السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تذكير أولي الأبصار بحرمة وعاقبة القمار (2)

تذكير أولي الأبصار بحرمة وعاقبة القمار  (2)
الأربعاء ٢٧ مارس ٢٠٢٤ - ١٥:٢٠ م
27

 

تذكير أولي الأبصار بحرمة وعاقبة القمار  (2)

كتبه/ عبد الرحمن راضي العماري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد عَرَّف العلماء القمار بأنه: مغالبة ومخاطرة بين اثنين؛ بمعنى أن الواقع في القمار يكون مترددًا بين أن يغنم أو أن يغرم، مع غلبة المخاطرة، والقمار مِن كبائر الذنوب بالإجماع.

والمتأمل للحِكَم من تحريم القمار بالنظر في حال أغلب مَن يمارسه يتبيَّن له الكثير منها، فمِن ذلك:

1- القمار يجعل الإنسان يعتمد في كسبه على المصادفة، والأماني الفارغة لا على العمل والجد، وعرق الجبين، واحترام الأسباب المشروعة .

2- القمار أداة لهدم الأسر، وافتقار العوائل الغنية، وإذلال النفوس العزيزة.

3- القمار يورث العداوة والبغضاء بين المتلاعبين بأكل الأموال بينهم بالباطل .

4- القمار يصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويدفع بالمتلاعبين إلى أسوأ الأخلاق، وأقبح العادات.

5- القمار هواية آثمة تلتهم الوقت والجهد، وتعوِّد على الخمول والكسل، وتعطل الأمة عن العمل والإنتاج .

6- القمار يدفع صاحبه إلى الإجرام؛ لأن الفريق المفلس يريد أن يحصل على المال من أي طريق كان، ولو عن طريق السرقة والاغتصاب، أو الرشوة والاختلاس.

7- القمار يورث القلق، ويسبب المرض ويحطم الأعصاب، ويولِّد الحقد، ويؤدي في الغالب إلى الإجرام، أو الانتحار، أو الجنون، أو المرض العضال .

8- القمار يدفع المقامر إلى أفسد الأخلاق كشرب الخمور وتناول المخدرات غالبًا. (منقول بتصرفٍ).

فكم من بيوت افتقرت بسبب القمار، وكم من بطون جاعت، وكم من زواج فشل، ووظيفة ضاعت؛ لأن صاحبها اختلس ليقامر!

وكم من رجل باع دينه وعِرضه على مائدة القمار!

فالقمار يدمر كل شيء، وهو إن كان هدفه المال، لكنه يشمل كثيرًا من الشرور، ويجلب الكثير من المآثم، فسبحان الله الحكيم الخبير؛ لا يحرم شيئًا إلا رحمة، ولا يمنع من شيء إلا لحكمة! 

ومن صور القمار التي انتشرت في الآونة الأخيرة بين الشباب: المراهنات على نتائج المباريات! وليت الذي يحب كرة القدم قد اكتفى بممارستها؛ يستجم بها قليلًا، ويروِّح عن نفسه، ويفيد بدنه ‏بما يحصل فيها من حركة وجري، وركل، ومناورات ذهنية وجسدية؛ حتى يستعيد نشاطه وهمته ‏في الطاعات، ولا يمل من الوصال في العبادات، لكن يأبى البعض إلا أن يأخذ ما في هذه اللعبة من ضرر، فيتابعها لحظة بلحظة حتى تفوته الفروض، ويعيِّن نفسه عضوًا في أحد النوادي بلا عضوية، وينتمي إليه انتماءً وهميًّا ثم يوالي ويعادي عليه!

ومع قلة انتشار العلم بأحكام الدين، وتعسر أحوال كثير من الناس، وركود حركة البيع والشراء، وغلاء الأسعار؛ تندفع بعض المحلات والمواقع والهيئات ونحوها لجذب المشترين بالإعلان عن مسابقات لتوقع نتائج المباريات، ومن يتوقع يتم تسليمه جائزة قد يكون هذا باشتراك أو بغير اشتراك، وأحيانًا يحدث الرهان بين الأصدقاء أن مَن توقع نتيجة المباراة فله رحلة أو هاتف أو يتحمل نفقة مأكولات أو مشروبات، وهذه الصور محرمة، وإن كانت متفاوتة في الحرمة.

وإذا كان القمار (المراهنات) معمول به في أوروبا في لعبة كرة القدم وغيرها من زمن بعيد، وكذلك في بعض طبقات المجتمع ممَّن عرفوا بالترف، وعدم تحري الحلال والحرام والإسراف، والتشبه بمن لا خلاق لهم من أهل الكفر، وهذا يتصور من أهل الكفر والفجور؛ إلا أن المحزن والمقلق: أن هذه المسابقات انتشرت بين شباب المسلمين عبر تطبيقات ومواقع مجانية التحميل!

وإنك حين تسمع عن جرائم القتل التي وقعت جراء خسارة بعض الأطراف في هذه المسابقات؛ تعلم أننا في خطر عظيم وفتنة شديدة، فالمراهنات كما ذكر فيها قدر من الغرر والمجازفة فإنها تمنيك بمكسب كبير بغير مجهود، ولكنه محتمل وضعيف مع غلبة احتمال الخسارة.

لقد ظهرت في العديد من المدن أكشاك ومحلات بخلاف الصفحات على فيس بوك وغيرها من مواقع التواصل تستقبل الاشتراكات، وتدفع المكافآت للمشاركين سواء باليد أو بتحويلها للمشترك، ولا تعجب آنذاك من كثرة حالات السرقة والإسراف التي تقع من الشباب للمشاركة في هذه التطبيقات؛ التي لا تحتاج لكثير تنظير لبيان حرمة التعامل معها والاشتراك فيها، بقدر ما نحتاج لنشر قيم تحري الحلال.

إضافة إلى قيام المسؤولين التربويين بالدور المنوط بهم في غرس أخلاق التربح، ومراعاة الحلال في التكسب، وعدم الانسياق خلف أوهام الغنى المتوقع ولو كان محرمًا، وحبس النفس عن التطلع للاكتناز والثروة بغير آداب وضوابط حتى لا تكون فتنة، مع ضرورة تدخل الدولة لحجب ومنع هذه المواقع والتطبيقات، وتوقيع عقوبات ملائمة للقضاء على هذه الظاهرة التي زاد انتشارها بين شباب الجامعات والمدارس، ومعها زادت نسب بعض الجرائم: كالسرقة، والقتل، وكذا الشحناء والبغضاء؛ بسبب هذه المعاملات التي تربي النفوس على القعود والكسل، وتعودهم على التكسب بدون سعي أو عمل، وتنتهك الأموال وتضيع بها الحقوق؛ إذ مَن يشارك فيها ويدمنها لا يتوقف حتى يفوز وربما -وغالبًا- لا يفوز، ومع ذلك يظل يستنزف أمواله وكل ما يمكنه الحصول عليه من أموال أهله كلما خسر ليعوض خسارته، ومع ذلك يعتبر مَن يفوزون خصومًا وأعداءً له يأكلون ماله، ويضيعون عليه فرص الغنى؛ كل هذا غالبا يكون معه ترك الصلوات المفروضة، وغيرها من الواجبات الشرعية.

ولا غرو فإن الميسر إثمٌ وذنبٌ ورجسٌ من عمل الشيطان؛ ولذا أمر الله -تعالى- بالابتعاد عنه واجتنابه، لا سيما وقد علَّق الفلاح والنجاة على اجتنابه، وحثنا على تركه؛ لما فيه من المفاسد المترتبة على تعاطيه؛ فكيف إذا أدمنه كثير من الشباب الذين يرجى منهم أن يكونوا سببًا لنهضة أمتنا ونصرة قضايانا، واسترداد مقدساتنا في فلسطين، وتحقيق التمكين؟!

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة