الجمعة، ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٣ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

هل تجد قلبك

الاثنين ٢٩ مارس ٢٠١٠ - ١٤:٣٥ م
8

هل تجد قلبك

أسباب زيادة الإيمان (1)

كتبه/ ماهر السيد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن القلب هو محل نظر الرب -سبحانه وتعالى-؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ) (رواه مسلم).

وما سُمي القلب قلبًا إلا من تقلبه؛ فتارة يجد العبد قلبه ممتلئًا إيمانـًا وخشية مما يورثه سعادة وأنسًا وانشراحًا، وتارة يضيق عليه صدره ويضعف الإيمان في قلبه، وهذا حال ابن آدم.

وقد نبَّه الشرع المطهر إلى هذه الحقيقة -أن القلب يتقلب-؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا سُمِّيَ الْقَلْبُ مِنْ تَقَلُّبِهِ إِنَّمَا مَثَلُ الْقَلْبِ كَمَثَلِ رِيشَةٍ مُعَلَّقَةٍ فِي أَصْلِ شَجَرَةٍ يُقَلِّبُهَا الرِّيحُ ظَهْراً لِبَطْنٍ) (رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَقَلْبُ ابْنِ آدَمَ أَشَدُّ انْقِلاَبًا مِنَ الْقِدْرِ إِذَا اسْتَجْمَعَتْ غَلَيَانـًا) (رواه أحمد والحاكم، وصححه الألباني).

ولهذا كان كثيرًا ما يسأل ربه ثبات القلب على الإيمان والهداية والتقوى، فيقول: (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

وقد بيََّن النبي -صلى الله عليه وسلم- لحنظلة -رضي الله عنه- أن القلب لا يستقر على حال؛ فحين لقي حنظلة أبا بكر -رضي الله عنه- فسأله أبو بكر: "كيف أنت يا حنظلة؟"؛ قال: "نافق حنظلة"، قال أبو بكر: "وما ذاك؟"، قال حنظلة: "نكون عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات -يعني أسباب المعاش- فنسينا كثيرًا، قال أبو بكر -رضي الله عنه-: "إنا لنلقى مثل هذا"، فانطلقا حتى دخلا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبراه، فقال: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنْ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً) (رواه مسلم).

نعم؛ فالإيمان يزيد وينقص، وهذه عقيدة أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص، وقد دلت على ذلك الكثير من الأدلة، ومنها قوله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانـًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (الفتح:4).

وقوله -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال:2).

وقوله -تعالى-: (وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانـًا وَتَسْلِيمًا) (الأحزاب:22).

وحين يزداد الإيمان ينعم الإنسان بهذا الإيمان، حتى قال بعضهم: "إنه لتمر بالقلوب ساعات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي خير عظيم".

وقالوا حين استشعروا حلاوة الإيمان ولذته: "لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه -يعني من السعادة- لجالدونا عليه بالسيوف".

كما قد يضعف الإيمان في القلب حتى لا يكاد يكون له أثر، ولا يكاد يحجز صاحبه عن شيء من المعاصي؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلا يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) (متفق عليه).

وليس معنى ذلك أن الزاني والسارق وشارب الخمر قد كفر بذلك؛ كما بين ذلك النووي -رحمه الله- فقال في شرح هذا الحديث: "فالقول الصحيح الذي قاله المحققون إن معناه: لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله... كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة.

وإنما تأولناه على هذا المعنى لحديث أبي ذر وغيره: (مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ) (متفق عليه).

فالمقصود بيان أن الإيمان قد يضعف جدًّا في القلب، وإذا ضعف الإيمان في القلب وجد العبد وحشة وضيقـًا حتى أن الدنيا كلها لتضيق عليه كما قال الله -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا) (طـه:124).

لهذا كان لزامًا على العبد أن يتفقد قلبه ويأخذ بأسباب صلاحه وزيادة الإيمان؛ لأنه لا يفلح ولا ينجو يوم القيامة إلا أصحاب القلوب الحية الطيبة السليمة المؤمنة: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء:88-89).

وقد كان السلف يوقنون بهذا فيتواصون بأسباب زيادة الإيمان، كما ثبت ذلك عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان يقول لجلسائه: "تعالوا نزدد إيمانـًا".

وكان معاذ بن جبل -رضي الله عنه- يقول لأخيه المسلم إذا لقيه: "اجلس بنا نؤمن ساعة".

كما كان عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- يقول: "هيا بنا نؤمن ساعة"، وأثر من دعائه: "اللهم زدني إيمانـًا ويقينـًا وهدًى وصلاحًا".

فما هي أهم أسباب زيادة الإيمان؟

هذا ما نجيب عنه في مقالات قادمة -إن شاء الله-، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة