حديث السبعة (6).. حقوق
الأخوة في الله (خطبة مقترحة)
كتبه/ سعيد
محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما
بعد؛
مقدمة تلخص ما
سبق:
- الحب في
الله والأخوة في الله أوثق عرى الإيمان، وهي أعظم من أخوة النسب إن كان النسب على غير
طاعة الله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَوْثق عُرَى الإِيمَانِ الْمُوَالاةُ فِي اللَّهِ، وَالْمُعَادَاةُ فِي
اللَّهِ، وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).
- تذكير بنعمة
الأخوة في الله؛ قال -تعالى-: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ
اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ
فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران:103).
من حقوق
الأخوة في الله:
بيان أن هذه الحقوق منها ما يتعلق باللسان، ومنها
ما يتعلق بالقلب، ومنها ما يتعلق بالبدن، ومنها ما يتعلق بالمال، ومنها ما يتعلق
بكل ذلك.
1- المواساة
بالمال:
قال الله -عز وجل- في الحديث القدسي: (حَقَّتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَبَاذِلِينَ فِىَّ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).
وهي على ثلاث
مراتب:
- أدناها: أن
تقوم بحاجته من فضل مالك من غير أن تحوجه للسؤال:
جاء رجل من السلف إلى صديق له فخرج إليه فقال:
"ما جاء بك؟
قال: عليَّ أربعمائة درهم.
فدخل الدار فوزنها ثم خرج فأعطاه ثم عاد إلى
الدار باكيًا، فقالت زوجته: هلا تعللت عليه إذا كان إعطاؤه يشق عليك؟!
فقال: إنما أبكي لأني لم أتفقد حاله، فاحتاج أن
يقول ذلك"!! "ترطيب الأفواه 1/361".
- أوسطها: أن
تنزله منزلة نفسك وترضى بمشاركته إياك في المال:
رأى أحد الصالحين رجلين يصطحبان لا يفترقان فسأل
عنهما، فقيل: "صديقان". فقال متعجبًا: "ما بال أحدهما فقير والآخر
غني؟!". ولله در سعد بن الربيع -رضي الله عنه- يعرض شطر ماله وإحدى زوجتيه
على أخيه المهاجري.
أعلاها: أن
تقدمه على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك:
قال -تعالى-: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (الحشر:9)، وذكر سبب النزول.
وقال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-:
"لعشرون درهمًا أعطيها أخي في الله أحب إليَّ من أن أتصدق بمائة درهم على
المساكين".
2- الإعانة
بالنفس والبدن على قضاء الحاجات:
- وهي كذلك
درجات كالمال؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) (رواه مسلم).
- أفضل من
الاعتكاف في المسجد النبوي؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ
أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).
- أرسل الحسن البصري جماعة من أصحابه في قضاء
حاجة لأخ لهم، وقال: "مرُّوا بثابت البناني فخذوه معكم". فمرُّوا بثابت
فقال: "أنا معتكف". فرجعوا إلى الحسن فأخبروه، فقال لهم: قولوا له يا
أعمش أما علمت أن سعيك في حاجة أخيك خير لك من حجة بعد حجة؟ فرجعوا إلى ثابت
فأخبروه فترك اعتكافه وخرج معهم.
3- ذكره بما
يحب في حضوره وغيابه:
- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إذا أحب أحدُكم أخاه في الله فَلْيُعْلِمْهُ فإنه أبقى في الألفة وأثبت في
المودة) (رواه وكيع في الزهد وابن أبي الدنيا في كتاب
الإخوان عن مجاهد مرسلاً، وحسنه الألباني).
- دعوته بأحب
الأسماء إليه؛ كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول للصبي: (يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ) (متفق عليه).
بل ترفق
بالكافر الذي جاء يعاند دعوته؛ فقال له: (أفرغت يا أبا الوليد؟) (أخرجه البيهقي في الدلائل وابن عساكر).
- الدفاع عنه
إذا أكل لحمه؛ قال -تعالى-: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ
أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ) (الحجرات:12).
وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه
الترمذي، وصححه الألباني).
4- زيارته في
الله:
- هي سبب حب الله؛ قال -تعالى- في الحديث القدسي:
(حَقَّتْ مَحَبَّتِي
لِلْمُتَزَاوِرِينَ فِىَّ) (رواه أحمد،
وصححه الألباني)، وتقدم حدث الملك مع الرجل.
- ذكر ابن
الجوزي في مناقب الإمام أحمد -رحمه الله- عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: "لما أُطلق أبي من المحنة خشي أن يجيء إليه
إسحاق بن راهويه؛ فرحل أبي إليه فلما بلغ الري دخل إلى مسجد فجاء مطر كأفواه القرب
فلما كانت العتمة قالوا له: "اخرُج من المسجد فإنا نريد أن نغلقه.
فقال لهم: هذا مسجد الله وأنا عبد الله.
فقيل له: أيهما أحب إليك أن تخرُج أو نجُر رجلك؟
قال أحمد: فقلت سلامًا، فخرجت من المسجد والمطر
والرعد والبرق فلا أدري أين أضع رجلي، ولا أين أتوجه فإذا رجل قد خرج من داره فقال
لي: يا هذا أين تمر في هذا الوقت؟
فقلت: لا أدري أين أمر؟ فقال لي: ادخل. فأدخلني
دارًا ونزع ثيابي، وأعطوني ثيابًا جافة وتطهرت للصلاة فدخلت إلى بيت فيه كانون فحم
ولبود، ومائدة منصوبة فقيل لي: كل. فأكلت معهم.
فقال لي: من أين أتيت؟
فقلت: من بغداد.
فقال لي: تعرف رجلاً يقال له أحمد بن حنبل؟
فقلت: أنا أحمد بن حنبل.
فقال لي: وأنا إسحاق بن راهويه".
قال الشافعي:
قـالوا يزورك أحمد وتـزوره قـلتُ المكارم لا تـفارق مـنـزله
إن زارني فبفضله أو زرتـه فلفضله فالفضل في الحالين له
5- الدعاء له
في حياته وبعد مماته:
- قال -صلى الله عليه وسلم-: (دُعَاءُ الأَخِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ لاَ يُرَدُّ) (رواه البزار، وصححه الألباني).
- وقال -صلى الله عليه وسلم-: (من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة) (رواه الطبراني، وحسنه الألباني).
6- العفو عن
زلاته وهفواته:
- قال -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ يَفْرَكْ -يبغض- مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا
رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ) (رواه مسلم).
- وقال -صلى الله عليه وسلم- في أخلاق بعض
النساء: (يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ،
وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ
رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ) (متفق عليه).
فاحذر أن تتشبه بالنساء مع أخيك.
ونسأل الله أن يجمعنا إخوة متحابين في ظله يوم لا
ظل إلا ظله.
موقع أنا السلفي
www.anasalafy.com