السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تذكير أولي الأبصار بحرمة وعاقبة القمار (1)

تذكير أولي الأبصار بحرمة وعاقبة القمار (1)
الثلاثاء ١٢ مارس ٢٠٢٤ - ٠٨:٥٣ ص
71

تذكير أولي الأبصار بحرمة وعاقبة القمار (1)

كتبه/ عبد الرحمن راضي العماري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإننا نفجع بين الحين والآخر بظهور بعض الفتن، وإشاعة بعض المنكرات التي لم تكن تظهر فيمن قبلنا، أو إحياء منكرات وبدع في صور معاصرة ومسميات جديدة ساترة، وكأننا في حاجة إلى المزيد من أسباب الهوان والضعف، والذل والخوف!

ومن ذلك: ما انتشر بصورة مفزعة في الآونة الأخيرة على مواقع الإنترنت، وصفحات مجموعات التواصل الاجتماعي وتطبيقات الأجهزة الإلكترونية من المراهنات في كثيرٍ من المجالات، مع أن الشرع أجاز صورًا محدودة لتحقيق مصالح كبرى للأمة متعلقة بالجهاد، وتأهيل المسلمين ليكونوا في قوة واستعداد للدفاع عن الأوطان، وتبليغ الحق والإسلام لكافة الأنام، وقد عُرِف هذا في الشرع بالسبق، وهو: العِوَضُ والجائِزَةُ التي تخصص للمشتركين في مسابقة معينة بحيث يَأخُذَه السّابِقُ مِنهم؛ سواء كان العِوَض عينًا أو دَيْنًا، حالًّا أو مؤجَّلًا.

وانتشار القمار بين المسلمين منكر صريح، يوجب على كل ناصح أمين أن يبين للناس وعموم الشباب حرمته بالبراهين الظاهرة، وعاقبته الوخيمة في الدنيا والآخرة.

وأن تبيَّن الأدلة الصحيحة الثابتة وأقوال أهل العلم الثقات مع بيان الأضرار العاجلة والآجلة التي لأجلها حرَّم الله هذا النوع من المعاملات، وأثره الكبير في صرف الناس عن طلب الحلال، وتداول المال ونمو الاقتصاد بما ينفع العباد، وكذلك ما يقع بسببه من إيغار الصدور وإثارة الشحناء، وهذا مما يحرص الشرع أشد الحرص على إزالته ودفعه، وسد كل سبيل يوصل إليه، فكلما تعددت أسباب الفرقة والاختلاف كان هذا سببًا ‏للهوان والاستضعاف.

فكيف بنا ونحن نعيش في حالة لا يليق معها إلا الأخذ بأسباب القوة، أو -في أقل الأحوال- الحزن على ما يقع لإخواننا المسلمين في غزة، وغيرها من تلك الجرائم والاعتداءات، والمجازر والانتهاكات التي تدمي القلب، وتنغص عيش كل مَن كان في قلبه ذرة من الرحمة، وفيه بقية من معاني الأخوة والموالاة لأهل الإسلام؟!

وكيف يهنأ المسلم بعيش أو يطيب له طعام ولو كان حلالًا وهو يرى ما يحصل لأهل غزة من مجازر لا ينبغي معها من كل مسلم إلا أن يلزم الجد والعمل والسعي لإنقاذهم مع غلبة الشفقة عليهم ومواساتهم بالحال إن لم يكن بالمال؟!

أيليق بنا إذا كان هذا حال أمتنا أن ننشغل بفضول المباحات؛ فضلًا عن أمور تتضمن كثيرًا من الشبهات، ثم لا يُكتفى بذلك حتى يخوض كثيرٌ منا في لجة الحرام ويلقي بنفسه في وحل الآثام؟! فيجمعون بين التفريط في الفروض والعبادات القلبية والبدنية، والانشغال بفضول المباحات، بل بالسفاسف والتفاهات، وبين أكل الحرام بالمشاركة في المراهنات التي هي من كبائر الذنوب والموبقات. ‏

فأي بلاء هذا الذي نجلبه على أمتنا؟!

وأي محنة تلك التي ندفع أنفسنا إليها دفعًا ‏ونصرف إليها قلوبنا، ونجر بها الويلات علينا، بعدم الاعتبار لما علمت مغبته عقلًا، وحرمته شرعًا؟!

ولذا لزم علينا أن نذكر بما تقرر شرعًا من تحريم القمار، ومنه: إجراء مسابقات على جوائز مالية أو غيرها من توقعات المشتركين للفائز، بحيث تُعطى الجائزة لصاحب التوقع الصحيح، والاشتراك فيها، والتعاون على إقامتها.

وبيان أن ذلك لا يجوز، وأنه قمار محرم؛ لأن هذا ليس من المسابقات المشروعة، بل هي من المسابقات المنهي عنها؛ لما روى أبو هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

والسبَق هو: ما يُجعل للسابق على سبقه من جُعل أو جائزة.

قال ابن الأثير -رحمه الله-: "ما يُجْعل من المَال رَهْنا على المُساَبَقة" (النهاية في غريب الحديث والأثر).

وقال ابن عبد البر -رحمه الله-: "وأجمع العلماء على أن السبق لا يجوز على وجه الرهان؛ إلا في الخف والحافر والنصل" (التمهيد).

وقال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ‌وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة: 90).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (‌وَمَنْ ‌قَالَ ‌لِصَاحِبِهِ: ‌تعَالَ ‌أُقَامِرْكَ ‌فَلْيَتَصَدَّقْ) (متفق عليه).

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة