السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

كيف نستقبل رمضان؟ (3) (موعظة الأسبوع)

كيف نستقبل رمضان؟ (3) (موعظة الأسبوع)
الأربعاء ٠٦ مارس ٢٠٢٤ - ٠٩:٥٣ ص
174

كيف نستقبل رمضان؟ (3) (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

مقدمة:

أهمية الاستعداد لاستقبال شهر رمضان.

- الإشارة إلى ما جاء في مقدمة الموعظة الأولى من أهمية الاستعداد.

- التذكير بأن هناك أعمالًا نقوم بها قبل حلول هذا الضيف الحبيب، وأعمالًا نقوم بها عند حلوله، وقد تحدثنا في الموعظة الأولى عن بعض الأمور التي تكون قبل حلول رمضان، وكانت: (استشعار فضل موسم رمضان - التوبة الصادقة - تعويد الجوارح على الاستقامة)، وتحدثنا في الموعظة الثانية عن بعض الأمور التي ينبغي أن نقوم بها عند حلوله، وكانت: (الإقبال على المساجد - والإقبال على القرآن).

- واليوم نستكمل بقية هذه الأعمال التي هي بمثابة المعالم على طريق الفوز برمضان، وهي: (الإقبال على صلاة القيام - الإكثار من الصدقة - إحياء ليلة القدر - الإكثار من الدعاء - العمرة لمن استطاع).

أولًا: الإقبال على صلاة القيام:

- رمضان شهر القيام والسهر والتهجد لله -عز وجل-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ(متفق عليه).

- كان الذي غفرت له ذنوبه -صلى الله عليه وسلم- ما تقدم منها وما تأخر، يقوم طوال العام: عن عائشة -رضي الله عنها-: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقُلْتُ: لِمَ تَصْنَعُ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قَالَ: (أَفَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا؟!) (متفق عليه). وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ. فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ! فَمَضَى فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا! ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا. يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ، ‌وَإِذَا ‌مَرَّ ‌بِسُؤَالٍ ‌سَأَلَ، وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ)، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ: (سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى)، فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ. (رواه مسلم).

- فلك أن تتصور، كيف كان قيامه -صلى الله عليه وسلم- في شهر القيام؟: روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "كَانَ رَسُولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- إِذَا دَخَلَ رَمَضَانَ شَدَّ مِئْزَرَهُ، ثُمَّ لَمْ يَأْتِ فِرَاشَهُ حَتَّى يَنْسَلِخَ" (رواه ابن خزيمة، وقال الألباني: "إسناده صحيح؛ لولا عنعنة المطلب بن عبد الله").

- ولك أن تتصور: كيف كان حال من رباهم -صلى الله عليه وسلم- مع قيام رمضان؟

عن أبي سفيان -رضي الله عنه- قال: لما فتح النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة -شهر رمضان سنة 8هـ-، جاءتني هند فقالت: إني أريد أن أبايع محمدًا، وقد رأت أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أقاموا ليلة الفتح في المسجد الحرام يتهجدون، فقلتُ: قد رأيتك تكفرين! قالت: أي والله، والله ما رأيتُ الله عُبد حق عبادته في هذا المسجد قبْل الليلة! والله إن باتوا إلا مصلين؛ قيامًا وركوعًا وسجودًا. (انظر: البداية والنهاية، نقلاً عن رهبان الليل للعفاني ص 367). وذلك حرصًا على ألا تفوتهم ليلة قيام من ليالي رمضان!

- رمضان شهر قيام الليل في جماعة -التراويح- التي سَنَّ أصلها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأحياها عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: عن أبي إسحاق الهمداني قال: "خرج علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- في أول ليلة مِن رمضان، والقناديل تزهر في المساجد، وكتاب الله يُتلى، فجعل ينادي: نوَّر الله لك يا ابن الخطاب في قبرك كما نورت مساجد الله بالقرآن" (كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال: لعلاء الدين الهندي).

- هيا نحيي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما أحياها عمر -رضي الله عنه-، فننورُ المساجد بالصلاة والقيام، هيا نحيي سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما أحياها أصحابه ففتحوا بها قلوب العباد قبل البلاد.

- هيا إلى التراويح والتهجد (تعب سيزول بعد قليل، وسيبقى الأجر الكثير): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

ثانيًا: الإكثار من الصدقة:

- رمضان شهر الصدقات الأعظم (رمضان كريم): فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ" (متفق عليه).

وجوه شرف الصدقة في رمضان:

1- شرف الزمان ومضاعفة الأجر فيه: كما روي في الحديث: "أفضَلُ الصَّدقةِ في رمضانَ" (رواه الترمذي، وضعفه الألباني).

2- إعانة الصائمين والقائمين على طاعتهم، فينال مَن أعانهم مثل أجرهم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

3- أن الجزاء مِن جنس العمل؛ فمن جاد على عباد الله، جاد الله عليه، وإنما يرحم الله مِن عباده الرحماء.

4- أن الصائم لا بد أن يقع منه خلل ونقص، والصدقة تجبر ما فيه مِن الخلل والنقص؛ ولذا شرعت صدقة الفطر.

5- أن إطعام الفقراء والمساكين والمحتاجين في رمضان يبعث سعادة في نفس المتصدق، ويجد حلاوة الإيمان، فيرجى له أن يكون ممن قال الله في حقهم: (‌وَيُطْعِمُونَ ‌الطَّعَامَ ‌عَلَى ‌حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا . إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا . إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا . فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا . وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) (الإنسان: 8-12).

ثالثًا: إحياء ليلة القدر:

- تلك الليلة المشهودة، كثيرة البركات؛ إنها ليلة الهدايا والعطايا من الكريم الجواد: قال -تعالى-: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ . لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ . تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ . سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ(سورة القدر).

- مَن قامها مؤمنًا محتسبًا نال المغفرة لما سلف الذنوب: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ(متفق عليه).

- لذا كان سيد الصائمين القائمين يعتكف لأجلها العشر الأواخر تفرغًا لها: فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- ‌يَجْتَهِدُ ‌فِي ‌الْعَشْرِ ‌الْأَوَاخِرِ، ‌مَا ‌لَا ‌يَجْتَهِدُ ‌فِي ‌غَيْرِهِ") رواه مسلم). وقالت: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ‌إِذَا ‌دَخَلَ ‌الْعَشْرُ، ‌أَحْيَا ‌اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ") رواه مسلم).

- كان السلف يخصون ليلة القدر بمزيد اهتمام: "كان ثابتٌ البُناني -رحمه الله- يلبس أحسن ثيابه ويتطيب، ويطيب المسجد بالنضوح في الليلة التي يُرجى فيها ليلة القدر".

رابعًا: الإكثار من الدعاء:

- أعظم الدعاء ما كان في حال الصيام: (الله -تعالى- ذكر آية الدعاء العظيمة بيْن آيات الصيام وأحكامه): قال الله -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة: 186).

قال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله-: "هذا التفات عن خطاب المؤمنين كافة بأحكام الصيام، إلى خطاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن يذكِّرهم ويعلمهم ما يراعونه في هذه العبادة وغيرها مِن الطاعة والإخلاص، والتوجه إليه وحده بالدعاء الذي يُعِدُّهُمْ للهدى والرشاد" (تفسير المنار).

- هذا شهر الدعاء المستجاب فاجتهد فيه بالزيادة عن غيره: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثُ دَعَواتٍ مُسْتَجاباتٌ: دَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ المُظْلُومِ، ودَعْوَةُ المُسافِرِ) (رواه البيهقي، وصححه الألباني).

خامسًا: العمرة لمن استطاع:

- العمرة في رمضان تعدل حجة: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ: (مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا؟) قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ -بعيران-، فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ -نسقي عليه- الأرض، قَالَ: (فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً)، وفي رواية: (فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي ‌حَجَّةً ‌مَعِي) (متفق عليه).

- العمرة في رمضان تجمع وجوه الشرف الثلاثة لمضاعفة الأجور: (شرف المكان -مكة-، شرف الزمان -رمضان-، شرف العامل -صائم-): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا ‌الْمَسْجِدَ ‌الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي ‌الْمَسْجِدِ ‌الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ ‌مِائَةِ ‌أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاه) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، وهذا يشمل صلاة الفرض وصلاة التطوع.

اللهم وفقنا لصيام رمضان وقيامه، إيمانًا واحتسابًا، واغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة