الأحد، ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

خطورة صرف آيات الصفات عن مقتضى ظاهرها (2)

خطورة صرف آيات الصفات عن مقتضى ظاهرها (2)
الأربعاء ٣١ يناير ٢٠٢٤ - ١٠:٢٦ ص
42

خطورة صرف آيات الصفات عن مقتضى ظاهرها (2)

 كتبه/ أشرف الشريف

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- بعد ذكره للتأويل الذي لا يقوم عليه دليل  صحيح من الشرع أو اللغة: "فَإِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ -أَوْ أَكْثَرِهَا وَعَامَّتِهَا- مِنْ بَابِ تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ مِنْ جِنْسِ تَأْوِيلَاتِ الْقَرَامِطَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ. وَهَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ الَّذِي اتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا عَلَى ذَمِّهِ وَصَاحُوا بِأَهْلِهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَرُمُوا فِي آثَارِهِمْ بِالشُّهُبِ. وَقَدْ صَنَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ كِتَابًا فِي الرَّدِّ عَلَى هَؤُلَاءِ وَسَمَّاهُ: (الرَّدُّ عَلى الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّة فِيمَا شَكَّتْ فِيهِ مِنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ وَتَأَوَّلَتْهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ)، فَعَابَ أَحْمَدُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ يُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ بِغَيْرِ مَا هُوَ مَعْنَاهُ. وَلَمْ يَقُلْ أَحْمَدُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ: إنَّ الرَّسُولَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ مَعَانِيَ آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثِهَا، وَلَا قَالُوا: إنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ لَمْ يَعْرِفُوا تَفْسِيرَ الْقُرْآنِ وَمَعَانِيهِ. كَيْفَ؟ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِتَدَبُّرِ كِتَابِهِ" (مجموع الفتاوى).

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "وَهَلْ دَخَلَتْ طَائِفَةُ الْإِلْحَادِ مِنْ أَهْلِ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ إلَّا مِنْ بَابِ التَّأْوِيلِ؟ وَهَلْ فُتِحَ بَابُ التَّأْوِيلِ إلَّا مُضَادَّةً وَمُنَاقَضَةً لِحُكْمِ اللَّهِ فِي تَعْلِيمِهِ عِبَادَهُ الْبَيَانَ الَّذِي امْتَنَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَلَى الْإِنْسَان بِتَعْلِيمِهِ" (إعلام الموقعين عن رب العالمين).

ولمّا كان هذا التأويل الذي لا يقوم عليه دليل هو في حقيقته تحريف، وهو من جنس أقوال الباطنية وتعاملهم مع النصوص؛ وجدته تأويلًا بلا زمام يحكي عظيم جناية التأويل على شريعة التنزيل، وهذا بالضبط ما حدث من الفرق الكلامية حين أدخلت المجاز في الصفات الإلهية، فتراهم وآراءهم شتى متنازعة، يُجَهِّل بعضهم بعضًا، وكلما أتت فرقة شنّعت بجهالة أختها، حتى إذا ادَّاركوا جميعًا نَعَتْ ‌أُخْرَاهُمْ ِأُولَاهُمْ؛ فالرازي -الأشعري- يشتد في النَّكير بألفاظ شِدَاد على الزمخشري -المعتزلي- الذي عاب -على المعتزلة وبعض الأشاعرة- تأويل "يد الله" بالقدرة والقبضة بالملك، إلخ، وحمل كلام القرآن في الصفات الإلهية عَلَى مَحْضِ التَّمْثِيلِ -وكلاهما خلاف الصواب-.

قال الرازي في تفسيره: "ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ: وَقِيلَ قَبْضَتُهُ؛ مُلْكُهُ، وَيَمِينُهُ؛ قُدْرَتُهُ، وَقِيلَ: مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ أَيْ مَفْنِيَّاتٍ بِقَسَمِهِ لِأَنَّهُ أَقْسَمَ أَنْ يَقْبِضَهَا، وَلَمَّا ذَكَرَ هَذِهِ الْوُجُوهَ عَادَ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهَا وُجُوهٌ رَكِيكَةٌ، وَأَنَّ حَمْلَ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى مَحْضِ التَّمْثِيلِ أَوْلَى، وَبَالَغَ فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْكَلَامِ فَأَطْنَبَ، وَأَقُولُ: إِنَّ حَالَ هَذَا الرَّجُلِ فِي إِقْدَامِهِ عَلَى تَحْسِينِ طَرِيقَتِهِ، وَتَقْبِيحِ طَرِيقَةِ الْقُدَمَاءِ عَجِيبٌ جِدًّا، فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ ترك ظاهر اللَّفْظِ، وَالْمَصِيرُ إِلَى الْمَجَازِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَهَذَا طَعْنٌ فِي الْقُرْآنِ وَإِخْرَاجٌ لَهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِي شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ مَذْهَبُهُ أَنَّ ‌الْأَصْلَ ‌فِي ‌الْكَلَامِ ‌الْحَقِيقَةُ، وَأَنَّهُ لا يجوز العدول عنه إلا لدليل منفل، فهذه الطَّرِيقَةُ الَّتِي أَطْبَقَ عَلَيْهَا جُمْهُورُ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَأَيْنَ الْكَلَامُ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ عَلِمَهُ؟ وَأَيْنَ الْعِلْمُ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْهُ غَيْرُهُ؟ مَعَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي التَّأْوِيلَاتِ الْعُسْرِ وَالْكَلِمَاتِ الرَّكِيكَةِ" (مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير للرازي).

ومَن نظر من جهة البلاغة وشروطها في التأويل تبيَّن له -جليًّا-: أن تأويلات المتكلمين للصفات ركيكة، يزدريها نظر أهل البلاغة، فهي لا تنتمي لجنس البيان وعلومه؛ لندرك بذلك عظيم جناية ذا التأويل على اللغة والعقيدة، والشريعة والفطرة، والله المستعان.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة