الجمعة، ٣ ذو القعدة ١٤٤٥ هـ ، ١٠ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

وظهرت نتيجة الثانوية العامة

وظهرت نتيجة الثانوية العامة
الثلاثاء ١٥ يوليو ٢٠٠٨ - ١١:٥٣ ص
11

وظهرت نتيجة الثانوية العامة

كتبه/ أحمد جميل

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

ففي الأيام القليلة الماضية عاش طلاب الثانوية العامة وأسرهم لحظات عصيبة، انتظارًا للنتائج... الأعصابُ متوترة، القلوبُ مضطربة، الأعينُ زائغة، والكلُ يدعو الله ويبتهل...

واستمر الانتظار ليلة ظهور النتيجة من الجميع لوقت متأخر من الليل، وحتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، والمظاهر كانت لا تخفى في البيوت، الشوارع، ومقاهي الإنترنت، ترقبًا للأخبار أو المكالمات الهاتفية، ورسائل الهاتف المحمول.

وبعد تلقي الأنباء تباينت المشاعر واختلفت، بين نشوة النجاح والتفوق، وحسرة الرسوب أو الدرجات غير المتوقعة، أو بالأحرى بين دمع الفرح ودمع الحزن.

أما الناس فما بين مهنئٍ ومُعَـزٍٍّ، وحديث النتيجة هو حديث الساعة، واهتمام المجتمع بأسره.

ولا شك أن حرص الطلاب وأهاليهم على التسلح بأفضل الشهادات، والحصول على أعلى الدرجات، شيء محمود -إن شاء الله- وذلك إن كان نفعًا للنفس والغير، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (المؤمن القوي خير، وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. وفي كلٍّ خير. احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تَعْجَز.. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا، كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله، وما شاء فعل، فإن لَوْ تفتح عمل الشيطان) رواه مسلم.

ولكننا لنا وقفات تعليقاً على هذا الحدث، فهي إن شئت قلت همسات في أذن الطلاب والطالبات، وإن شئت قلت إشارة للآباء والأمهات والسائرين على طريق التربية، ما خرجت إلا من قلب محب مشفق، باذلاً للخير مرغبًا فيه سائلاً المولى -عز وجل- أن تكون بصدق، وأن يكتب لها القبول.

والنفـْس تعرف من أحرف محدثها        إن كان من حِزبها أو من أعاديها

ويــداي قــد دَلــّـتــا عيـنـيــك على        أشياء لولاهما ما كـنـت تــدريــها

أولاً: يجب علينا أن نتعلم أمر النيّةِ والإحسان فيها، حتى يُكتب لنا القبول عند الله، فمهما كانت نيتنا في تعلم هذه العلوم نيّة صالحة من الابن والأب على السواء، بنفع النفس والمجتمع، والتكسب للعمل المباح، والتعفف عن طلب ما في أيدي الناس، وتقوية صفوف المسلمين وسد حاجتهم، وكذا وهو من أهمها بر الوالدين وإرضائهما وإدخال السرور عليهما.

كما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- السابق، فهذه النوايا نثاب عليها -بفضل الله-، فعن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه) متفق عليه.

وأين من كانت هذه نيته من صاحب الفخر والخيلاء بعلمه، أو المتعالي على الناس بما حصّل من شهادات أو نال من مناصب.

أخي الطالب العزيز، أختي الطالبة الكريمة: علينا الاهتمام بمعالي الأمور وبأشرف النوايا، وترك سفاسفها ودنيء القصد والعمل لنيل خيري الدنيا والآخرة.

قد هيئوك لأمــر لو فطنـت له     فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

ثانياً: إن أشرف العلوم وأعلاها، هي علوم الشرع ولا شك، فشرف العلم بشرف المعلوم، وكيف يهتم المسلمون بكثير من علوم الدنيا -برغم نفعها- ويهملون علوماً هي الشرف الحق، والنفع المحض؟! بل من العلم الشرعي ما يكون فرضًا على كل مسلم معرفته وتعلمه، كعلم التوحيد الذي ينقذه من الوقوع في الشرك ويقربه لربه ويعلمه أسماءه وصفاته، وكتعلم ما تصح به عبادته من أمور الطهارة والصلاة والصيام، وهكذا...

كل العلوم سوى القرآن مشغلة   إلا الحديــث وإلا الـفقـه فـي الدين

العلم ما كـان فيه قال حدثــنـــا   وما سوى ذاك وسواس الشياطين

واليوم تبدل الحال، فأهملت علوم الشريعة وحُطَ من قدر أهلها، وعُظمت علوم الدنيا ورُفع من شأن طالبيها، فخرج أمثال أستاذ الجامعة الذي لا يحسن يصلي، والكاتب أو المثقف -زعموا-  الذي يملأ الدنيا ضجيجاً، وهو الذي لا يميز بين آية وحديث وقول مأثور أو حتى "مثل شعبي"!!

وإن كان الناس يحتاجون للطبيب والمهندس والمحاسب، فهم أحوج للعلماء الربانييّن وطلبة العلم المخلصين أشد من حاجتهم للطعام والشراب، في كل وقت، بل ومع كل نَفَس، فالعلماء هم  حصن الأمة الحصين، وزمام أمانها المتين، يُعَبِِّدون الخلق للخالق، ويُبصّرونهم بمعاشهم ومعادهم، ويتصدون لفتن الشهوات والشبهات، فهم بحق أحرى بالتقديم والشرف والرفعة.

ما الفخر إلا لأهـل العـلم إنـهم    على الهدى لمن استهدى أدلاءُ

وقدر كل امرئ ما كان يحسنه   والجـاهـلون لأهـل العلم أعداءُ

فـفـُز بعـلم تعيش حـيا به أبدا     الناس موتى وأهل العلم أحياءُ

ثالثا: يا ليت شعري إن كان هذا القلق والاضطراب والخوف من نتيجة لامتحان من امتحانات الدنيا، فكيف بكل واحد منا يوم ينتظر نتيجة امتحانه الكبير والخطير، نتيجة امتحان وجودنا في هذه الحياة الدنيا، امتحان أسئلته عن الحياة برُمّـتها، وعن عُمر المرء لحظة بلحظة، قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟) رواه الترمذي، وصححه الألباني، والنتيجة علنية واضحة على مشهد من الخلائق، عادلة لا مجاملة فيها ولا محاباة، ووقتها إما يزول القلق والاضطراب ويحل محله الأمن والطمأنينة والبشر والسعادة، وإما الأخرى فتكون الحسرة ويكون الندم، ولات حين مندم، قال -تعالى-: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ . إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيهْ . فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ . فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ . قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ . كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ . وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ . وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ . يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ . مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ . هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ)(الحاقة:19-29).

فهلا أعددنا لهذا الامتحان؟

رابعا: نريد أن نرفع ما رفعه الله، ونضع ما وضعه -عز وجل-، فليس الشرف والرفعة لمن حصّـل شهادات ونال الدرجات وإن باع لذلك -بثمن بخس- الجنات، وليس الذل والهوان لمن فقد ذلك وإن حصّل الإيمان، الفضل عند الله بصلاح القلب وحسن العمل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(الحجرات:13)، والله يرفع بالقرآن أقواما ويضع به آخرين.

لقد رفع الإسلامُ سلمان فارسٍ    وقد وضع الكفرُ الشريف أبا لهب

خامسا: نريد مزيدا من الاهتمام من الآباء والأمهات والمربين والمعلمين بمستقبل الأبناء الحقيقي، وسعادتهم الباقية، بطاعة الله والتزام أمره.

فأيها الأب، هلا استبشرت بحفظ أبناءك لكتاب الله واستذكار وتعلم دينهم، كما كنت تستبشر بحفظهم وتعلمهم لدروسهم قبل وأثناء امتحاناتهم؟

وأيتها الأم الحانية لماذا لا توقظين فلذات كبدك -وأنت الحريصة على إيصال كل خير لهم- للصلاة كما كنت توقظينه للامتحان؟ إذن فنحتاج إلى أن ننفع أبناءنا النفع الحقيقي. وهذا من باب أداء الأمانة، عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري.

إذا المرء لم يلبس لباسا من التقى        تـقلب عـريانا وإن كان كاسيا

وخـير لباس المـرء طـاعـة ربــــه        ولا خـير فيمن كان لله عاصيا

وأخيرا:

أيها المربون والمعلمون وصُنـّاع الجيل؛ هذه دعوة جادة لبث القدوة الحقيقية في شبابنا وفتياتنا آباء وأمهات الغد، عماد الأمة وعلامة القوة أن تكون القدوة الحقة في النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحبه الكرام -رضي الله عنهم-، والمثل الأعلى في من التزم بدينه لا من حصل من دنياه ونهم منها وفقط، ولسان حاله:

نُرّقع دنيانا بتمزيــــــق ديننا      فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع

وتهنئة من القلب لأبنائنا وبناتنا، ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقهم لكل خير وفلاح، آمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة