السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

أَفيكُمْ أُوَيْسٌ؟

أَفيكُمْ أُوَيْسٌ؟
الأربعاء ٢٨ فبراير ٢٠٢٤ - ٠٩:٠٢ ص
48

أَفيكُمْ أُوَيْسٌ؟

كتبه/ وائل رمضان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فمرضٌ من أمراض النفوس، وعلةٌ من علل القلوب، بدأت تطفو على السطح في الآونة الأخيرة، وابتلي بها كثير من الناس؛ ألا وهي: حب الشهرة والظهور، والرغبة في التصدر والعلو وطلب المكانة عند الناس، والتسابق والتنافس في وسائل التواصل، وحب الإكثار من أعداد المتابعين والحرص الشديد على ذلك.

ولا شك أنَّنا في زمان للشهرة فيه بريقٌ أخّاذ، ولمعان يسطع أمام ضعاف النفوس؛ فيستولي عليهم، ويتملك قلوبهم، ولا يستطيع الابتعاد عنه، إلا مَن كان قوي الإرادة والشخصية، الذي يعرف قيمة نفسه وقدرها ومكانتها.

إنَّ هذا المرض، داءٌ خفي يسري في النفوس، فيقدح في التوحيد، ويجرح الإخلاص وينافيه، ويذهب بالعمل الصالح، يقول الله -تعالى يوم القيامة-: (أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي ‌تَرَكْتُهُ ‌وَشِرْكَهُ) (رواه مسلم)؛ لذلك حذَّر سلَفُنا الصالِحُ -رضوان الله عليهم- من هذا المرض، وتضافرَتْ أقوالُهم في التخويف من الوقوع في براثنه؛ فهذا سفيانُ الثوريُّ يقول: "إيَّاك والشُّهرة! فما أتيتُ أحدًا إلاَّ وقد نَهى عن الشُّهرة"، وقال أيوب السختياني -رحمه الله-: "إني أخاف ألا تكون الشهرة قد أبقت لي عند الله حسنة!".

ومن نماذج الصدق مع الله -تعالى- والتجرد من حظوظ النفس التي تراود الإنسان في عمله وعبادته، والبعد عن الشهرة مع توفر أسبابها له، رجلٌ بشَّرَ به النبي -صلى الله عليه وسلمَ- وأمر الصحابة بالسؤال عنه وطلب الاستغفار منه، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أُوَيْسٌ، وَلَهُ وَالِدَةٌ، وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ -أي برص- فَمُرُوهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ) (رواه مسلم).

نعم، إنه أويس القرني -رضي الله عنه-، أحد النُسّاك العُبّاد، من أهل اليمن، أسلم على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومنعه من القدوم على النبي -صلى الله عليه وسلم- بِرّهُ بأمّه، وكَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّاب -رضي الله عنه- إِذا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمنِ سأَلَهُمْ: "أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟" حتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ، وطلب منه الدعاء، فدعا له؛ فَقالَ له عُمَرُ -رضي الله عنه-: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: "أكون في غبراء الناس أحبُّ إلي".

هكذا كان أويس -رضي الله عنه-؛ آثر أن يحيا حياة الزاهدين؛ فأخفى أعماله الصالحة بينه وبين رب العالمين؛ فهل يُحِبّ أحدنا أن يكون في غبراء الناس مثله؟ أم يُحِبّ أن يُقَدّمه الناس، وأن يجعلوه في صدر المجالس، وأن يُشار إليه بالبنان، ونحو ذلك؟!

إنَّ الشهرة وحُبَّ الظهور حين يصيران غايةً في ذاتهما، يتفَشَّى الكذب والنِّفاق، والخديعة والتصنُّع، وتغيب القِيَم النبيلة، وتسقط النَّماذج الحقيقيَّة؛ ليبرز مكانَها الفقاعات الكاذبة والسَّراب المُضَلّل، فليس كلُّ مشهور ناجحًا أو مقبولًا عند الله -تعالى-، وليس كلُّ مغمور فاشلاً أو متأخِّرًا.

فطلب الشهرة مذموم بكل حال، والمؤمن مخبت متواضع، لا يحب أن يشار إليه بالأصابع، ومن أعظم ما يفسد على المرء سعيه إلى ربه: حبه للشهرة، والشرف في الناس، والرئاسة عليهم؛ قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي غَنَمٍ بِأَفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينِهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، فعلى المرء أن يجتهد في مراعاة قلبه، وتصحيح نيته، وأن يكون عمله كله لله خالصًا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة