الجمعة، ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٣ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

من أسباب المحبة: مشاهدة بره، والانكسار بين يديه

من أسباب المحبة: مشاهدة بره، والانكسار بين يديه
الأحد ٠٥ سبتمبر ٢٠١٠ - ١٥:٤٦ م
13

من أسباب المحبة: مشاهدة بره، والانكسار بين يديه

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فما زلنا مع الأسباب الجالبة للمحبة التي ذكرها الإمام ابن القيم -رحمه الله-.

6. مشاهدة بره وإحسانه:

قال -رحمه الله-: "السادس: مشاهدة بره، وإحسانه، وآلائه، ونعمه الظاهرة والباطنة؛ فإنها داعية إلى محبته"، فكل إنسان مجبول على أن يحب من أحسن إليه، وما بالخلق من نعمة إلا وهي من الله -عز وجل-، (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) (النحل: 53)، وأعظم ذلك بره وإحسانه إليك في الإسلام والإيمان واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ووجود آثار هذا الإيمان في قلبك وعلى جوارحك، فأنت إذا عظمت هذا الدين وأدركت قدر هذه النعمة وعلمت عظيم فضل الله عليك بالإسلام علمت قول الله -عز وجل-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) (المائدة: 3)، وقوله -عز وجل-: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة: 231).

وقد حُرم من هذه النعمة الكثيرون، وهم معك، ولهم نفس القدر من العقل والفكر، وقد ولدوا في يوم ولادتك أو قريبًا منك، وأُعطوا السمع والبصر، ولكن حُرموا هذه النعمة التي منَّ الله بها عليك، وأخذ بقلبك فوجَّه وجهته إليه، حتى صرت تعبده وحده لا شريك له، وغيرُك محروم، فلابد وأن تحبه على بره وإحسانه، ثم تتفكر في نعمته عليك بالطاعات المختلفة، وفي التزكية بالآيات التي أنزلها على نبيه -صلى الله عليه وسلم- فآمنتَ بها، وكذلك تتذكر نعمه وإحسانه وبره وآلاءه في السمع والبصر والحياة وسلامة اليد والرجل والبطن، بل حتى جريان الدم في العروق دون أن يتجلط ليلاً ونهارًا، فهذه نعمة الله لا تستطيع أن تقدرها قدرها، فكل ما في الإنسان لله -عز وجل- عليه فيه في كل لحظة نعمة لا يستطيع شكرها.

ثم تنظر إلى غيرك من أهل البلاء: منهم من قطعت يده، أو ذهبت عينه، أو فقد سمعه، أو شُلت أطرافه، كل هذا وأنت في عافية منه، وتذكَّر لحظات الألم والمرض لتعلم نعمة الله عليك بالصحة، فلو ارتفعت حرارة الإنسان ثلاث درجات فقط من سبعة وثلاثين -وهي متوسط درجة حرارة الإنسان الطبيعية- إلى أربعين فإنه لا يستطيع أن يتصرف في أموره، ويبقى طريح الفراش إلى أن يأذن الله له بالشفاء، فتذكَّر لحظات الألم التي مرت عليك في حياتك لتعرف قدر نعمة الله -عز وجل- عليك.

كذلك نعمة الهواء الذي نتنفسه، وأكثر الناس لا يشكرون نعمة الله عليهم بالهواء، كذلك الشمس التي تطلع علينا بالنهار، فما ظنك بإنسان في مكان لا يرى فيه شمسًا ولا قمرًا ولا ليلاً ولا نهارًا وإلى مدد طويلة؟ كأسير من أسرى المسلمين في مكان ما، وهذا الكلام موجود في كتب الفقه، وقد كان هناك عبر الأزمنة أناس بهذه الصورة، فمن رأى الشمس بعد الحرمان منها يشعر بنعمة الله -عز وجل- بها علينا، فنعم الله علينا عظيمة أكثر من أن تحصى، وليس أنك أكلت وشربت فقط.

والإنسان المتمرد المترف تجده يشعر بأشد ضيق وألم إذا كان في الهواء بعض الأتربة، أو ارتفعت درجة الحرارة قليلاً أو انخفضت، فتجده متذمرًا لا يحتمل شيئًا؛ لأنه لم يجرب فقدان النعمة ولم يحرم منها، وإنما عاش مغمورًا بنعم الله -عز وجل- عليه.

قارن بين حالك الآن وحالك في لحظات الألم، ثم قارن بينك وبين من حرم من النعمة: مِن مشيك على قدميك، تبصر الطريق بعينيك، تسمع بأذنيك، سليم العقل، معافى البدن، كذلك نعمة الأهل والولد، والقدرة على التقلب في البلاد والذهاب والإياب، إذا شاهدت بر الله وإحسانه علمت أنه هو البر الرحيم، وتشاهد نعمه وآلائه الظاهرة والباطنة: الظاهرة المحسوسة المرئية بعينيك، والباطنة في قلبك من الإيمان والهداية، فإنها داعية إلى محبته -عز وجل-.

7. انكسار القلب بين يدي الله -عز وجل-:

قال -رحمه الله-: "السابع وهو من أعجبها: انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى"، وسبب انكسار القلب هو الشعور بالفقر والاحتياج التام والضرورة التامة لله -سبحانه وتعالى-، والحب والذل قرينان في معنى العبودية، فالذل والانكسار يجلبان الحب ويزيدانه، كما أن الحب يؤدي إلى حصول الذل ويقود إليه ويجلبه، ولذلك قالوا أن الذل أنواعٌ منها ذل المحبة، فالمحب ذليل منكسر؛ لأن الحب قد كسره، فانكسار الإنسان بين يدي الله، وشعوره بأنه محتاج إلى الله -عز وجل-، وأنه فقير إلى الله ربًّا وإلهًا -كما قال -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر: 15)- ، وكذلك شعور الإنسان أنه لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا، وأنه يحتاج إلى الله حاجة ضرورية في كل نَفَس وفي كل طرفة عين أشد من حاجته للطعام والشراب والهواء الذي يتنفسه، كل هذا مع شهود إنعام الله -عز وجل- وفضله وبره وإحسانه وآلائه ونعمه الظاهرة والباطنة؛ يؤدي بالإنسان إلى شهود حاجته الشديدة وافتقاره، وهذا لابد أن يؤدي إلى الحب.

ومن أسباب انكسار القلب شهود التقصير في حق الله بارتكاب الذنوب والمعاصي، ومن أسبابه أيضًا شهود الشعور بالضعف والشكوى إلى الله -سبحانه وتعالى-، وذلك حين يجد الإنسان في نفسه ما لا يقدر على تفريجه وكشفه إلا الله -عز وجل-، ولذا يبتلي الله -سبحانه وتعالى- العباد ليسمع تضرع المؤمنين وشكواهم وبثهم حزنهم لله تعالى، كما قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) (الأنعام: 42)، فشهود الفقر والحاجة يكون في الربوبية والألوهية.

وللحديث بقية بإذن الله مع بقية الأسباب الجالبة لمحبة الله –عز وجل-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة