الثلاثاء، ٢٢ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٣٠ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (160) دعوة غيَّرت وجه الأرض (7)

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (160) دعوة غيَّرت وجه الأرض (7)
الاثنين ٠١ أبريل ٢٠٢٤ - ١٢:٠٩ م
46

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (160) دعوة غيَّرت وجه الأرض (7)

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

قال الله -تعالى-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ . رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ . رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ . الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ . رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ . رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) (إبراهيم: 35-41).

الفائدة السابعة:

شربت أم إسماعيل -عليهما السلام- من الماء وأرضعت ابنها، ثم أتت قبيلة جرهم وسكنت بجوارهم لأجل الماء الذي ما تعودوا على وجوده في هذا المكان، وكانت أم إسماعيل تحب الأنس فألفت بهم واستجاب الله دعوة إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- ثم شب إسماعيل وتزوج منهم امرأة لم تكن تشكر نعمة الله ولا تعرف قدرها؛ فأمره أبوه أن يطلقها، وأن يستبدل بها غيرها خيرًا منها، ورزقه الله -عز وجل- بامرأة راضية، فدعا لهما إبراهيم -عليه السلام- بالبركة في اللحم والماء، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ولم يكن لهم يومئذ إذ حب ولو كان لهم لدعى لهم فيه)، ثم أتى إبراهيم -عليه السلام- ابنه إسماعيل وقال له: "إن الله أمرني بأمر، قال: فافعل ما أمرك ربك، قال: وتعينني؟ قال: نعم. قال: إن الله أمرني أن ابني هاهنا بيتًا"، فبنيا بيت الله الحرام وجعل إسماعيل يحمل الحجارة وإبراهيم يرفع البناء: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (البقرة: 127).

يبنيان لله بيتًا لعبادته وتوحيده ويخافان ألا يتقبل الله منهما؛ ولذلك دعوا بالقبول، وردا علم نياتهما إلى الله، ودعاؤهما: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، فمن الذي يجزم بالإخلاص لنفسه بعد ذلك، فينبغي للعبد أن يعمل الصالحات ويرجو القبول على البضاعة والأعمال المزجاة التي يراها لا تصلح لله؛ إلا أن يتقبلها الغفور الشكور بفضله وعطائه ومنته، نسأل الله أن يتقبلنا وأن يجعلنا من المقبولين.  

وبنيا بيت الله الحرام ونادى إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- بالحج في الناس وكانت هذه هي السنة الماضية كل عام من ذلك التاريخ إلى يومنا هذا، وحج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- حين مر بوادي الأزرق، فقال: (أَيُّ وَادٍ هَذَا؟) فَقَالُوا: هَذَا ‌وَادِي ‌الْأَزْرَقِ. قَالَ: (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عليه السلام هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ، وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللهِ بِالتَّلْبِيَةِ) ثُمَّ أَتَى عَلَى ثَنِيَّةِ هَرْشَى، فَقَالَ: (أَيُّ ثَنِيَّةٍ هَذِهِ؟) قَالُوا: ثَنِيَّةُ هَرْشَى، قَالَ: (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى عليه السلام عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ جَعْدَةٍ، عَلَيْهِ جُبَّةٌ مِنْ صُوفٍ، خِطَامُ نَاقَتِهِ خُلْبَةٌ وَهُوَ يُلَبِّي) خلبة أي: من الليف.

حج موسى وحج يونس -عليهم السلام-، وحج الأنبياء والمرسلون، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَقَدْ صَلَّى فِي ‌مَسْجِدِ ‌الْخَيْفِ ‌سَبْعُونَ ‌نَبِيًّا) (رواه الطبراني في المعجم الأوسط، وقال الألباني: حسن لغيره) (المسجد الذي يصلى فيه الحجاج الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر في منى يوم الثامن من ذي الحجة، فهذا المسجد صلى فيه سبعون نبيًّا).

ويحج عيسى -صلى الله عليه وسلم- كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ ‌بِفَجِّ ‌الرَّوْحَاءِ ‌حَاجًّا، ‌أَوْ ‌مُعْتَمِرًا، أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا) (رواه مسلم)؛ فإما أن يهل بالعمرة فيكون متمتعًا، أو يهل بالحج فيكون مفردًا، أو ليهلن بهما جميعًا فيكون قارنًا، فالله أعلم أي ذلك يفعله عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم.

وعيسى لم يحج في حياته، وبقي عليه الحج، فسوف يحج حين ينزل إمامًا مقسطًا، وحكمًا عدلًا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ ‌وَيَضَعَ ‌الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ) (متفق عليه).

يحكم عيسى -صلى الله عليه وسلم- الأرض سبع سنين بشريعة محمد -صلى الله عليه وسلم-، وخلالها يهلك الله على يديه الدجال، ويهلك الله على يديه اليهود وسائر الملل حتى تبقى السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها، وفي هذه الأثناء يحج بيت الله الحرام.

هذه سنة الأنبياء جميعًا، وفريضة من فرائض الله على كل مسلم أن ينوي الحج ما يسر الله له ذلك، ولا يحرم نفسه هذا الفضل العظيم، وخلال هذه المشاعر التي يؤديها الحجاج، وخلال تلك الأيام المباركة أيام الحج يتذكر المسلمون بعض هذه المعاني فيلجؤون إلى الله داعين أن يقبلهم الله في المقبولين، وأن يشفع فيهم حجاج بيته الداعين لهم، وأن يقبل دعاءهم، وأن يتقبل منهم، وأن ينصر المسلمين في كل مكان. آمين.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة