السبت، ٢٥ ذو القعدة ١٤٤٥ هـ ، ٠١ يونيو ٢٠٢٤
بحث متقدم

ملامح بلاغية من سورة الفلق

ملامح بلاغية من سورة الفلق
الاثنين ٠٣ مايو ٢٠١٠ - ١٣:٥٥ م
13

ملامح بلاغية من سورة الفلق

كتبه/ إبراهيم صلاح

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

سورة الفلق: مدنية، وهي خمس آيات. وقيل: مكية.

فضلها: عن عائشة -رضي الله عنها-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ إِذَا اشْتَكَى يَقْرَأُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَيَنْفُثُ، فَلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُهُ كُنْتُ أَقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُ بِيَدِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِهَا" (متفق عليه).

غرضها: تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم- كلمات للتعوذ بالله، ومن شر ما يُتقى شره من المخلوقات الشريرة والأوقات التي يكثر فيها حدوث الشر.

المعنى: قل يا أيها النبي ألجأ إلى الله وأستعيذ به فهو رب الصبح؛ لأن الليل ينفلق عنه، وبرب كل ما انفلق عن جميع ما خلق الله من: حيوان، ونبات، وحب ونوى، ومطر، وولد، وكل شيء يفلقه الله، وأعوذ بالله -تعالى- خالق الكائنات من شر كل ما خلق.

بعد تعميم الاستعاذة من جميع المخلوقات خص بالذكر ثلاثة أشياء؛ لأنها أعظم الشرور وهي:

- شر الليل إذا أقبل واشتد ظلامه وغشى ما يحيط به؛ لأن في الليل مخاوف ومخاطر من: سباع الحيوان، وهوام الأرض، وأهل الفسق والفساد.

- وشر النفوس أو شر الساحرات؛ لأنهن كن ينفثن أي: ينفخن في عقد الخيوط حين يسحرن بها؛ فالنفاثات صفة للنفوس رجالاً أو نساءً.

- وشر الحاسد الذي يتمنى زوال النعمة التي أنعم الله بها على المحسود.

(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ):

(قُلْ): الأمر بالقول يقتضي المحافظة على هذه الألفاظ؛ لأنها التي عينها الله للنبي -صلى الله عليه وسلم- ليتعوذ بها.

(أَعُوذُ): أستجير وألتجئ وأعتصم وأحترز، واستخدم صيغة المضارع؛ لأن العبد في كل أحواله محتاج إلى الحماية والاعتصام والاحتراز.

(الْفَلَقِ): كل ما يفلقه الله -تعالى-؛ كالأرض عن النبات، والجبال عن العيون، والسحاب عن الأمطار، والحب والنوى عما يخرج منهما، والبطون والفروج عما يخرج منها.

و(الْفَلَقِ): الصبح، قال الله -تعالى-: (فَالِقُ الإِصْبَاحِ) (الأنعام:96)، وهو فَعَل بمعنى مفعول، مثل الصمد؛ لأن الليل شُبِّه بشيء مغلق ينفلق عن الصبح.

وتخصيص وصف الله بأنه (رَبِّ الْفَلَقِ) دون وصف آخر؛ لأن شرًا كثيرًا يحدث في الليل من: لصوص، وسباع، وذوات سموم، وتعذر السير، وعُسر النجدة، وبُعد الاستغاثة واشتداد آلام المرض حتى ظن بعض أهل الضلالة الليل إله الشر!

فوصف الله نفسه بهذه الصفة التي فيها تمهيد للإجابة؛ فالقادر على إزالة الظلمة عن وجه الأرض قادر على دفع ظلمة الشرور والآفات، والحسد والسحر والعين، ونحو ذلك عن الإنسان. ولما كان هذا المعنى أليق شيء بصفة الربوبية؛ لأن الإعاذة من المضار أعظم تربية قال: (بِرَبِّ الْفَلَقِ).

(مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ):

من شر ما خلق من الثقلين وغيرهم، وهذا يشمل جميع الشرور الجمادية والحيوانية، فالإضافة في (شَرِّ مَا) للاستغراق.

(وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ):

الـ (غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) هو: الليل إذا أظلم واشتد ظلامه، ومن شأن الليل عندما يكون كذلك أن يكون مخيفـًا مرعبًا؛ لأن الإنسان لا يتبين ما استتر تحته من أعداء.

وهنا تخصيص لبعض الشرور بالذكر بعد اندراجه فيما قبله؛ لزيادة مساس الحاجة إلى الاستعاذة منه لكثرة وقوعه.

وتنكير (غَاسِقٍ) في مقام الدعاء يراد به العموم؛ لأن مقام الدعاء يناسب التعميم.

(وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ):

أي ومن شر النفوس أو النساء السواحر اللاتي يعقدن عقدًا في خيوط وينفثن عليها وتعريفها الـ (نَّفَّاثَاتِ) إما للعهد الذهني وهن بنات لبيد، أو للجنس لشمول جميع أفراد السواحر، وتدخل بنات لبيد دخولاً أوليًا هذا على القول بأن معناها السواحر.

وجاءت بصيغة التأنيث؛ لأن معظم السحرة كُن نساءً.

وقيل: (النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) أي: النمامون الذين يسعون بين الناس بالفساد، وعلى ذلك تكون "التاء" في النفاثات للمبالغة كـ"فهَّامة"، وعلامة -بتشديد اللام-، وليست للتأنيث.

(وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ):

إذا أظهر ما نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه.

أعيدت كلمة (مِنْ شَرِّ) بعد حرف العطف في هذه الجملة وما قبلها، مع أن حرف العطف مغنٍ عن الإعادة؛ لتأكيد الدعاء تعرضًا للإجابة، وهذا من الابتهال فيناسبه الإطناب، والحسد قد يغلب صبر الحاسد، فيحمله على إيصال الأذى للمحسود بإتلاف أسباب نعمته أو إهلاكه، وقد كان الحسد أول أسباب الجنايات في الدنيا؛ إذ حسد أحد ابني آدم أخاه.

وتقييد الاستعاذة من شره بوقت (إِذَا حَسَدَ)؛ لأنه حينئذٍ يندفع إلى عمل الشر بالمحسود حين يجيش الحسد في نفسه فتتحرك له الحيل والنوايا لإلحاق الضُّر به.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة