الأحد، ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الصحوة الإسلامية ووقفات مع النفس

الصحوة الإسلامية ووقفات مع النفس
السبت ١٦ يناير ٢٠١٠ - ٢٢:٥٠ م
13

الصحوة الإسلامية ووقفات مع النفس

كتبه/ سيد عبد الهادي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمع إشراقة عام جديد يتوقف المسلم مع نفسه ليحذرها من انقضاء العمر، وسرعة مرور الوقت، وطول الأمل، فيكون له معها جلسة محاسبة, ولا شك أن المسلم أخو المسلم، بل هو كنفسه، قال الله تعالى: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) (الحجرات:11)، أي: إخوانكم.

وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن: يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

فهذه وقفات مع النفس حول صحوتنا المباركة، أنصح بها نفسي وإخواني، أرجو من الله فيها الصواب والسداد، وما كان من: خلل أو خطأ فأرجو من إخواني العفو والنصيحة.

1- شدة النقد:

قد يقع من المرء شدة في نقد أخيه عند حدوث هفوة أو خطأ، بل قد يَحدث تطاول أو وقيعة بين الاثنين بسبب سوء النقل -عن قصد أو غير قصد-، وهذا قد أورث الدعوة عداوات كنـَّا في غنـًى عنها، ويلزمنا تصحيح هذه الأوضاع.

1- قال -تعالى-: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى . فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه:43-44)، وقال -تعالى-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران:159)؛ فالقول اللين والرفق بدون مداهنة هو المسلك إلى القلوب.

2- قال -تعالى-: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) (الإسراء:53)؛ فلابد من سدِّ هذا الباب على الشيطان؛ إذ أن الوقيعة بين المسلمين من أهم أغراضه؛ قال –تعالى-: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) (المائدة:91).

فلابد من: الحلم، والصفح، وحسن الظن، وأن تحمل الكلام على أفضل وجه، وأن تتلمس العذر لأخيك، فإن لم تجد له عذرًا؛ فقل: "لعل عند أخي عذرًا لا أعرفه".

3- قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات:6)، فاحذر -أخي المسلم- من القالة بين المؤمنين، لا سيما بين العلماء، و(كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما يسمع) (رواه مسلم في مقدمة الصحيح، ورواه أبو داود، وصححه الألباني).

وعلى المسلم التيقـُّن من النقل؛ فهذا أمر الله -عز وجل-، وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهدي علماء السلف -رضي الله عنهم-؛ فأقصر الطرق أن تتثبت ممن نـُقل عنه، فتصح الصورة، ويزول الخلاف بفضل الله -عز وجل-.

2- تلبيس إبليس على الدعاة:

الأصل في علماء المسلمين ودعاتهم الإخلاص -ولله المنة والفضل-، ولكن هناك آفة يدخل منها الشيطان على هؤلاء الأجلاء؛ وهي أن يرى أن طريقته ومسلكه هو الأفضل لدين الله -عز وجل-، والطريقة الأخرى يشوبها النقص، فيتشبث بطريقته إعزازًا لدين الله -سبحانه-، ويتمسك الآخر بطريقته، فيؤدي الأمر إلى خلاف تكون مفسدته أعظم مما لو نزل أحدهم على رأي الآخر.

وهناك نكتة أخرى:

إن وجود الخطأ في منهج شخص أو جماعة لا يعني إلغاء جميع ما عندهم من الخير الذي لابد من استغلاله واستثماره، والتعاون فيه حسب المصلحة الشرعية.

ولا نعني بهذا الكلام الدعوة إلى الوحدة الشاملة دون تنقية المناهج؛ ولكن على الأقل بين أبناء الدعوة الواحدة، ولا أكون مبالغـًا إذا قلتُ بين أبناء المسجد الواحد.

اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.

وأخيرًا: لابد من تربية أبناء الصحوة على إنكار الذات، فقد نـُقل عن الإمام الشافعي -رحمه الله- أنه قال: "وددت أن يُحمل عني هذا العلم ولا يـُنسب إلي منه شيء"، وكان -رحمه الله- يرجو من الله تعالى أن يظهر الحق ولو على لسان خصمه، فكان من بركة هذا الإخلاص -نحسبهم كذلك- أن نشر اللهُ علمَهم ونـُسب لهم.

فاعلم -أخى الحبيب- أننا لسنا عبادًا للمناصب أو الكراسي كغيرنا؛ بل نحن عباد لله -عز وجل- نرجو نصرة دينه دون أن يُنسب إلينا فضل.

فإن كنتَ مسئولاً عن عمل، ووجدتَ من هو أفضل منك؛ فلا تغضب إن استـُبدلت؛ بل كن مساعدًا لأخيك.

وان كنت موكلاً بأمر، فقصَّرت أو سافرت أو تغيَّبت، فقام به غيرك؛ فكن عونـًا له، ولا تقل: "هذا مكاني! أنت تريد أن تهدمني! كيف يتولـَّى عليَّ وأنا الذي ربيته؟!".

كن كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-: (طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ، مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنْ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ) (رواه البخاري)، ولك فى خالد بن الوليد -رضي الله عنه- الأسوة الحسنة في ذلك؛ فقد عزله عمر -رضى الله عنهما- وهو في قمة انتصاراته، فما كان منه إلا السمع والطاعة، فكان جنديًّا عظيمًا كما كان قائدًا عظيمًا.

ولابد لك -أخي الحبيب- من احترام وتوقير من سبقك الى الالتزام؛ فالخبرة لها دور كبير فى كل المجالات، فإن كان الرأي صوابًا فلله الحمد، وإن كان خطئًا فقد تعلمته حتى لا تقع أنت فيه بعد ذلك، وقد قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "الخلاف شر كله".

3- ضعف التربية:

لا تقل لي: "القوات الأمريكية"، ولا تقل لي: "أعوان الظلمة"، لا تذكر لي: "المعتقلات والسجون"؛ فالخطر ها هنا...!! الخطر ينبع من قلب الأمة الإسلامية، لا أقول: وجود المنافقين والخونة رغم خطرهم الداهم؛ ولكن الخطر الذي يتهددنا هو: "ضعف الإيمان"، و"نقص التربية الإيمانية" في أبناء الصحوة، وهذا -والله- ما يمكن أن يُفسد الثمرة وإن كان المنهج نقيًّا؛ فإن ضعف الإيمان وكثرة الذنوب تؤدي إلى ضعف البصيرة وكثرة الابتلاء، ومن ثمَّ الانحراف عن الحق -نسأل الله السلامة-.

قال -تعالى-: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ) (آل عمران:165)، نعم والله؛ فإن السنن الشرعية والكونية لا تحابي أحدًا، ولو كان خير البشر بعد الأنبياء.

ولذلك يجب أن ننتبه إخواني لهذا الأمر، ويراجع كل منا إيمانه: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) (الحديد:16).

ولابد لعلماء الصحوة من وضع برامج عملية يسير عليها الشباب، ويتم تعديلها إذا ظهر بها قصور، ولكن أن يُترك الأمر للاجتهاد الشخصي؛ فهذا خطر بالغ، وليست المناهج النظرية بكافية وحدها.

ومن الجهة الأخرى: لا نطلب وجود شيخ مربٍّ في كل مسجد -وحبذا لو وجد-؛ ولكن ما لا يُدرك كله لا يُترك جُله.

فلتكن لك عين بصيرة تأخذ الحسن وتترك القبيح، ولا يمنعك وجود القصور فى إنسان مِن أن تأخذ ما عنده من الخير.

ولابد لنا من مطالعة سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتراجم السلف؛ ففيها الدروس العظيمة، بالإضافة إلى كتب الرقائق والكتب التربوية القديمة والحديثة، فيكون لك وردٌ دائمٌ من القراءة فيها.

وأخيرًا فإن القرآن هو أعظم مصدر للهداية والتربية لو وفـَّيناه جزءًا من حقه قراءة وتدبرًا وعملاً.

4- الضعف العلمي:

مما منَّ الله -عز وجل- به على المسلمين في العقود الأخيرة وجود صفوة من العلماء العاملين يقودون هذه الصحوة المباركة، ولكن تبقى سنة الحياة التي بيـَّنها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي: نقصان العلم بموت العلماء، وهذا خطر بالغ؛ إذ يراهن الأعداء على موت الصحوة بموت علمائها، أو على الأقل ستكون هناك قدرة على الانحراف بها خطوة خطوة -نسأل الله السلامة-.

فلذلك لابد من الحرص على طلب العلم بقوة، ودراسة القضايا الفكرية المميِّزة للدعوة السلفية، وللصحوة الإسلامية عمومًا، ولابد للعلماء من انتخاب مجموعات من طلبة العلم المجتهدين؛ لكي يتلقوا على أيديهم وتحت أعينهم، مع علاج أي آفات تربوية أو سلوكية تصدر منهم.

ولنا في حبر الأمة وترجمان القرآن القدوة الحسنة؛ فعندما مات النبي -صلى الله عليه وسلم- بدأ ابن عباس يتلقى العلم من الصحابة، فسخر منه صاحبه، وقال له: "هل يحتاج الناس إلى علمك يا ابن عباس والصحابة متوافرون؟!"، فلما مرَّت الأيام، واحتاج الناس إلى علم ابن عباس -رضي الله عنهما-؛ ندم صاحبه أن لم يتلقَّ معه العلم، وفي القصة صور من الصبر على الطلب والرحلة في سبيله مما هو مثال يُحتذى لطلبة العلم -جعلنا الله عز وجل منهم-.

5- العشوائية فى الدعوة:

للأسف لابد أن نعترف أننا نبذل فتات الوقت فى الدعوة إلى الله -عز وجل-، وقليل منا مَن يضحِّي بوقته وماله من أجل نصرة الدين، وبعض مَن عنده الهم والحرص لايعرف كيف يدعو، وبماذا يبدأ، وبمَن يبدأ، وإذا سُئل ما هو التغيير الذى تنشدونه احتار في الجواب.

فلابد من بث روح التضحية فى نفوس الملتزمين، وأن يوقن كل منا أن الحياة بدون الدعوة إلى الله -عز وجل- لا تساوي شيئًا، وأن من ترك شيئا لله -عز وجل- عوَّضه الله خيرًا منه.

ينبغي على السابقين في مجال الدعوة إلى الله أن يأخذوا بأيدي إخوانهم، ويخطوا لهم طريق الدعوة مع معرفة الأساسيات:

1- معنى الإسلام والإيمان والإحسان والعبادة.

2- معالم الشخصية المسلمة (عقيدة - عبادات - أخلاق وآداب - معاملات)، وهو المقصود بعبودية الفرد.

3- عبودية الأمة، وهي فروض الكفايات التي خـُوطبت بها الأمة الاسلامية، مع معرفة سمات الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الإسلامية، وكيف تختلف عن غيرها.

4- فقه الواقع.

5- أصناف المدعوين، وخصائص كل نوع، والمدخل إلى قلبه، وكيفية التدرج في الدعوة الفردية.

6- الدعوة العلنية "الإعلامية"، وضوابطها، ومجالاتها.

7- العقبات التي تواجه الداعية، وكيفية تجاوزها مستعينـًا بالله -عز وجل-، وأهمية الصبر.

8- معرفة أهل الباطل، وكيفية مواجهة شبهاتهم -لا سيما وقد تنامى خطر التنصير والتشيع، وعاد التصوف ليطل برأسه، وبالطبع العلمانية-، وشهواتهم.

9- أهداف وأصول الدعوة السلفية.

ثم بعد ذلك يكون هناك دورٌ دعويٌّ واضح للمسلم فى بيته ومسجده وحيِّه وعمله أو دراسته، متعاونـًا مع إخوانه على ذلك.

نرجو من الله -عز وجل- أن يكون هذا العام فاتحة خير علينا وعلى جميع المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية