السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

نطهر صيامنا (1)

نطهر صيامنا (1)
الاثنين ٠٤ مارس ٢٠٢٤ - ٠٩:٥٦ ص
66

نطهر صيامنا (1)

كتبه/ جمال فتح الله عبد الهادي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإن الصيام لم يشرع لتُحْرَم من الأكل والشراب ساعات النهار، ولكن المقصود أن نكسر شهوات النفس، ونمسك عنان اللسان عن تتبع العورات، والخوض بالباطل، ونحفظ الجوارح عن ارتكاب ما حرَّم الله؛ قال -تعالى-: (‌لَنْ ‌يَنَالَ ‌اللَّهَ ‌لُحُومُهَا ‌وَلَا ‌دِمَاؤُهَا ‌وَلَكِنْ ‌يَنَالُهُ ‌التَّقْوَى ‌مِنْكُمْ) (الحج: 37).

والصيام الشرعي: عبارة عن الإمساك عن المفطرات، من طلوع الفجر الصادق إلي غروب الشمس بنيَّة التَّعَبُّد لله -تعالى-. وقيل: إمساك مخصوص من شخص مخصوص عن شيء مخصوص في زمن مخصوص؛ قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌كُتِبَ ‌عَلَيْكُمُ ‌الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183).

ومعنى الآية: أي: تتقون الله بالكف عن الحرام وفعل الطاعة بصومكم.

قال ابن كثير -رحمه الله-: "لأن الصوم فيه تزكية للبدن، وتضييق لمسالك الشيطان" (تفسير ابن كثير).

وقال القرطبي -رحمه الله-: "قيل: لتتقوا المعاصي" (تفسير القرطبي).

وفي الآية قول آخر ذكره الطبري -رحمه الله- في تفسيره بقوله: "وأما تأويل قوله: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فإنه يعني به: لتتقوا أكل الطعام، وشرب الشراب، وجماع النساء فيه"، فالآية يراد منها هذا وهذا.

وإن أهون الصيام ترك الطعام والشراب؛ أما صيام الجوارح والذي يغفل عنه كثير من الناس، فتراه في رمضان يصوم عن الحلال، ولكنه لا يتورَّع عن أكل الربا أو أخذ الرشوة، وغير ذلك من ألوان الحرام.

وتراه كذلك يترك زوجته الحلال في نهار رمضان ولا يتورَّع أن يجلس أمام التلفاز، وينظر إلى النساء العاريات؛ لذا كان الكلام عن صيام الجوارح من الأهمية بمكان؛ قال جابر -رضي الله عنه- كما في "مصنف ابن أبي شيبة": "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك وفطرك سواء".

وقال زين العابدين -رحمه الله-: "حق الصوم: أن تعلم أنه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وفرجك وبطنك، ليسترك من النار"، وهكذا جاء في الحديث: (‌الصَّوْمُ ‌جُنَّةٌ ‌مِنَ ‌النَّارِ كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْقِتَالِ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).     

وقال ابن الجوزي -رحمه الله- كما في "بستان الواعظين": "ما من جارحة في بدن الإنسان إلا ويلزمها الصوم في رمضان وغير رمضان؛ فصوم اللسان: ترك الكلام إلا في ذكر الله -تعالى-، وصوم السمع: ترك الإصغاء إلى الباطل، وإلى ما لا يحل سماعه، وصيام العينين: ترك النظر والغض عن محارم الله".

وإذا نظرت إلى كلام ابن الجوزي؛ علمت أن لكل جارحة عليها صيام، وصيامها أن تكفَّ عن العصيان، فاللسان يصوم عن الغيبة والنميمة، والكذب والبهتان، والفم يصوم عن الحرام وشرب الدخان، والأذن تصوم عن سماع ما يغضب الرحمن، والعين تصوم عن النظر إلى النسوان، واليد تصوم عن أخذ الرشوة والسرقة والبطش والطغيان، والبطن تصوم عن أكل الحرام، والقلب يصوم عن الكراهية والبغضاء، والشحناء، والحسد والخصام، والكبر والعجب بالنفس.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ ‌مِنْ ‌صِيَامِهِ ‌إِلَّا ‌الْجُوعُ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، وفي رواية: (‌رُبَّ ‌قائِمٍ ‌حَظُّهُ ‌مِنْ ‌قِيامِهِ ‌السَّهَرُ، وَرُبَّ صائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيامِهِ الجُوعُ والعَطَشُ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).                                                                

وهذا لأنه صام عن الطعام والشراب وهو أهون الصيام، لكن لم تصم جوارحه عن الحرام، فتراه لا يمنعه صومه من إطلاق اللسان، والوقوع في الغيبة والنميمة والكذب والبهتان، ويطلق للأعين والآذان الحبل والعنان، لتقع في الذنوب والعصيان، وصدق بعض الحكماء حيث قال: "كم من صائم مفطر، وكم من مفطر صائم".

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية