التي تأبى نارها إلا أن تظل مشتعلة- تقوم عليها أنواع من العبودية كالصبر والثبات والتوكل على الله. وقد ترسخت هذه المعاني العظام في قلب موسى -عليه السلام-؛ فها هو الطاغية يتهدد ويتوعد بصوت يقطر منه الدم (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ)(غافر:26) فماذا يفعل ذلك الرجل الأعزل وقد أهدر دمه، وأحاطت به المخاوف على مثل هذا النحو؟ ليس من ملجأ إلا الله؛ لذلك قال موسى (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ)(غافر:27)، ودعا موسى قومه إلى الاعتصام بجناب الله (اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(لأعراف:128) فلما قالوا: (أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا)(لأعراف:129) فتح لهم أبواب الأمل، ومنافذ الرجاء رغم الشدائد والمحن التي قد أحاطت بهم (قال عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)(لأعراف:129)

وبالفعل أهلك الله فرعون وملأه بدعوة موسوية ملؤها الصدق واليقين (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (يونس:88-89)

ثم بين الله -تعالى- عاقبة المجرمين  ومآل المعاندين فقال: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ) وأيقن بالموت وأخذت الأمواج ترفعه تارة، وتضعه أخرى، آمن حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، وصدق فيه قول الله -تعالى-: (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) (غافر:84)

يقول الله -تعالى-: (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ) (غافر:85)

فلم ينفعه قوله (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، بل قيل له: (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس:91)

آلآن أيها المجرم، وتاريخك الأسود مفعم بالكبر والتمرد والصد عن سبيل الله؟؟؟

آلآن وقد روعت الأبرياء واتهمت الشرفاء بالتطرف والإرهاب والفساد والإفساد؟؟؟

ألست أنت القائل آنفاً: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ)؟؟؟

ولقد ذُكِرَ أن فرعون بلغ من الجبروت والعلو أن بعض بني إسرائيل وكأنه شك في موته قائلاً: هل يمكن أن يموت فرعون؟!! هل يمكن أن يصبح هذا الطاغية أثراً بعد عين؟!!

ولذلك فإن الله أمر البحر فلفظه  حتى يتحقق الناس من موته، ويرون ذلك عياناً وتشفى بذلك صدور قوم مؤمنين، ويذهب غيظ قلوبهم.

ولقد كان هلاك فرعون يوم عاشوراء، فكانت اليهود تصوم فأمر النبي بصيامه قائلاً أنتم أحق بموسى منهم،

وصدق شيخنا -حفظه الله- إذ يقول: "نحن نحمد الله على نجاة موسى، وإن كان إسرائيلياً، لأنه كان حنيفاً مسلما، ونحمد الله كذلك على هلاك فرعون، وإن كان مصرياً لأنه  كان طاغية ملحدا)

فأوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله.

 

فأحبب لحب الله من كان مؤمناً                                   وأبغض لبغض الله أهل التمرد

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة