الأربعاء، ١ ذو القعدة ١٤٤٥ هـ ، ٠٨ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

قراءة في رسالة الشيخ "سلمان" لأخيه "ابن لادن"

قراءة في رسالة الشيخ "سلمان" لأخيه "ابن لادن"
الاثنين ٢٤ سبتمبر ٢٠٠٧ - ١٤:٣١ م
22

قراءة في رسالة الشيخ "سلمان" لأخيه "ابن لادن"

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

أثارت الرسالة المفتوحة التي وجهها الشيخ سلمان العودة والتي اشتهرت بعنوان: "إلى أخي أسامة" العديد من ردود الفعل، والتي تباينت بطبيعة الحال ما بين التأييد المطلق والرفض المطلق مروراً بمنازل أخرى كثيرة بينهما.

وكان من جملة أسباب النقد اللاذع الذي وُجِّه إلى هذه الرسالة أنها رسالة مفتوحة، ومن المفترض -من وجهة نظر أصحاب هذا الاعتراض- أن تكون مناصحات الإسلاميين سراً لا على الملأ، حتى لا يكون ذلك ذريعة للأعداء.

وفي واقع الأمر أن التناصح في مجال الأفكار قد يراد به الأتْباع أكثر مما يراد به القادة، لاسيما وأن معظم النقد المعلن المتبادَل بين الاتجاهات الإسلامية غالباً ما يكون مسبوقاً بنصيحة خاصة كما يُؤَمِّل أصحاب هذا الاعتراض.

وثمة اعتراض آخر يدور حول جهاد القاعدة وجهاد الشيخ أسامة، وبالتالي كان الواجب من وجهة نظر أصحاب هذا الاعتراض شكر الشيخ أسامة ومدحه لا مهاجمته ونقده.

وهذه قد أجاب عنها الشيخ سلمان في ثنايا رسالته ببيان كيف أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على خالد -رضي الله عنه- مع كونه آنذاك قائد الجيش الذي أرسله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وعلى هذا فهذان الاعتراضان ليسا بالوجيهين الوجاهة المعتبرة.

إلا أن ثمة اعتراضات أخرى لها قدر كبير من الوجاهة:

الأول يتعلق بالموضوعية، والثاني يتعلق بالتوقيت، والثالث بالمنبر الذي ألقيت منه هذه النصيحة.

أما الأول: فغني عن الذكر أنه متى تجاوز الناقد الحد، وحمَّل الأمور فوق ما تحتمل خسر أي فرصة لإصغاء المنصوح إلى نصحه، وأظن أن الشيخ سلمان قد وقع في شيء كبير من هذا حينما حمَّل القاعدة مسئولية كل العداء الذي يناصبه الكفارُ للمسلمين.

قد يكون من المفيد جداً تدارس آثار أحداث 11 سبتمبر على سقوط دولة طالبان، أو دراسة آثارها على الحركات الإسلامية وواقع الجمعيات الخيرية العاملة في الغرب وفي بلاد المسلمين على حد سواء، وكل هذا تطرق إليه خطاب الشيخ سلمان. وأما أن تـُحَمـَّل أحداث 11 سبتمبر أو غيرها تبعات الغزو الأمريكي للعراق، والشيخ سلمان من أدرى الناس بحرب الخليج الأولى وبالمخطط الأمريكي للسيطرة على بترول المنطقة، والذي مهد له عن طريق إغراء صدام حسين بغزو الكويت، وكان للشيخ سلمان وقتها موقفاً صلباً من قضية استعانة السعودية بالأمريكان بناء على أن هذه الاستعانة، وإن كانت بالنسبة للسعودية مجرد استعانة لرد عدوان صدَّام فهي بالنسبة للأمريكان مخطط جرى الإعداد من سنة كذا وكذا، وتم تدريب الجيوش الأمريكية عليه منذ كذا وكذا من السنوات، هذا الموقف لا يمكن أن ينساه الشيخ سلمان، لأن قد ابتلي بسببه بالسجن خمس سنوات، نسأل الله أن يجعلها في ميزان حسناته.

وأما الأعجب من تحميل أسامة بن لادن مسئولية ضياع العراق فهي تحميله مسئولية ضياع الشيشان والبوسنة والهرسك، والملاحظ أن هذه الساحات كانت مضرب المثل في الجهاد الشرعي المنضبط الذي لم يكن فيه استعجال الصدام، بل فرض الصدام نفسه.

وتحميل أسامة بن لادن مسئولية هذا الأمر في ثنايا نقده يحمل في طياته إنكار مشروعية الجهاد في هذه الأماكن بالإضافة للعراق، فما الذي كان ينبغي أن يفعل أمام احتلال واضح سافر يأكل الأخضر واليابس، ويخرج الناس من النور إلى الظلمات، هذا بالإضافة إلى أنه لا يعرف للقاعدة دور في بدء الجهاد في الشيشان، وأما دورهم في البوسنة فجاء متأخراً بعدما فعل الصرب من الجرائم ما عجز الأوربيون أنفسهم عن الدفاع عنه، وبمجرد توقيع اتفاق السلام رحلت القاعدة عن البوسنة، فعلى أي شيء يلامون إذن؟؟

وأما القضية التي كانت تستأهل أن تأخذ نصيباً أكبر من النصيحة وهي نقل الصراع مع القوى الاستعمارية خارج أرض المعارك الحقيقية في بلاد الكفار، وما يترتب على ذلك من تضييق على الدعوة هناك، والأخطر من ذلك محاولة ضرب المصالح الغربية في البلاد الإسلامية مع ما في ذلك من ضرر مباشر على عموم المسلمين، وربما أدى ذلك إلى قتل بعضهم برصاص إخوانهم، والذريعة في ذلك مشهورة (يـُبعثون على نياتهم).

هذه القضية كانت تستأهل أن تأخذ حظاً كبيراً من البيان إلا أنها جاءت هي الأخرى في وسط اتهامات بالتكفير والسعي وراء السلطة وعلى أشلاء القتلى، وهي اتهامات لم يوجه الشيخ سلمان مثلها إلى حسن نصر الله رغم أنه أولى بوصف أنه يسعى إلى السلطة بأي ثمن، ورغم أن استفزازه لإسرائيل كان  أظهر من استفزاز ابن لادن لأمريكا.

الخلاصة أن نصيحة الشيخ سلمان كان ينقصها بعض الموضوعية لكي تكون أكثر قبولاً لاسيما عند الطرف المنصوح.

غير أن المبالغة وعدم الموضوعية لم تكن هي العائق الوحيد أمام الإصغاء لنصيحة الشيخ سلمان، ولكن عامل التوقيت كان له أثر في ذلك، حيث أن هذا الشهر هو مولد درويشهم الجديد 11 سبتمبر، وبوسعنا نحن أن نوجه النصيحة في غير هذا الوقت على الأقل حتى لا نشارك في بدعة إحياء الموالد.

بالإضافة إلى أن بوش يواجه حرجاً داخلياً بالغاً من جراء فشله في العراق، وهو أمر فيه قدر من المصلحة، لعل الساسة بعده يرتدعون عن استفزاز المسلمين بما فيهم القاعدة، وظهور نقد علني للقاعدة من شخصية في حجم الشيخ سلمان قد يعطي قدراً من المساندة غير المباشرة لبوش، كما أن حالة النشوة التي يعيشها أنصار القاعدة في ظل الشريط الأخير، وفي ظل اعتراف الأمريكان ضمنياً بالهزيمة في العراق.

وأما العائق الثالث فهو المنبر الذي انطلقت منه هذه النصيحة، وهناك جدل قائم في الساحة الإسلامية منذ فترة حول مدى صلاحية قناة  MBCالفضائية وأخواتها لكي تكون منبراً دعوياً، بل إن بعض الشيوخ المصريين الذين يظهرون في قناة الناس قد واجهوا قدراً من الحرج لوجود بعض الانحرافات المنهجية في القناة رغم عدم مسئوليتهم عنها بالطبع، ورغم أن انحرافاتها تعد حسنات بالمقارنة بانحرافات قناة MBC الفضائية.

وإذا كان هذا الجدل حول صلاحية الفضائيات غير الإسلامية كساحة للدعوة دائر بين القبول والرفض، فإن استخدام هذه الفضائيات لممارسة النصح الداخلي داخل الصحوة سوف يواجه رفض واستنكار قاطع، وهو ما عبرت عنه الكثير من الرسائل التي وردت إلى الموقع الرسمي للشيخ سلمان "الإسلام اليوم"، وقد تفضلوا بنشرها كما هي في إشارة إلى تفهم القائمين على الموقع وتفهم الشيخ سلمان نفسه لدوافع هؤلاء المستنكرين.

وتبقى قضية في غاية الأهمية تتعلق بهذا النقد الواضح الصريح العلني عبر الفضائيات من الشيخ سلمان لأحد التيارات الإسلامية ذات الشعبية وسط كثير من الشباب المسلم المتحمس.

فمعلوم أن الشيخ سلمان كان أحد أهم رموز التيار الذي عرف إعلامياً باسم "السرورية" -مع الاعتذار لاستخدام هذا المصطلح للتعريف لا للتنابذ-، وهذا التيار كان يتبنى محاولة إيقاف المساجلات الفكرية بين فصائل الصحوة الإسلامية طالما أعلنوا انتماءهم لأهل السنة والجماعة، -مع تحفظنا على مشروعية هذه المحاولة-، وهو ضابط وسع الجميع إلا الخوارج والشيعة برأي الشيخ سلمان سابقاً ، وهذه المحاولة حرمت الصحوة الإسلامية من تناصح واجب في كثير من القضايا، ومنها قضية المواجهات المسلحة داخل بلاد المسلمين، فهل يعد هذا النقد الذي لم يسلم من مبالغة إعلاناً لانسحاب الشيخ سلمان من الفكرة، أم أنها رصاصة الرحمة على المشروع بأسره؟.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية