الثلاثاء، ١٤ ذو القعدة ١٤٤٥ هـ ، ٢١ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

التربية وأهميتها

التربية وأهميتها
الأحد ١٧ يناير ٢٠١٠ - ٢٣:٠٤ م
26

التربية وأهميتها

الطريق إلى الولد الصالح (7)

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن أصل كلمة "التربية" في اللغة يرجع إلى ثلاثة جذور:

الأول: "ربَّ" من قولهم "رببته وربيته"، أي: دهنته وأصلحته.

والثاني: "ربو" من قولهم "ربا الشيء يربو": إذا زاد ونما، و"ربوت في بني فلان" أي: نشأت فيهم.

والثالث: "ربى" من قولهم "رباه": نماه، "وربى فلانـًا": إذا غذاه ونشأه ونمَّى قواه الجسدية والعقلية والخلقية، و"تربَّى": تنشأ وتغذَّى وتثقف.

ومعناها الاصطلاحي يدور حول أصل مادتها، فهي:

ـ إصلاح الفرد وتهيئته بحيث يصير معتمدًا على نفسه، ويستغني عن غيره.

ـ تبليغ الفرد إلى كماله شيئًا فشيئًا، أي: لابد في التربية من التدريج.

ـ المداومة وعدم الانقطاع المتضمِّن للنماء والزيادة مع الحفاظ والرعاية.

وكل هذا في جوانب الإنسان المتعددة: الروح والقلب والعقل والجسد، بوسائل وطرق مستندة إلى شريعة الإسلام وموافقة لها.

والهدف العام من التربية هو: تنشئة الفرد بوصفه لبنة من لبنات المجتمع الفاهم لحقيقة الإسلام، والعامل بما دلت عليه، مع المشاركة في خدمة المسلمين ونفعهم، وتبليغ دعوة الله -تعالى-". بتصرف من "المعجم الوسيط"، و"نحو تربية إسلامية" لمحمد شاكر الشريف.

وهي بهذا المعنى واجب شرعيٌّ على الأبوين، ومسئولية وأمانة سيُسألون عنها أمام الله -تعالى-، قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6).

قال عليٌّ -رضي الله عنه-: "أدبوهم وعلموهم".

وقال قتادة -رحمه الله-: "أن تأمرهم بطاعة الله، وتنهاهم عن معصيته، وأن تقوم عليهم بأمر الله تأمرهم به، وتساعدهم عليه، فإذا رأيتَ لله معصية قرعتـَهم عنها، وزجرتـَهم عنها" اهـ من "تفسير الطبري 10/8108".

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا..) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ) (رواه ابن حبان، وصححه الألباني).

قال ابن حجر -رحمه الله-: "الراعي هو: الحافظ المؤتمن، الملتزم صلاح ما اؤتمن على حفظه، فهو مطلوب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه، وقال الطيبى: إن الراعي ليس مطلوبًا لذاته؛ وإنما أقيم لحفظ ما استرعاه المالك، فينبغي أن لا يتصرف إلا بما أذن الشارع فيه" اهـ من "فتح البارى 13/121".

وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

في الحديث ثلاثة آداب: أمرهم بها، وضربهم عليها، والتفريق بينهم في المضاجع.

وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أدّب ابنك، فإنك مسئول عنه: ماذا أدبته؟ وماذا علمته؟ وهو مسئول عن برِّك وطواعيته لك".

وقال سفيان الثورى -رحمه الله-: "ينبغي للرجل أن يُكرِه ولده على طلب الحديث، فإنه مسئول عنه".

"فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم، قال تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) (الإسراء:31).

فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى؛ فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادُهم من قِبَل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارًا، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كبارًا، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال: يا أبت، إنك عققتنى صغيرًا؛ فعققتك كبيرًا، وأضعتنى وليدًا؛ فأضعتك شيخًا" اهـ "تحفة الودود بأحكام المولود ص195: 200" تحت عنوان: "في وجوب تأديب الأولاد، وتعليمهم، والعدل بينهم" لابن القيم -رحمه الله-.

وقال الغزالي -رحمه الله-:

"اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها، والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نـُقش، ومائل إلى ما يُمال به إليه، فإن عُوِّد الخير وعُلـِّمه؛ نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلـِّم له ومؤدب، وإن عُوِّد الشر، وأهمِل إهمال البهائم؛ شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه والوالي له، وقد قال الله -عز وجل- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) (التحريم:6)، ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا؛ فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى..." اهـ من "الإحياء 3/116".

وليعلم الوالدان أنهما مأجوران على ما يجدان من تعب أو مشقة في تربية الولد، ولقد طلب -تعالى- من الولد البر والإحسان والدعاء لوالديه: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الإسراء:24)، جزاء ما قدَّماه من إحسان له وهو صغير.

قال القرطبي -رحمه الله-: "(كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) خصَّ التربية بالذكر؛ ليتذكر العبد شفقة الأبوين، وتعبهما في التربية، فيزيده ذلك إشفاقـًا لهما، وحنانـًا عليهما، وهذا كله في الأبوين المؤمنين" اهـ من "تفسير القرطبي 10/172".

وليعلم أن التأديب والتربية معناه الجنة، قال الله -تعالى-: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ) (الرعد:23).

وليعلما أنهما يحافظان على الفطرة التي فطر الله -تعالى- المولود عليها، صبغة الله -عز وجل- التي صبغ بها عباده وهي الإسلام؛ فيلزم أن يحافظا عليها، وأن ينشـِّئانه عليها، وهذا يستلزم منهما التأهل لذلك، بالاتصاف بصفات طيبة ينبغي أن تتوفر في المربي الفاضل؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولأن التربية بالقدوة أنجح وسائل التربية، والتي تترك أعظم الأثر في نفس المربَّي، والله المستعان وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة