السبت، ٤ ذو القعدة ١٤٤٥ هـ ، ١١ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

الترهيب من الغش (خطبة مقترحة)

الترهيب من الغش (خطبة مقترحة)
الثلاثاء ٢٧ أبريل ٢٠١٠ - ١٣:٢٧ م
17

الترهيب من الغش (خطبة مقترحة)

كتبه/ محمد مصطفى

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

عناصر الخطبة:

1- مقدمة: فيها ذِكر قصة القرد الذي ألقى نصف مال صاحبه الغاشِّ في البحر؛ كنوعٍ من التشويق لما سيلي ذلك، وتمهيدًا للكلام عن أن للغش أنواعًا.

2- صُلب الخطبة: التعرُّض لبعض أنواع الغش، مع ذكر الدليل على منع كلٍّ منها، ثم التمثيل لكل نوع في الواقع.

3- خاتمة: فيها رسالتان موجهتان:

الأولى: لمن أصرَّ على الغش خصوصًا أو أكل الحرام عمومًا متعللاً بضيق ذات اليد أو صعوبة الحياة.

الثانية: رسالة لمن تحرَّى الحلال في مطعمه وإن قل.

الخطبة الأولى:

1- المقدمة:

الحديث: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّ رَجُلاً كَانَ يَبِيعُ الْخَمْرَ فِي سَفِينَةٍ، وَكَانَ يَشُوبُ الْخَمْرَ بِالْمَاءِ، وَمَعَهُ قِرْدٌ، فَأَخَذَ الْكِيسَ فَصَعِدَ الدَّقـَلَ، فَجَعَلَ يُلْقِي دِينَارًا فِي الْبَحْرِ وَدِينَارًا فِي السَّفِينَةِ، حَتَّى جَعَلَهُ نِصْفَيْنِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

شرح إجمالي للحديث:

- ظاهر الحديث أن الخمر لم تكن محرمة في شريعتهم، مع إشارة إلى اختلاف الشرائع.

- لله في خلقه شئون، وهذه الكائنات المستأنَسة فيها أسرار لا يعلمها إلا الله -عز وجل-.

- (الدَقَل): صاري السفينة، وهو الخشبة التي يُمدُّ عليها شراع السفينة.

- فضلاً عن العقوبة الأخروية للغاشِّ؛ فإنه لا يسلم من العقوبة الدنيوية، كما حدث لهذا الرجل.

- لا يلزم في العقوبة الدنيويَّة أن يُقسَّم المال أمام عينيه كما حدث مع هذا الرجل؛ بل قد تُنزع البركة من ماله، أو يُطعِم به ولدًا يكون عاقـًّا له، أو غير ذلك، وأعظم وأشد من ذلك: ما ينتظره في الآخرة.

- الإشارة إلى أن كثيرًا من الناس يظن أن الغش يكاد يقتصر على غش اللبن وما شابهه، ولم يدرِِ هؤلاء أنهم قد يكونوا قد وقعوا في الغش من حيث لا يدرون.

2- من أنواع الغش:

أ- الغشّ في البيوع والمعاملات الماديَّة:

حكمه: كبيرة من الكبائر كما ذكر ذلك الإمام ابن حجر -رحمه الله- في "الزواجر عن اقتراف الكبائر"؛ لظاهر ما في بعض الأحاديث من نفي الإسلام عن الغاشّ مع كونه لم يزل في مقت اللهِ، أو كون الملائكة تلعنه.

من صوره:

1- تطفيف الميزان: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ . الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ . وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) (المطففين:1-3).

صور واقعية: العبث بالميزان - رفع السلعة عن الميزان بمجرد وضعها عليه قبل أن التحقـُّق من الوزن - التحذير من بعض صور التطفيف في الميزان الإلكتروني كأن يعطي الميزان إشارة برقم قبل وضع شيء عليه، أو التساهل وعدم إزالة بعض ما علق بالميزان، أو وضعه تحت مروحة إذا أثـَّر ذلك على الميزان.

الترهيب من هذه الصور بالكلام عن وادي ويل في جهنَّم الذي تُوعِّد به:

- المكذبون لدين الله: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) (المرسلات في عدة مواضع).

- والذين يحرفون كلام الله: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (البقرة:79).

- والذين يسهون عن صلاتهم التي هي أعظم أركان الدين العملية: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) (الماعون:4-5).

- وهنا: تُوعِّد به الذين يطفِّفون الميزان.

2- إخفاء عيب السلعة: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرَّ على صُبْرَةِ طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللاً، فقال: (مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطـَّعَامِ؟)، قال: "أصابته السّماء يا رسول الله"، قال: (أَفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطـَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ؟ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) (رواه مسلم).

صور واقعية: إخفاء السلعة المعيبة تحت السليمة في بيع الخضروات والفواكه ونحوهما - إخفاء العيوب في بيع الأجهزة الكهربائية والسيارات والهواتف المحمولة - إخفاء العيوب في بيع العقارات - مع بيان أن هذه الزيادة على ما تستحقه السلعة من ثمنٍ مالٌ حرامٌ.

3- الحلف الكاذب في البيع: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلاثٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، وذكر منهم: (وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلاً بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَحَلَفَ لَهُ بِاللهِ لأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ) (رواه مسلم)، وإنما ذُكر (بعد العصر) لأنه كان آخر وقت البيع في زمانهم حيث لم تكن الأسواق مضيئة أثناء الليل.

- التأكيد على خطورة اليمين الغموس، وغلظها بخاصة إن كانت في البيع والشراء.

صور واقعية: حلف البائع أنه اشترى السلعة بكذا؛ ليوحي للمشتري أن مكسبه قليل، وحتى لا يسمح له للمشتري أن يساوم في سعر السلعة - أن يحلف أنه جاءه مشترٍ آخر بسعر مماثل لما يريده المشتري أو أعلى منه فرفض أن يبيع له - أن يحلف أنها آخر قطعة عنده -مثلاً- ليحفز المشتري على التعجُّل في شرائها.

4- تغيير منار الأرض: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ) (رواه مسلم)، واللعن هو الطرد من رحمة الله -عز وجل-.

صور واقعية: العبث في الحواجز بين الأراضي – العبث في عقود تسجيل العقارات والشقق لأخد ما ليس من حقِّه.

فائدة استطرادية يحتاج الخطيب أن يؤكد عليها: إن أباح القانون الوضعي ذلك أو أقرَّ فاعله على ذلك؛ فإنه لا يبرأ أمام الله -عز وجل-؛ فالله هو الحَكَم، وحُكمه هو الحُكم، وكذلك إن حكم الحاكم الشرعي بما يراه من معطيات وكان المحكوم له يعلم أنه ظالم أو غاش للطرف الآخر؛ فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ فَلا يَأْخُذْهَا) (متفق عليه).

ب- الغشّ في النّصح:

حكمه: هو كبيرة من الكبائر الباطنة كما ذكر ذلك ابن حجر في "الزواجر" أيضًا؛ لأنّ مرجعها سواد القلب، وينطبق عليها ما ينطبق على سائر الكبائر الباطنة التي يذمُّ العبد عليها أكثر ممّا يذمُّ على الزنا والسرقة وشرب الخمر.

عمدة الكلام فيه حديث: (الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ) (رواه الأربعة، وصححه الألباني).

صور واقعية:

1- في البيوع: عدم نصح السمسار في البيع.

2- الطبيب: عدم النصح في كتابة الدواء للمريض بمراعاة فاعلية الدواء وسعره إذا ما قورن بمثله؛ رغبةً في الحصول على نوع من التمييز من الشركة المنتجة للدواء - عدم النصح في الاقتصار على التحاليل الطبية المطلوبة في المكان المناسب من حيث الجودة والسعر كليهما.

3- المدرس: عدم نصح بعض المدرسين لأولياء أمور الطلبة بإيهامهم بحاجة أبنائهم لدروس خصوصيَّة أو مجموعات تقوية، مع إهمالهم لأداء واجباتهم في الحصة الدراسية، أو حتى دون إهمالهم لذلك.

4- الاستشارة في الزواج: عدم أداء الأمانة في النصح إذا ما سُئل المرء عن أحد الطرفين قبل الخطبة.

- التأكيد على أن الأصناف السابقة غاشَّة خائنة للأمانة.

جـ- الغشّ للرّعيّة:

حكمه: من الكبائر، أشار إليه الإمام الذهبي -رحمه الله- في حديثه عن الكبيرة السّادسة عشرة.

عمدة الكلام فيه حديث: (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) (رواه مسلم).

صور واقعية:

1- الحاكم الغاشّ لرعيته: عدم تحكيم شرع الله -عز وجل- فيهم - عدم النصح لهم في جميع مناحي الحياة: السياسية - الاقتصادية - اختيار الولاة والوزراء وتعيين الأكفاء منهم.

2- مدير الشركة أو العمل الغاش لشركته وعمالها.

3- من ينتسب إلى العلم: ممَّن يغش الناس موافقة لهواهم، أو طمعًا في مال أو منصب.

4- الأب الذي يغش رعيته: -الذين هم أسرته- فلا يدلهم على ما فيه الخير لهم في دينهم ودنياهم.

الخطبة الثانية:

3- الخاتمة، وفيها رسالتان:

أ- رسالة لمن يأكل الحرام متعلِّلاً بضيق العيش، أو صعوبة الحياة، أو انتشار هذا بين الناس:

1. يا من تأكل الحرام وتغش الناس، أنَّى يُقبل منك ويُستجاب لك:

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) (رواه مسلم).

2- يا من تأكل الحرام، مهما أنفقت في أبواب الخير من المال الحرام فلن يُقبل منك:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنِ اكْتَسَبَ مَالاً مِنْ مَأْثَمٍ فَوَصَلَ بِهِ رَحِمَهُ، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ، أَوْ أَنْفَقَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ جُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ جَمِيعًا وَقُذِفَ بِهِ فِي جَهَنَّمَ) (رواه أبو داود في المراسيل، وحسنه الألباني لغيره).

3- يا من تأكل الحرام ماذا ستقول لربك عندما تقف بين يديه:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ: عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

4- يا من تأكل الحرام، من نبت جسده من حرام فالنار أولى به:

عن كعب بن عجرة -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَا كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ، إِنَّهُ لا يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلا كَانَتْ النَّارُ أَوْلَى بِهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

ب- رسالة لمن يصبر على الحلال وإن قلَّ:

1- سيجعل الله لك مخرجًا، وسيجعل لك من بعد عسر يسرًا:

قال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (الطلاق:2-3).

وقال -تعالى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (الطلاق:4).

2- لا عليك ما فاتك من الدنيا:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا: حِفْظُ أَمَانَةٍ، وَصِدْقُ حَدِيثٍ، وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

3- سيجعل الله -تبارك وتعالى- غناك في قلبك:

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَتْ الآخِرَةُ هَمَّهُ؛ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ. وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ؛ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية