الأربعاء، ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠١ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

الشعلة الأوليمبية وترويض النمور الآسيوية

الشعلة الأوليمبية وترويض النمور الآسيوية
الأربعاء ٠٦ أغسطس ٢٠٠٨ - ١٣:٠٩ م
8

الشعلة الأوليمبية وترويض النمور الآسيوية

كتبه/ أحمد عبد الحميد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فيعتبر اليونان القدماء من أكثر شعوب الأرض وثنية عبر التاريخ وأتفهها كذلك؛ فالقوم قد صاغوا منظومة وثنية معقدة بدرجة تصيبك بالدهشة من هذا المدى من الحُمق الإنساني.

فكر في أي شيء حولك وستجد أن اليونان قد جعلوا له إلها!! وآلهة اليونان من الكثرة بحيث تشعرك بأن عندهم أزمة بطالة بين هذه الآلهة التي لا تختلف صفاتها عن صفات البشر في أي شيء؛ فهي تولد وتموت، وتأكل وتشرب، وتحيك المؤامرات الشريرة ضد بعضها، وتلعب وتتسلى هناك عند جبل الأوليمب، الذي تنسب إليه الألعاب الأوليمبية.

وهذا الجبل يعد نادياً تجتمع فيه آلهة اليونان، وعلى رأسهم الأستاذ "زيوس" كبير آلهتهم، وزوجته المدام "هيرا"، والتي تتقطع كل يوم من الغيرة بسبب المغامرات العاطفية لزوجها المزواج، وبالتالي كانت تقوم ضده وضد الزوجات الأخريات بمؤامرات وحيل، تليق بها كضرة تحترم القواعد النسوية، وللعلم فإن هذه المؤامرات والحيل النسوية قد غيرت التاريخ البشري على كوكب الأرض، وفقاً لاعتقادات اليونان ثم الرومان الذين تعاملوا مع هذا السفه كمُسلَّمات.

وبرغم الإجماع المعاصر على أن هذه العقائد اليونانية القديمة ما هي إلا خرافات وأساطير إلا أنها لا تزال تلقى شغفاً بالغاً من الدارسين الغربيين، وعلى الأقل يعتبرها الغربيون نوعاً من "الفولكلور"، ومادة للتسلية والترويح، تماماً كما يهتمون بما يفعله بعض الأفارقة اليوم حين يرقصون عرايا حول طوطم يقيمونه وسط الأحراش إحياء لذكرى الأسلاف.

ولن تجد في الواقع المعاصر مثالاً أقوى للتدليل على ذلك من دورة الألعاب الأوليمبية، وهي فكرة وثنية يونانية قديمة تعود إلى القرن الثامن قبل الميلاد، حيث أحيتها القرى اليونانية تمجيداً لآلهتها، ومحاولة لإيقاف النزاعات والحروب الداخلية التي أنهكت اليونان.

وقد توقفت هذه الاحتفالات زمناً طويلاً لتعود مرة أخرى في العام 1928م مع الحفاظ على نفس التقاليد الوثنية، ابتداءً من إشعال الشعلة الأوليمبية بجوار تمثال زيوس عند جبل الأوليمب، وانتهاء بتقليد الفائزين الميداليات، بالإضافة إلى أكاليل من أغصان الزيتون الذي تقدسه الوثنية اليونانية، مع الحفاظ أثناء ذلك كله على عدم انطفاء الشعلة الأوليمبية، والتي ترمز إلى العلم والمعرفة، وهي جذوة النار التي سرقها "برومثيوس" ليهديها إلى البشر ليصبحوا أنصاف آلهة.

وهو الأمر الذي استفز آلهة الأوليمب التي غارت من البشر فعاقبت برومثيوس، وصار البشر يقدمون الذبائح عند جبل الأوليمب إرضاء لهذه الآلهة التي يمكن أن تؤذيهم بسبب هذه الغيرة الصبيانية.

لاقت هذه الدورات رواجاً في العصور الحديثة لعدة أسباب:

- من أهمها ما ذكرنا من طبيعتها الفولكلورية المليئة بالتفاصيل المعقدة والترتيبات المبهرة للغربيين الماديين.

- بالإضافة إلى هذا التأثير الشديد للوثنية الإغريقية في عقائد اليهود والنصارى، وهو ما تجده في كتبهم المقدسة، لاسيما فكرة شجرة المعرفة المقدسة، وابن الإله، وأنصاف الآلهة، إلى آخر هذا الهراء، بالإضافة إلى التغلغل العميق للأفكار والمصطلحات والأساليب الأدبية اليونانية القديمة في الأدب العالمي الحديث، بل وفي لغة العلم التجريبي ذاته، والذي اضطلع اليهود والنصارى بالقسط الأكبر من تطويره.

- ومن الأسباب التي أدت إلى بعث هذه الدورات من جديد أفول شمس الإمبراطورية اليونانية القديمة التي تحاول الآن أن تجد لها موطئ قدم في العالم، تماماً كما يفعل سفهاء بلادنا حين يفاخرون بالأحجار العظيمة التي تركها لنا الفراعنة.

- ومن الأسباب أن هذه الرياضات الأوليمبية أكثرها رياضات بدنية نافعة مما يسهل الترويج لها تحت دعاوى الصحة الجسدية والنفسية، والمنافسة الشريفة، والتواصل الراقي بين الشعوب.

إلا أن أخطر ما في الأمر -بالإضافة إلى أصوله الوثنية- أن أمثال هذه الدورات أصبحت اليوم أداة فاعلة في تذويب هوية الشعوب وأفكارها ومعتقداتها تحت شعارات التعايش السلمي وقبول الآخر والقيم الإنسانية العالمية... إلى آخر هذه الدعاوى المشبوهة.

يؤكد ذلك هذه الرعاية الأمريكية الصهيونية لأمثال هذه الدورات والتجمعات الأممية على غرار كأس العالم لكرة القدم، حتى أضحت الهيئات المنظِمة لهذه الدورات بمثابة دول عالمية عظمى تتجاوز حدود السياسة والتاريخ والجغرافيا لتفرض سطوتها على الدول المنتمية لها التي تخضع لشروط ومطالبات هذه المنظمات بانقياد تام، وإلا كان مصيرها الطرد من هذه الجنة المزعومة؛ فتمسخ الهوية، وتسحق الكرامة من أجل عبث لا يفيد في دنيا ولا أخرى.

ودائماً ما تأتي شروط هذه المنظمات الدولية تحقيقاً للأجندة التوسعية للأمريكان والصهاينة الذين يملكون المال والقوة، والقدرة على الإبهار، بحيث تصير كل استجابة لهذه الشروط تكريساً للمفاهيم والأوضاع التي تريدها العصابة التي تريد أن تحكم العالم اليوم.

لم يتوقف قطار العولمة وتذويب هوية الشعوب عند حدود العرقيات والدول الضعيفة في أوروبا وأفريقيا، بل تعداه إلى دول توصف بأنها نمور اقتصادية وسياسية وعسكرية؛ فبعد الهزيمة الساحقة لليابان في الحرب العالمية الثانية، وجدت أمريكا لنفسها موطئ قدم في القارة الآسيوية وسط هؤلاء القوم الصُفر، قصارِ القامة، ضيقي الأعين الذين يتكلمون بسرعة وانفعال، وعندهم من العادات والتقاليد ما يفتقده الغربي والأمريكي، ولكنه في الوقت نفسه يمتلك القوة والمال والإبهار الذي جعله يسحق هذه الهوية اليابانية العتيدة ليزداد الإغراء بتجربة نفس الأمر مع هويات ودول أخرى، مثل: كوريا والصين اللتين تشكلان إلى الآن غصة في حلوق الأمريكان نظراً لامتلاكهما المال والسلاح النووي.

وأهم من ذلك الإرادة الشعبية وما يطلق عليه الأيديولوجية التي ما زالت صامدة في وجه الهامبورجر الأمريكي.

لكن ما لا يأتي عبر السلاح والمال يمكن أن يأتي عبر كرة القدم، وكرة الماء، والكرة الطائرة أو أي كرة أخرى تحتاج إلى مجموعة من السفهاء يتقاذفونها بينهم، ومجموعة أخرى أكثر سفاهة تراقب بانفعال وتوتر، وتهتف وتصفق حينما تهز الكرة الشباك، حينها يمكن أن تنهار الأيديولوجية تحت وطأة الضربات والركلات التي لا تنزل على الكرات بقدر ما تنزل على عقل وكرامة هذه الشعوب.

كان يتوقع من النمر الصيني الذي يذهل العالم اليوم باقتصاده المتنامي الذي يُحْنِق الأمريكان، وكذلك قوته العسكرية النووية، والفيتو الأممي أن يصمد قليلاً في مواجهة أمواج العولمة تلك، ولكنك ترى العكس إذا تابعت الاستعدادات الصينية المحمومة في التجهيز لدورة الألعاب الأوليمبية القادمة التي ستقام في عاصمتها "بكين" في هذا الشهر -أغسطس 2008- وذلك لأول مرة في تاريخها.

أدركت الصين أن العالم سينظر لها نظرة أكثر تدقيقاً فبدأت بتوزيع الأكياس البلاستيكية على شعبها الذي اعتاد على البصق في الطرقات؛ لتعويده على البصق في هذه الأكياس ثم إلقائها بعد ذلك؛ لأن الكاميرات ستصور ولا نريد أن يرانا الأجانب على مثل هذا العادات، هذا بالإضافة إلى تغيير أنظمة المراحيض العامة لتوافق ما اعتاده الغربيون في طريقتهم لقضاء الحاجة، برغم أن ما اعتاده الصينيون أفيد من الناحية الصحية، إلا أن الكاميرات ستصور كما تعلمون، وتسمع نداءات موجهة للمافيا الصينية بأن ترفع أيديها قليلاً حتى تمر الدورة بسلام، وبعد ذلك فلتفعل ما تشاء.

ونفس الأمر بالنسبة لتجارة البغاء والمخدرات، الكل سيبتسم أمام الكاميرات، ناهيك عن المليارات التي أنفقت على تجهيزات المطارات والفنادق والملاعب، وملايين اللافتات التي علقت في أرجاء البلاد ترحيباً بالسادة الضيوف، حتى المساجد لم تسلم من هذه اللافتات والمسجد الذي امتنع عن أن يكون بوقا لهذا السخف تم هدمه بقلب ميت؛ لأنه مسجد ولن يبكيه الغربيون؛ ولأنه لا صوت يعلو فوق صوت الأولمبياد.

مئات المؤتمرات الصحيفة والتصريحات والبيانات التي مفادها أننا قوم صالحون ومسالمون، ونسمع الكلام، ونغسل أيدينا قبل الأكل وبعده؛ وبرغم ذلك ولأن الدابة قد جهزت للركوب تجد تهديدات غربية شعبية ورسمية بمقاطعة هذه الدورة حتى تقوم الصين بتحسين ملفات حقوق الإنسان وهي مسمار جحا الدولي، وحتى تقطع الصين علاقتها مع السودان، وحتى تقوم الصين بالدور المطلوب منها في مواجهة كوريا الشمالية وإيران. حتى شركة ميكروسوفت دخلت على الخط هي الأخرى، وتهدد بعدم الاكتراث بالسوق الصيني، وبسحب الاستثمارات منه.

الكل أمسك بالعصا، والنمر يستكين ويبكي، ويتعهد بحسن السيرة، وبأن يكون قطاً سيامياً كسولاً، وألا يكون نمراً إلا في مواجهة المسلمين في بلاده، وأعداء الأمريكان خارجها وإلا أحرقته هذه الشعلة الوثنية.

لم يبق صامداً في وجه تيار العولمة والصهينة مثل المسلمون... وحدهم من يقاوم ويحمل القلم والسلاح ويخوض هذه المعركة، برغم كل قوى التخذيل والتوهين الداخلية، وبرغم مساعي أذناب الغرب البائعين دينهم وأمتهم.

فقط نحتاج إلى مزيد من التمسك بديننا وهويتنها، ومزيد من الجهد في مقاومة مساعي التغريب بين أبناء المسلمين، ومزيد من الجهد في صد كيد أعدائنا.

نحتاج إلى مزيد من الرسائل من كل بلاد المسلمين لتُعلِم الغرب أن أبناء المسلمين يرفضون التقافز كغيرهم من الشعوب في جبلاية القرود تلك، حتى وإن كان الواقع مريراً وفيه شيء كثير من ذلك ومن سفهائنا الكثير ممن يرضى بهذه المهانة إلا أنه مهما طال الليل فسيأتي غدا فجر، والحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية