الأحد، ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تجديد أم تخريب؟! (1)

تجديد أم تخريب؟! (1)
الاثنين ٢٩ يناير ٢٠٢٤ - ١٠:١٤ ص
85

تجديد أم تخريب؟! (1)

كتبه/ مصطفى حلمي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإن المضي في تصور التجديد وَفْق نمط الثقافة الغربية والفلسفة المستوردة، له دور (تخريبي)، كما يذكر الأديب الكبير "مصطفى صادق الرافعي"، مستندًا إلى حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ونصه -كما أورده-: "إن قومًا ركبوا في سفينة، فانقسموا، فصار لكل رجل منهم موضع، فنقب رجل منهم موضعه بفأس، فقالوا له: ما تصنع؟ قال: هو مكاني أصنع فيه ما شئت! فإن أخذوا على يده نجا ونجوا، وإن تركوه هلك وهلكوا" (قلتُ: هذا الحديث لم أعثر عليه بنصه، ولكن هناك حديث آخر يشبه معناه: روى الإمام ابن كثير عن الإمام أحمد بسنده قال: سمعت النعمان بن بشير -رضي الله عنهما- يخطب يقول -وأومأ بأصبعيه إلى أذنيه- يقول: مثل القائم على حدود الله، والواقع فيها -أو المدهن فيها- كمثل قوم ركبوا سفينة، فأصاب بعضهم أسفلها وأوعرها وشرها، وأصاب بعضهم أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم، فآذوهم، فقالوا: لو خرقنا في نصيبنا خرقًا فاستقينا منه ولم نؤذ من فوقنا؛ فإن تركوهم وأمرهم هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعًا). انفرد بإخراجه البخاري، دون مسلم).

ثم علق الرافعي قائلًا: "فكان لهذا الحديث في نفسي كلام طويل عن هؤلاء الذين يخوضون معنا البحر ويسمون أنفسهم بـ(المجددين)، وينتحلون ضروبًا من الأوصاف كـ(حرية الفكرة)، و(الغيرة)، و(الإصلاح)، ولا يزال أحدهم ينقر موضعه من سفينة ديننا وأخلاقنا وآدابنا بفأسه، أي: بقلمه... " (وحي القلم).

ويعلل ذلك بأنه: "لا حرية هنا في عمل يفسد خشب السفينة، أو يمسه من قرب أو بعد، ما دامت ‌مُلَجِّجَة في بحرها، سائرة إلى غايتها؛ إذ كلمة (الخرق) لا تحمل في السفينة معناها الأرضي، وهناك لفظة (أصغر خرق) ليس لها إلا معنى، وهو (أوسع قبر). ففكر في أعظم فلاسفة الدنيا -مهما يكن من حريته وانطلاقه- فهو ها هنا محدود -على رغم أنفه- بحدود من الخشب والحديد، تفسيرها في لغة البحر: حدود الحياة والمصلحة، وكما أن لفظة (الخرق) يكون من معانيها في البحر: القبر، والغرق، والهلاك، فكلمة (الفلسفة) يكون من بعض معانيها في الاجتماع: الحماقة، والغفلة، والبلاهة، وكلمة (الحرية) يكون من معانيها: الجناية، والزيغ، والفساد، وعلى هذا القياس اللغوي: فالقلم في أيدي بعض الكُتَّاب من معانيه: الفأس، و(الكاتب) من معانيه: المخرب، و(الكتابة) من معانيها: الخيانة، قال لي الحديث: أَفَهِمْتَ؟" (وحي القلم).

وفي موضع آخر من كتابه يشرح دور القرآن والسنة في قيام الحضارة الإسلامية، وأثرها في حضارة العصر، فيقول: "إن ها هنا دنيا الصحراء، ستلد الدنيا المتحضرة التي من ذريتها: أوروبا وأمريكا؛ فالقرآن والحديث يعملان في حياة أهل الأرض بنور متمم لما يعمله نور الشمس والقمر. وقد كان المسلمون يغزون الدنيا بأسلحة في ظاهرها أسلحة المقاتلين، ولكنها في معانيها أسلحة الأطباء، وكانوا يحملون الكتاب والسنة؛ ثم مضوا إلى سبيلهم، وبقي الكلام من بعدهم غازيًا محاربًا في العالم كله حرب تغيير وتحويل" (وحي القلم).

وقريبًا من معنى (التخريب) الذي ذهب إليه الأستاذ الرافعي، نرى الاستعمار حقق أهدافه باستخدام مصطلح (التجديد)، أي: إن الغزو الثقافي أو (التغلغل الثقافي) -كما يسميه المستشرق الفرنسي هنري لاوست- هو هدف مجمع عليه من دول الاستعمار الغربية، وغرضه إضعاف قوة المقاومة الإسلامية، وبواعثه عداوة الغرب للإسلام.

وهو يقول بالحرف الواحد: "كان هناك التهديد والقائم على تواطؤ الإمبريالية الأوروبية مع المذاهب المنحلة، ضد الاتجاه السني الصحيح... ولكن الاستعمار الأوروبي لم يخطر على باله أن يحدث إحياءً للعلوم الفقهية لدى العلماء، وأن يعاد تجمع القوى المعنوية الإسلامية، وهو الذي لديه المهارة في أن يجذب إلى صفِّه أو يقضي على وحدة أية نخبة تنجح بصعوبة في أن تعيد تجمعها، وذلك بصرفها عن رسالتها الاجتماعية مقابل مزايا مادية، أو مقابل تحقيق مصالحها الخاصة... فالإمبريالية الغربية والاستعمار يرافقهما سياسة (تغلغل ثقافي)، أو بث لفكرة وطنية، أو عملية دمج الناس في مفاهيم دينية معينة. أما نمو الأفكار العلمانية ونشاط الدفاع الديني المسيحي فلم يكن لهما من هدف، سوى إضعاف قوة المقاومة الإسلامية، وتمهيد طريق الذل والهوان أمام الإسلام... " (شرائع الإسلام في منهج ابن تيمية ، لهنري لاوست).

وإن أحد النماذج الدالة على ذلك التغلغل الثقافي يتمثل في إحاطة الفلسفة الوجودية الإلحادية بهالة من الدعاية الواسعة بوسائل الإعلام.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة