الخميس، ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٢ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

وقولوا للناس حسنا

الثلاثاء ١٩ فبراير ٢٠٠٨ - ١٨:٤٩ م
10

وقولوا للناس حسنا

كتبه/ ماهر السيد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

أمر الله -تعالى- عباده أن يتخيروا من الألفاظ أحسنها، ومن الكلمات أجملها عند حديث بعضهم لبعض حتى تشيع الألفة والمودة، وتندفع أسباب الهجر والقطيعة والعداوة، فقال الله -تعالى-: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ للإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً)(الإسراء: 53).

يقول الشيخ السعدي -رحمه الله-:

"وهذا من لطفه بعباده حيث أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال الموجبة للسعادة في الدنيا والآخرة فقال -تعالى-:? (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله من قراءة، وذكر، وعلم، وأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يؤمر بإيثار أحسنهما -إن لم يمكن الجمع بينهما-? والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح، فإن من ملك لسانه ملك جميع أمره?.?

وقوله -تعالى-:?? (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) ?أي?:? يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم?.? فدواء هذا أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها، وأن يلينوا فيما بينهم لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم، فإنه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه فإنه يدعوهم (لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)(فاطر: 6).

وأما إخوانهم فإنهم وإن نزغ الشيطان فيما بينهم، وسعى في العداوة، فإن الحزم كل الحزم السعي في ضد عدوهم وأن يقمعوا أنفسهم الأمارة بالسوء، التي يدخل الشيطان من قبلها فبذلك يطيعون ربهم ويستقيم أمرهم ويهدون لرشدهم?".

الكلام مسطور ومحفوظ:

إنها حقيقة قررها القرآن الكريم في العديد من المواضع والآيات؛ كي يكون الإنسان حسيباً على نفسه مراقباً للسانه، يقول -تعالى-: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(قّ: 18)، ولما حكى الله -عز وجل- عن اليهود وعن بشاعة أقوالهم، عَقّبَ فقال -سبحانه وتعالى- : (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)(آل عمران: 181).

وأخبر الله -عز وجل- أن الملائكة تُحصي على الناس أقوالهم وتكتبها، فقال -تعالى-: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)(الزخرف: 80)، والآيات في هذا كثيرة جداً، والمقصود تنبيه العباد إلى أن ما يصدر عنهم من أقوال تكتب، فإما لهم وإما عليهم، فإذا التزم الإنسان القول الحسن في جميع أحواله لم يكتب في صحيفته إلا الخير الذي يسره يوم القيامة.

عود لسانك الخير:

لقد حث الشرع المطهر على انتقاء الألفاظ الطيبة التي تدخل السرور على الناس، فقال الله -عز وجل-: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً)(البقرة: 83).

ولم يبح الله -عز وجل- لعباده الجهر بالسوء إلا في أحوال محددة كحالة التظلم، فقال -تعالى-: (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً)(النساء: 148).

قال يحيى بن معاذ -رحمه الله-: "ليكن حظ المؤمن منك ثلاث خصال لتكون من المحسنين، إحداها: إن لم تنفعه فلا تضره، والثانية: إن لم تسره فلا تغمه، والثالثة: إن لم تمدحه فلا تذمه".

وقد كان الصالحون يتعهدون ألسنتهم فيحرصون على اختيار الألفاظ والكلمات التي لا يندمون عليها، فرأينا منهم عجباً، فهذا الأحنف بن قيس يخاصمه رجل فيقول للأحنف: "لئن قلت واحدة لتسمعن عشراً، فقال الأحنف: لكنك والله لو قلت عشراً ما سمعت واحدة".

ورأى عيسى -عليه السلام- خنزيراً فقال: "مر بسلام، فقيل له: تقول هذا لخنزير؟! قال: أعود لساني الخير".

أما العلامة تقي الدين السبكي فسمع ولده -العلامة تاج الدين- يقول لكلب: "اخسأ كلب بن كلب، فنهاه عن ذلك، فقال: أليس كلب بن كلب؟! فقال: شرط الجواز عدم التحقير، فقال تاج الدين: هذه فائدة".

أحق الناس بحسن منطقك:

إننا وإن كنا مطالبين بإلانة القول وإحسانه للناس كافة، فإن هذا المطلب يتأكد في حق أصناف من الناس هي الأولى بهذا الخلق ومن هؤلاء:

الوالدان:

فأحق الناس بالتعامل معهم بهذا الخلق الكريم؛ الوالدان اللذان أمر الله ببرهما والإحسان إليهما، ومن الإحسان إليهما اختيار الطيب من الأقوال عند الحديث إليهما: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)(الإسراء: 23).

وقد كان كثير من السلف إذا تكلم مع أمه لا يكاد يـُسمع من شدة حرصه على خفض صوته تأدباً، وكان بعضهم يمر كل يوم على أمه فيقول: "رحمك الله كما ربيتني صغيراً"، وكان بعضهم يتأدب في الكلام مع والديه كأنه أسير لديهما.

وإننا لنعجب اليوم من حال شباب وفتيات يتعاملون مع والديهم معاملة فظة فيرفعون أصواتهم وينهرونهم، ويسيئون إليهم ويؤذونهم بمنطقهم السيئ، حتى لو إنساناً رآهم ولم يكن يعلم أن هذا هو الوالد أو أن هذه هي الأم لظن أنهما خادمان يعملان لدى الأبناء من شدة غلظة وقسوة الألفاظ التي يستخدمها بعض الأبناء مع الوالدين.

الزوجان:

مما لاشك فيه أن الأساس الذي تُبنى عليه البيوت هو الرحمة والمودة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(الروم: 21)، فيحتاج الزوجان لاختيار أحسن الألفاظ للتخاطب بها ولإبداء مشاعر الحب والرحمة تجاه بعضهما.

وانظر إلى هذا الحديث الحاني بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وأم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- حين يقول لها: (إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت عني غضبى فقلت من أين تعرف ذلك فقال إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد وإذا كنت علي غضبى قلت لا ورب إبراهيم قالت قلت أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك)، متفق عليه، فأي رحمة هذه وأي منطق حسن هذا!!

وحين قال لها -صلى الله عليه وسلم-: (يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي قلت والله إني أحب قربك وأحب ما يسرك)(رواه ابن حبان وصححه الألباني)، فما أحسن الطلب وما أحسن الجواب.

وتشتد حاجة الزوجين إلى هذا الخلق عند ثورة الغضب، وسبق اللسان بالخطأ والزلل من أحدهما تجاه الآخر، وما أحسن ما قاله أبو الدرداء -رضي الله عنه- لزوجته في بداية أمرهما: "إن لقيتني غضبان فرضني وإن لقيتك غضبى رضيتك وإلا فلنفترق".

وانظر إلى مالك بن دينار الذي غضبت زوجته يوماً فقالت له: "يا منافق، فأحسن التصرف وفوت على الشيطان الفرصة فقال لها: ما عرف اسمي إلا أنت".

هكذا أيها الأحبة ينبغي للمسلم أن يتعهد لسانه وألا يقول إلا خيراً، وصدق الله القائل: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(النساء: 114).

نسأل الله أن يوفقنا جميعا لكل خير.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً

15 ٠٦ نوفمبر ٢٠١٠
10 ٣٠ سبتمبر ٢٠١٠
9 ٠٤ أغسطس ٢٠١٠
11 ٢١ يوليو ٢٠١٠