الخميس، ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٢ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

الغلو في الطالحين!

الغلو في الطالحين!
الجمعة ١٣ فبراير ٢٠٠٩ - ٢٠:٣١ م
11

الغلو في الطالحين!

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فليس خطأً مطبعيًّا ولا إملائيًّا، بل العنوان كما قرأتَ "الطالحين" عكس الصالحين.

أتى على الناس زمان يـُحذَّرون فيه مِن الغلو في الصالحين مِن الأنبياء والأولياء، ومِن العلماء والعباد؛ فإن بداية الانحراف عن دين الأنبياء كان بالغلو في الصالحين حتى عُبدِوا مِن دون الله -تعالى-، كما قصَّ الله علينا قصة قوم نوح في عبادة وَدّ وسُواع ويغوث ويعوق ونسرًا.

وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن الغلو، فقال: (إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ) (رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني).

ولقد عُبـِد الصالحون من العُباد بالغلو في قبورهم، والطواف بها، واعتقاد النفع والضر فيها، وصرف الدعاء، والذبح، والنذر لهم.

وعُبد العلماءُ باتخاذهم أربابًا مِن دون الله؛ يُحلون ما حرَّم الله، ويحرمون ما أحل الله، فيتبعهم الناس على ذلك.

وعُبد الملوك والكبراء بالغلو في السمع والطاعة؛ حتى أضلوا الناس السبيل: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا) (الأحزاب:67).

ثم جاء على الناس زمان صار الغلو فيه في غير الصالحين!

فعُبد بالمعنى الأول: "وهو الغلو بصرف العبادات للأموات": مَن ليس مِن الصالحين، بل مِن شر الفاسقين المجرمين، وعندنا في الإسكندرية مقامٌ لشيخ كبير له مولد كبير جدًّا -وكان ذلك قبل انتشار الدعوة السلفية بحمد الله-؛ كان مسجَّلاً في حياته مِن أصحاب السوابق في القِسْم الذي كان يتبعه، وله جرائمُ في المخدرات والآداب مما هو معروف لأهل حَيِّه الذين عاصروه في الستينيات مِن القرن الميلادي الماضي.

وأخبرني أبي -رحمه الله- عن رجل مِن أقاربنا -أظن أن مولده ما زال موجودًا في الصعيد-، كان يجادل أبي حين يأتي لزيارته في وجوب الصلاة والصيام، بل كان يقول الصلاة وسيلة لا غاية، ويترك الصوم والصلاة!

وأخبرني بعض الإخوة منذ أسابيع عن أن مسجد قريتهم قد تهدَّم واحتاج إلى ترميم، وكان به قبر أحد أسيادهم، وحاول الإخوة جهدهم حتى ينبشوا القبر، فوجدوا فيه عظام كلب تحت المقام، فأرسلوا إلى وزارة الأوقاف يطلبون منهم الحضور للتأكد حتى يُزال القبر مِن المسجد؛ فأرسلت الإدارة الهندسية بإزالة عظام الكلب مع بقاء المقام وصندوق النذور كما هما، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وعُبِد بالمعنى الثاني: "وهو الغلو في الاتباع": مَن ليس مِن الأحبار ولا العلماء، بل مِن الجُهال المبتدعين، بل في زماننا مِن الكفار والمنافقين، فصارت قوانين أوروبا الوثنية وما يدندن حولها وعلى منوالها مِن صنع المنافقين هي المتبعة المقدَّمة على كتاب الله -تعالى- وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-!

وصار يُعبد بالمعنى الثالث: "وهو الغلو في السمع والطاعة، حتى في المعصية والكفر": مَن ليس مِن أئمة المسلمين ولا ملوكهم، بل مَن كان مِن أعداء الإسلام ممن يعلن الكفر أو النفاق حسب حال الأمة ودرجة قبولها لكفره؛ حتى اجتمعت في زماننا أنواع الغلو التي قال عنها عبد الله بن المبارك -رحمه الله-:

وهل أفسد الدينَ إلا الملـــوكُ            وأحبارُ سوءٍ ورهبانـُها

ولقد أظهرتْ أحداث غزة نوعًا عجيبًا مِن "الغلو في الطالحين" ممن والى أعداء أمتنا، وعاونهم على ظلمهم وبغيهم مما لم يقع قبْل ذلك بهذه العلانية دون استتار، ومما لم يجعل لأحد عذرًا؛ إلا أنه هو الذي يـَعمى عن الحقيقة الساطعة كالشمس.

ولم تكن المشكلة -رغم جسامتها- في هؤلاء الطالحين، ولكنها كانت أجسم وأخطر فيمن انتسب إلى الدين والدعوة والعلم، بل إلى السُّنة والسلف ممن صار يدندن بالليل والنهار -ربما أكثر مِن الأذكار- حول مدح هؤلاء والثناء عليهم، وتحريم مخالفتهم ولو بالكلمة، وذم مَن خالفهم، حتى وصفهم بأبشع الأوصاف، كالخوارج والمارقين؛ لأجل أنهم لم يوافقوا على موالاة أعداء المسلمين!

وسمع المرءُ عجبًا حين قال: "إن مجاهدي غزة ليسوا مجاهدين، ولا حتى لاعبين بصواريخهم العبثية، بل هم خوارج مجرمون نقضوا العهد مع اليهود، وقاتلوا في الشهر الحرام، ولم يستأذنوا ولاة أمرهم -ممن أتى بهم اليهود إلى هذه المناصب- في الدفع عن بلادهم، وأعراضهم، وأموالهم، وأنفسهم، وأبنائهم وبناتهم".

حتى جهاد الدفع المُتَعيِّن عند العلماء جميعًا جريمة وبدعة تخالف طريقة السلف؟!

وكأن الواجب أن يستسلموا لليهود يدخلون البلاد كما يريدون، وأن يأتوا بأعوانهم ليذيقوا كل ملتزم بالدين سوء العذاب في سجونهم، وينتهكوا أعراضهم، وأعراض نسائهم وبناتهم وأبنائهم، كما هو معلوم لكل مَن دخل أو سمع أو بلغته أخبار هذه السجون.

والعجيب أن بعضهم حين سمع الإنكار منا على أمثال هؤلاء -الذين هم شر على الأمة مِن الطالحين أنفسهم- قال: "أين فقه الخلاف، والرفق مع المخالف؟!".

وكأن الاتهام بالبدعة والضلال والخروج حق مكتسب مضمون لمن يهاجِم أهلَ الحق، وأما إذا رموه ببعض مِن سهامه؛ كان الأمر تجاوزًا يستحق الإنكار!

عجبٌ يسمعه المرء، ما كان يتصور أن يقوله منافق فضلاً عن أن يكون منتسبًا للدعوة والعلم!

اللهم إليك المشتكى، نشكو بثنا وحزننا، ونعلم أنك أنت العليم الحكيم.

فرسالة إلى كل مَن غلا في الطالحين، وزعم أن دعوته في النهي عن الغلو في الصالحين... ابحثوا في قلوبكم ونياتكم، ثم ابحثوا بصدق في أدلة الكتاب والسُّنة، ثم في كلام أهل العلم مِن أهل السنة، فإن مِن الكلام ما لا يقوله أحد إلا بسبب الخذلان الذي يراه كل ناظر إلا المخذول باتباعه هواه، وإعراضه عن طريق مولاه.

والله نسأل أن يهدينا جميعًا سواء السبيل.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة