الخميس، ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٢ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

استثمار الفراغ

الخميس ١٠ يوليو ٢٠٠٨ - ١١:٣٨ ص
9

استثمار الفراغ

كتبه/ ماهر السيد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فها هو الصيف قد أقبل وأقبلت معه الإجازة، ولا شك أن الإجازة وما فيها من أوقات الفراغ الكبيرة نعمة كبيرة إن أحسن العبد استغلالها، لكن كثيرا من الناس يُغبن هذه النعمة، بل تتحول هذه النعمة بحق البعض إلى نقمة، وهذا هو ما أشار إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) رواه البخاري.

وهذا الصنف من الناس يتحول عنده الليل إلى نهار والنهار إلى ليل، فتراه يسهر طول الليل إما مع صحبة رديئة قد تجره إلى الدخان والمخدرات أو الفجور وصحبة الفتيات، أو أمام شاشات التلفاز ومواقع الإنترنت وغرف الدردشة، أو متسكعا في الطرقات والأسواق، وقبل الفجر بقليل ينام فلا يصلي الفجر، ثم هو طوال النهار نائم وبالتالي تضيع عليه الصلوات، وفي أحسن أحواله يجمعها مع بعضها البعض فيكون عرضة لوعيد الله -تعالى-: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ )(الماعون:4-5).

ثم إن المحصلة النهائية تكون إهدار الوقت الثمين الذي هو رأس مال العبد الذي سيسأل عنه بين يدي الله -تعالى-: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن علمه فيما فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه) رواه الترمذي، وصححه الألباني.

وقد وجه القرآن العباد لاستشعار أهمية الوقت: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً)(الفرقان:62). فمن فاته طاعة الله بالليل كان له من النهار مستعتب، ومن فاته طاعة الله بالنهار كان له من الليل مستعتب؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا فاته ورده بالليل قضاه بالنهار.

وأحد الفروق العظيمة بين الفائزين يوم القيامة والخاسرين هو استثمار العمر وإحسان استغلاله؛ لهذا كان الحسن رحمه الله يقول: "نعمت الدار الدنيا كانت للمؤمن؛ ذلك أنه عاش فيها قليلا وأخذ منها زاده إلى الجنة، وبئست الدار الدنيا كانت للكافر والمنافق؛ ذلك أنه عاش فيها قليلا وأخذ منها زاده إلى النار".

وقد قال الله -تعالى- عن أهل النار: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ)(فاطر:37).

وأخبر سبحانه أن هؤلاء المفرطين الغافلين يندمون أشد الندم عند نزول الموت بهم فيتمنون لو أخرهم الله ليتوبوا فلا يجاب طلبهم: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)(المؤمنون:99- 100).

وصدق والله القائل:

دقــات قـلـب المـرء قــائـلة له    إن الحياة دقـائق وثـوان

فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها   فالذكر للإنسان عمر ثان

وإننا إذ نشير إلى أهمية الوقت فإننا نضع بين يدي أحبابنا مجموعة من الاقتراحات للاستفادة من الإجازة واستثمار الفراغ، ومنها:

1- الحرص على التئام شمل الأسر:

ففي الأيام الماضية كان الأبناء مشغولين بدراستهم والآباء مشغولين بأعمالهم فلربما لم يلتئم شمل بعض الأسر إلا مرات معدودة، أما الآن فإن جميع أفراد الأسرة عندهم من الفراغ الشيء الكثير فلابد من الحرص على اجتماع كافة أفراد الأسرة يوميا وفي مناسبات وأوقات متعددة على مدار اليوم، كأوقات الطعام، وفي جلسات أسرية ترفرف عليها رايات الحب والدفء الأسري والحنان، وحبذا لو جعلنا من وقت التجمع الأسري متعة، فنرتب مسابقات يسيرة هادفة، ونلعب ألعابا جماعية، ونطرح الألغاز... وهكذا.

2- عمل برامج فردية وأخرى جماعية:

فالبرامج الفردية تراعى فيها قدرات واحتياجات كل فرد من أفراد الأسرة، فبعضهم يحتاج إلى دورات في الكمبيوتر والبعض يحتاج إلى دورات في اللغة، والبعض يحتاج لممارسة رياضة تقوي بدنه وتنشطه كالسباحة والفروسية والكاراتيه وغيرها من الرياضات النافعة، فيرتب الآباء لكلٍ حسب احتياجاته، وفي كل الأحوال لابد من الاهتمام بالقرآن في الإجازة حفظا ومراجعة، بحيث يخرج أبناؤنا من الإجازة وقد منَّ الله عليهم بحفظ ومراجعة أكبر قدر ممكن من القرآن الكريم.

وهناك البرامج الجماعية التي يمكن لأفراد الأسرة أن يشتركوا فيها جميعا من صلة الأرحام وزيارة الأقارب، زيارة المرضى والدعاء لهم، زيارة القبور، السفر لأداء العمرة وزيارة مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كما يمكن أن يصطحب الأب أبناءه للمسجد ويعتكف معهم وقتا فيه فيقرأون القرآن ويذكرون الله ويدعونه، أما الأم فيمكنها اصطحاب بناتها معها إلى مطبخها فتعلمهم كيفية الطبخ وأمور المنزل لتتجهز فتياتنا لحياتهن المقبلة في بيوت الأزواج بإذن الله -تعالى-.

ولا شك أن هناك برامج أخرى يمكن الاستفادة منها لكننا نكتفي بما أشرنا إليه، لكن قبل الختام نذكر بأنه لابد من التخطيط الجيد للإجازة للاستفادة منها بما يعود على العبد بالنفع في دنياه وآخرته، كما لابد أن يستحضر الآباء أنهم مسئولون بين يدي الله عن رعاية أبنائهم كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) متفق عليه. وليعلم كل منا أنه إن فرط في رعيته ولم يحطها بنصحه فقد غشها وأنه إن فعل ذلك لم يرح رائحة الجنة.

حفظنا الله وإياكم وأولادنا وأولاد المسلمين من كل مكروه وسوء.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة