الأحد، ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مَن ذاق عرف! (2)

مَن ذاق عرف! (2)
الأربعاء ٢١ فبراير ٢٠٢٤ - ١٠:٢١ ص
35

مَن ذاق عرف! (2)

كتبه/ أحمد شهاب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فمن أهم الركائز في الثبات على الحق بعد توفيق الله -سبحانه وتعالى- ثم العلم النافع: أن يضاف لذلك العمل الصالح المثمر للأحوال الإيمانية الحقيقية، لا الخواطر الشيطانية الإبليسية، ويقينًا فالاقتصاد في سنة خير من الاجتهاد في بدعة، وحلاوة الإيمان المحصلة من طريق السنة خير من الأذواق الشيطانية من طريق البدعة.

وهذا المعنى قد توارد عن السلف، كما قال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة"، وعن الحسن -رحمه الله- قال: "عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة"، وقال السري: "قليل في سنة خير من كثير في بدعة"، وعن مطر قال: "عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة، ومن عمل عملًا في سنة قبل الله منه عمله، ومن عمل عملًا في بدعة رد الله عليه بدعته"، وكان الفضيل بن عياض يقول: "عمل قليل في سنة، خير من عمل كثير في بدعة".

عن أُبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: "عليكم بالسبيل والسنة، فإنه ما على الأرض عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه فاقشعر جلده من خشية الله إلا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها فهي كذلك حتى أصابتها ريح شديدة، فتحات ورقها إلا حط الله عنه خطاياه كما تحات تلك الشجرة ورقها، وإن اقتصادًا في سبيل وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل وسنة، فانظروا أن يكون علمكم إن كان اجتهادًا واقتصادًا أن يكون ذلك على منهاج الأنبياء وسنتهم".

قال ابن القيم -رحمه الله-: "فالفقه كل الفقه الاقتصاد في الدين والاعتصام بالسنة".

فكما ترى توارد ألفاظهم على تأكيد هذا المعنى العظيم؛ إلا أن التأكيد النظري لا يكفي وحده، سيبقى هناك فجوة كبيرة ما لم يذق الإنسان تلك الحلاوة ويجد ذلك الطعم!

نريد أن ننتقل خطوة إلى الأمام، نريد فعلًا أن نستزيد من ذوق حلاوة الإيمان وطعمه، فيجتمع الإخلاص والاتباع، ويتضافر ذوق العلم النافع مع ذوق العمل الصالح.

وكما قيل: لا تكن للخير وصافًا، وكن بالخير موصوفًا، فإن الواو والراء والدال لا يشم منها رائحة الورد، فمن ذاق حلاوة الذكر والعمل الصالح الموافق للسنة لن يستطيع أحد أن يشككه فيما ذاق؛ فقد ازداد يقينًا على يقين، علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين، نور على نور.

علينا أن ننتقل إلى خانة العمل، نريد أن ننهل من هذا النبع الصافي.

نريد أن نتوقف عن المراء كثيرًا، بل نذر الذين يلحدون في أسماء الله، وننشغل بدعاء الله بأسمائه وصفاته، فهو منهج قرآني في التعامل مع الأقوال المنحرفة الباطلة؛ أن لا ننشغل بها كثيرًا، بل نعرف الشر لنتوقاه ونحذِّر الناس منه، لكن نمضي في طريقنا منشغلين بالبناء.

وهذا بلا شك مع استمرارنا في مدافعة الباطل ورد شُبهاته، جدال بالتي هي أحسن، نصيحة للخلق وقيامًا بالحق؛ فإن هذه المدافعة هي مما يزيد الإيمان، لكن مع الصدق والإخلاص والاقتصار منها على ما تتحقق به المصلحة دون انتصار للنفس.

نريد أن ننشغل بأسباب زيادة الإيمان تعلمًا وعملًا، ودعوة، وصبرًا وجهادًا.

يحتاج كل منا أن يضع خطة حقيقية لنفسه؛ خطة من خلالها يتعود على الطاعة والعبادة ويرتبط بها، ومِن ثَمَّ يزداد شعوره بحلاوتها.

نريد أن نرتبط بالصلاة، بالذكر، بالدعاء، بقراءة القرآن.

فإذا شعر العبد بحلاوة تلك العبادات الحقيقية السُّنية لم يحتج لغيرها، بل ولا يجد وقتًا لسواها، فإن الكوب المملوء لا يملأ! فأعظم مدافعة للباطل هو الانشغال بالحق، (وَقُلْ ‌جَاءَ ‌الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) (الإسراء: 81).

اللهم ابسط علينا من بركاتك ورحمتك، ورزقك وفضلك، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة