الجمعة، ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٣ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

حديث خامة الزرع (خطبة مقترحة)

حديث خامة الزرع (خطبة مقترحة)
الثلاثاء ٢٧ يناير ٢٠٠٩ - ١٩:٥٣ م
18

حديث خامة الزرع (خطبة مقترحة)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَالْخَامَةِ -الْغَضَّة اللينة- مِنَ الزَّرْعِ تُفَيِّئُهَا الرِّيحُ مَرَّةً، وَتَعْدِلُهَا مَرَّةً، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَالأَرْزَةِ لاَ تَزَالُ حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً) متفق عليه.

قال النووي -رحمه الله-:

"قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَى الْحَدِيث أَنَّ الْمُؤْمِن كَثِير الآلام فِي بَدَنه أَوْ أَهْله أَوْ مَاله، وَذَلِكَ مُكَفِّر لِسَيِّئَاتِهِ، وَرَافِع لِدَرَجَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِر فَقَلِيلهَا، وَإِنْ وَقَعَ بِهِ شَيْء لَمْ يُكَفِّر شَيْئًا مِنْ سَيِّئَاته، بَلْ يَأْتِي بِهَا يَوْم الْقِيَامَة كَامِلَة".اهـ.

قال ابن رجب -رحمه الله-:

"ففي هذه فضيلة عظيمة للمؤمن بابتلائه في الدنيا في جسده بأنواع البلاء، وتميزه عن الفاجر والمنافق فإنه لا يصيبه البلاء حتى يموت، فيلقى الله بذنوبه كلها".اهـ.

1- ما يدل على أن المؤمن يكفر له بالبلاء ويرفع به الدرجات:

- الآلام كلها صغيرها وكبيرها تكفر للمسلم:

عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلاَّ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا) متفق عليه.

- الذنوب تتساقط بالمحن كما يتساقط ورق الشجر بالرياح والشدائد:

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِنْ مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلاَّ حَطَّ اللَّهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا) متفق عليه.

- البلاء والمحن تبلغ بالعبد درجة يقصر عنها عمله:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الرَّجُلَ لِيَكُونُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ الْمَنْزِلَةُ، فَمَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلٍ، فَمَا يَزَالُ اللَّهُ يَبْتَلِيهِ بِمَا يَكْرَهُ، حَتَّى يُبَلِّغَهُ إِيَّاهَا) رواه ابن حبان، والحاكم، وصححه الألباني.

- البلاء والمحن قد تكون سبباً في أن يأتي العبد يوم القيامة من غير خطيئة:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (فَمَا يَبْرَحُ الْبَلاَءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ) رواه الترمذي، وابن ماجه، وصححه الألباني.

- أهل العافية يحسدون أهل البلاء والمحن يوم القيامة:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلاَءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ) رواه الترمذي، وحسنه الألباني.

2- الحكمة من تشبيه المؤمن بخامة الزرع:

- المؤمن كالخامة يخضع لربه عند الشدائد ويذل:

قال -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)(البقرة:155-156).

فالمؤمن تخرج منه العبوديات الكثيرة خضوعاً لله وتذللاً له طوال المحنة، كالدعاء، والرجاء، والتوكل، والتوبة، والصبر، والصلاة.

- وأما المنافق فهو غليظ مستكبر على الخضوع لله ولأمره:

قال -تعالى-: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ)(فصلت:15)، وقال -تعالى-: فيهم لما أصابتهم المحنة: (فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ . تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ)(الأحقاف:24).

- المؤمن كالخامة ضعيف في ظاهره قوي في باطنه:

قال -تعالى-: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(آل عمران:173).

وأما المنافقون فقال الله فيهم: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)(المنافقون:4).

3- المؤمن كالخامة يطمع فيه عموم الخلق لغربته والمنافق لا يجترئ عليه عموم الخلق لارتفاعه:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المؤمن: (بَدَأَ الإِسْلاَمُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) رواه مسلم.

وقال الله -تعالى-: (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ)(المنافقون:4).

4- المؤمن كالخامة أليف مع إخوانه كما تكون الخامة مع النبت من حولها:

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) متفق عليه.

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) متفق عليه.

وقال -تعالى- في المنافقين: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ)(الحشر:14).

وأما قوله -تعالى-: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ)(التوبة:67)، إنما يقصد به جنس النفاق.

5- المؤمن كالخامة مبارك في حياته ومماته:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) رواه مسلم.

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ: صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ) رواه مسلم.

وقال الله -تعالى-: (كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ)(البقرة:261)، فالخامة تنتج بعدها الكثير.

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المنافق: (وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ كَالأَرْزَةِ لاَ تـَزَالُ حَتَّى يَكُونَ انْجِعَافُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً)، فشجرة الأرزة (الصنوبر) لا تصلح إلا حطباً بعد موتها.

6- حال أهل الجنة حال خامة الزرع، وحال أهل النار حال الأرزة:

- عن حارثة بن وهب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضَعَّفٍ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ) متفق عليه.

- وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ. وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: مَا لِي لاَ يَدْخُلُنِي إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي. وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابٌ أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِى) متفق عليه.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة