الجمعة، ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٣ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

من أسباب المحبة: مطالعة القلب للأسماء والصفات (2)

من أسباب المحبة: مطالعة القلب للأسماء والصفات (2)
الجمعة ٠٣ سبتمبر ٢٠١٠ - ١٥:٤٥ م
13

من أسباب المحبة: مطالعة القلب للأسماء والصفات (2)

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فما زلنا مع الأسباب الجالبة للمحبة التي ذكرها الإمام ابن القيم -رحمه الله-، وما زلنا مع السبب الخامس وهو مطالعة القلب لأسماء الله وصفاته.

من ثمرات مطالعة القلب للأسماء والصفات تعلُّق القلب بها، فحينما ترى مبتلى تقول: (الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضَّلني على كثير ممن خلق تفضيلاً) كما صح ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (رواه الترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني)، وكذلك عندما تشهد نزول العذاب بالأمم المكذبة للرسل وبالعصاة والفساق والفجار، وتشهد أنواع العقوبات التي ينزلها الله -عز وجل- بهم؛ تعلم أن الله هو العزيز الرحيم، ولا تنشغل بما ينشغل به الناس من السؤال عن تاريخ موتهم، ومن الذي شيَّد هذه الأبنية، كمن يفكر في الريح مثلاً، فتجد أحدهم كل همه فيما تسببه له الريح من ضيق أو ألم أو حر أو برد، و تجد آخر يتفكر في أن الله -عز وجل- يرسل ذلك تخويفًا لعباده، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كما أخبر عنه أنس -رضي الله عنه-: "كانت الريح الشديدة إذا هبت عُرف ذلك في وجه النبي -صلى الله عليه وسلم-" (رواه البخاري)، فالذي يتفكر في ذلك يقول بلسان حاله: "ما ظنك إذا أتى الدخان الذي أخبر الله -عز وجل- عنه بقوله: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ . يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الدخان: 10-11) حتى يقول الكفرة: (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ . أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) (الدخان: 12- 13)؟".

وكذلك البرد يجعل أهل الإيمان يتذكرون زمهرير جهنم، فيستعيذون بالله منه، وكذلك الحر الشديد كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ، أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ) (البخاري ومسلم)، فيتذكر لقاء الله -عز وجل-.

وكذلك يستحضر أن الأوبئة والأمراض كلها من عند الله، وهو الذي يرسلها على العباد؛ ليقلب القلوب، فيخاف الناس من ربهم -عز وجل- بعد تجرُّئِهم على حرماته ومعاصيه، وكذلك تقليب القلوب فيجد إنسانًا كان من أشد الناس فسادًا، وفجأة تغير واهتدى، فيعلم أن الله مقلب القلوب، ويستحضر ذلك، ويشهد أثره فيما حوله.

فالذي يشهد آثار أسماء الله وصفاته يفكر في الكون حوله، ويعلم أن الله هو الذي يفعل -سبحانه وتعالى-، كما قال -عز وجل-: (قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) (النساء: 78)، ويربط كل هذه الأمور بالأسماء والصفات.

وعلى قدر معرفة الإنسان بأسماء الله وصفاته تكون محبته له؛ لأنه يشهد الكمال، والإنسان قد فُطر على حب الكمال والجمال، فالله جميل يحب الجمال كما صح ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (رواه مسلم)، وقد جعل في قلوب عباده حبَّ الجمال، فهذا الجمال الذي يراه في كمال الأسماء والصفات يدفعه إلى حب الله -عز وجل-.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "ولهذا كانت المعطلة والفرعونية والجهمية قطاع الطريق على القلوب بينها وبين الوصول إلى المحبوب"، سماهم فرعونية لأنهم على طريقة فرعون في إنكار وجود الله -عز وجل-، فكل من ينكر صفات الله فهو منكر لشيء من كمال وجوده -عز وجل-.

فهؤلاء "قطاع الطريق على القلوب بينها وبين الوصول إلى المحبوب"؛ لأنهم يقولون في الأسماء والصفات أنها لابد أن تُصرَف عن ظاهرها، فإذا قيل لهم أن الله هو الرحمن الرحيم، وهو أرحم الراحمين؛ قالوا: "الرحمة ضعف وعجز وخور، فلابد أن تُصرف إلى شيء آخر"، فكل ما يخطر بباله هو التحريف والتأويل والتحديد، فيفكر في الكيفية، ويرى أنه يلزم من هذه الصفات التشبيه والتحديد، فيضيع في بحار عميقة من التيه والضلال بسبب انحرافه عن العقيدة الصحيحة، كما قال الإمام الطحاوي –في العقيدة الطحاوية- واصفًا حال أحدهم: "فيتذبذب بين الكفر والإيمان، والتصديق والتكذيب، والإقرار والإنكار، موسوسًا تائهًا شاكًّا، لا مؤمنًا مصدقًا، ولا جاحدًا مكذبًا".

ولذلك كان أصل هذه العبادة إثبات العقيدة الصحيحة على طريقة السلف، ثم التعبد لله -عز وجل- بمقتضى هذا الإثبات مما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

وللحديث بقية بإذن الله مع بقية الأسباب الجالبة لمحبة الله –عز وجل-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة