الثلاثاء، ٢٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٧ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

الوظيفة الشاغرة

الوظيفة الشاغرة
الاثنين ٠٩ يونيو ٢٠٠٨ - ١٨:٠١ م
14

الوظيفة الشاغرة

كتبه/ محمد سرحان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فقد انشغل الناس أياماً بفراغ السلطة في لبنان، وانشغلت الدول الكبرى والصغرى بهذه القضية، وصارت مدار الحديث في الإذاعات والصحف والمجلات، واللقاءات الوزارية والدبلوماسية.

وانعقدت المؤتمرات والقمم لحل هذه المشكلة الكبيرة في بلد صغير كلبنان، وقام المحللون وغيرهم بتبيين خطورة الأمر، وما يترتب من خطر على هذا الفراغ في السلطة، وخطورة أن تعيش البلد بغير رئيس، وعزوا كثيراً من الأحداث إلى هذا الفراغ في السلطة.

ولذا فكل الدول تجتهد في ملأ هذا الفراغ سريعاً إذا مات الرئيس أو تنحى أو انتخب غيره. فلا يصلح أمر البلاد والعباد إلا بوجود القائد والرئيس الذي يدير شئون البلاد. وهذا قديماً وحديثاً، ليس في الدول المعاصرة أو القرون المتأخرة فحسب، بل في كل العصور وعلى مر الدهور.

ووظيفة قائد المسلمين ورئيسهم -خليفتهم- وظيفة شاغرة، لم يملأ المسلمون فراغها إلى الآن منذ أن ألغيت الخلافة الإسلامية عام 1924م، وقلَّ من يبكيها من المسلمين اليوم، بل نسيها غالب المسلمين!!

والسعي لإقامة الخليفة فرض على المسلمين، ولا يتأتى ذلك إلا بإقامة الشريعة وعودة التحاكم إلى شرع الله -تعالى-، ولا يكون ذلك إلا بعودة المسلمين إلى ربهم وقيام الطائفة المؤمنة التي يعز الله بها الدين، وينصر بها المسلمين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:

"يجب أن يُعرَف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها؛ فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولابد لهم عند الاجتماع من رأس، حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا خَرَجَ ثَلاَثَةٌ فِى سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ) رواه أبو داود من حديث أبي سعيد وأبي هريرة. وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لاَ يَحِلُّ لِثَلاَثَةِ نَفَرٍ يَكُونُونَ بِأَرْضِ فَلاَةٍ إِلاَّ أَمَّرُوا عَلَيْهِمْ أَحَدَهُمْ)، فأوجب -صلى الله عليه وسلم- تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر؛ تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماع؛ ولأن الله -تعالى- أوجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل، وإقامة الحج والجمع والأعياد، ونصر المظلوم وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة ولهذا روي: (أن السلطان ظل الله في الأرض).

ويقال: "ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان".

والتجربة تبين ذلك، ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون: لو كان لنا دعوة مجابة لدعونا بها للسلطان. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثاً... يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ أَمْرَكُمْ) رواه مسلم، وقال: (ثَلاَثٌ لاَ يُغَلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ مُسْلِمٍ إِخْلاَصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَمُنَاصَحَةُ وُلاَةِ الأَمْرِ وَلُزُومِ جَمَاعَة المُسْلِمينَ فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ) رواه أهل السنن. وفي الصحيح عنه أنه قال: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ). فالواجب اتخاذ الإمارة دِينا وقربة يتقرب بها إلى الله....". أ.هـ. (مجموع الفتاوى28/398-391).

هذا وإن كانت عودة الخلافة أمراً لابد منه، وسيحدث لا محالة، وانتصار الإسلام والمسلمين أمراً منتهياً لا جدال فيه، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: (تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ). ثُمَّ سَكَت. رواه أحمد، وحسنه الألباني.

فهل أكون أنا وأنتَ وأنتِ لبنة في بناء صرح الإسلام العظيم والمشاركة في عز الإسلام وانتصار المسلمين بالاجتهاد في طاعته والقيام بالواجبات علينا، وإقامة الشرع في أنفسنا وبيوتنا أولاً، كما قيل: "أقيموا دولة الإسلام في نفوسكم تـُقم على أرضكم"، وتربية أولادنا على الإسلام والإيمان ويقوم كلٌ بدوره، الرجل والمرأة، الكبير والصغير، العالم والجاهل.

فالإسلام قائم ومنتصر بنا أو بغيرنا، ولكن الفوز والسعادة لنا في القيام بنصر سنته، قال -تعالى-: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)(محمد:38).

فاللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين. وصلِّ اللهم وسلم وبارك على عبدك ونبيك وحبيبك محمد -صلى الله عليه وسلم- وآله وصحبه أجمعين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة