الأربعاء، ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠١ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

الجمع بين شؤم المرأة وتحريم الطيرة

الجمع بين شؤم المرأة وتحريم الطيرة
الاثنين ٠٧ سبتمبر ٢٠٠٩ - ١٤:٣١ م
13

السؤال:

ما معنى شؤم المرأة على زوجها في ديننا؟ وهل هناك امرأة رزقها واسع فيتسع على زوجها رزقه أو العكس؟ وكيف الجمع بينه وبين تحريم النبي الطيرة؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فشؤم المرأة هو أن تكون سليطة اللسان، سيئة الخلق، تؤذي زوجها وجيرانها، وأن تكون مع ذلك عقيمًا لا تلد، فمثل هذه لا ينبغي أن يمسكها؛ لأن العلاقة الزوجية تطول فيها العشرة، فتفسير الشؤم هنا هو بالشر الظاهر، وليس بما يظنه الناس من معنى التشاؤم المذموم "الطيرة" التي هي معنى باطن، ومجرد سوء ظن بالله، وتخمين.

والأرزاق بيد الله يقدرها ويوسعها على من شاء من عباده.

والطيرة هي التشاؤم بالطيور أو بغيرها، كمن يتشاءم من رقم معين، أو طريق معين، أو شخص معين، أو ساعة معينة، كالجهال الذين يقولون: "في الجمعة ساعة نحس"، وكذبوا؛ بل في يوم الجمعة ساعة الإجابة، وكذا صوت الغراب والبومة، ومثل التشاؤم بهذه الأشياء أيضًا التفاؤل بها؛ فإنه من عمل أهل الجاهلية.

قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (10/ 212): "وأصل التطير: أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير، فإذا خرج أحدهم لأمر، فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع، وربما كان أحدهم يهيج الطير ليطير فيعتمدها، فجاء الشرع بالنهي عن ذلك" اهـ.

وعن عكرمة، قال: كنت عند ابن عباس -رضي الله عنهما- فمر طائر فصاح، فقال رجل: "خير خير"، فقال ابن عباس: "ما عند هذا خير ولا شر".

وإنما ورد الشرع فقط باستثناء الكلمة الطيبة التي يسمعها الإنسان، فيظن بالله خيرًا عند ذلك دون ما سواها مما يُتفاءل به.

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ)، قِيلَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْفَأْلُ؟"، قَالَ: (الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ) (متفق عليه).

وعن أنس -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يُعْجِبُهُ إِذَا خَرَجَ لِحَاجَةٍ أَنْ يَسْمَعَ: يَا رَاشِدُ يَا نَجِيحُ" (رواه الترمذي، وصححه الألباني). أي: يحب أن يسمع شخصًا ينادي آخر باسمه ذلك، فيستبشر.

ومن هذا الباب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابة -رضي الله عنهم- في الحديبية لما جاء سهيل بن عمرو: (لَقَدْ سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ) (رواه البخاري).

قال ابن حجر في "الفتح" (10/ 215): "ومن شرطه -أي: الفأل- أن لا يقصد إليه فيصير من الطيرة. قال ابن بطال: جعل الله في فطر الناس محبة الكلمة الطيبة، والأنس بها، كما جعل فيهم الارتياح بالمنظر الأنيق، والماء الصافي، وإن كان لا يملكه ولا يشربه" اهـ.

ومما يجب الحذر منه في هذا الباب ما انتشر لدي الكثير من العوام، وغيرهم من ألفظ تدخل في حيز المنع، كقول بعضهم إذا وجد روث طائر على ملابسه المنشورة: إنه سيكسى، وإذا وجد إحدى نعليه قد ركبت الأخرى: إنه سيسافر، وإذا وجد حكة في يده: إنه سيرزق مالاً، وإذا وجد حركة في عينه قال: إنه سيرى أحدًا. وثبت من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- مرفوعًا: (الطِّيَرَةُ شِرْكٌ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني)، قال: ابن مسعود: "وَمَا مِنَّا إِلاَّ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ".

قوله: "وَمَا مِنَّا إِلاَّ" يعني: إلا من تطير، أي: وقع في قلبه شيء من ذلك.

والطيرة تكون شركًا أكبر إذا اعتقد أن هذه الأشياء المخلوقات كالطيور مثلاً تملك له ضرًّا أو نفعًا من دون الله، وإن اعتقد أنها أسباب أو علامات فهو شرك أصغر؛ لأن السبب: إما أن يكون سببًا ظاهرًا يشترك في معرفة كونه سببًا للخير أو الشر كل الناس، وهذه الأسباب مأمور بالأخذ بما ينفع منها: (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ) (رواه مسلم).

وإما أن يكون سببًا باطنـًا لا يعرف إلا من قـِبَل الشرع؛ كمعرفة: أن المعصية سبب البلاء، وأن صلة الرحم سبب الرزق وطول العمر.

أما أن يدعي أحد أن شيئًا هو سبب لخير أو لشر دون دليل شرعي، ولا كونه سببًا ظاهرًا؛ فهو كذب على الشرع، وكذب على القدر، وذريعة إلى الشرك الأكبر، فلهذا كان من الشرك الأصغر، وهذه قاعدة في الأسباب وطرق معرفتها، وعقيدة المسلم فيها أنها لا تنفع ولا تضر بذاتها، وهي قاعدة هامة لها فروعها في مسائل عدة: كالتداوي، والتبرك، والرقى، والتمائم، وغيرها.

ومن هنا نعرف المقصود من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالشُّؤْمُ فِي ثَلاَثٍ فِي الْمَرْأَةِ، وَالدَّارِ، وَالدَّابَّةِ) (متفق عليه)، فقد فسرت بالأسباب الظاهرة المصاحبة لهذه الثلاث التي تسبب الشر، والسوء لمن صحبها.

وعلاج التطير الذي يقع في القلب: بالتوكل، والدعاء، مع المضي فيما ظهر للإنسان من أسباب نفعه.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية