الصوفية رؤية من الداخل (36) اعتقادهم في الأقطاب والأوتاد والأبدال

الصوفية رؤية من الداخل (36) اعتقادهم في الأقطاب والأوتاد والأبدال
الخميس ٠٩ مايو ٢٠٢٤ - ١٦:٠٠ م
51

 الصوفية رؤية من الداخل (36) اعتقادهم في الأقطاب والأوتاد والأبدال

  كتبه / إمام خليفة                                

الحمد لله وكفى , وسلام على عباده الذين اصطفى لا سيما عبده المصطفى , وآله المستكملين الشرفا, وبعد..

سوف نتكلم اليوم بإذن الله تعالى عن :  اعتقادهم في الأقطاب والأوتاد والأبدال

 

اخترع الصوفية ما يسمونه بالأقطاب والأوتاد والأبدال يرتبون بها أولياءهم، كالنصارى الذين يرتبون بها رجال الدين عندهم بدءًا بالشماس وانتهاءً بالبابا.

قال شيخ الإسلام: وأما الأسماء الدائرة على ألسنة كثير من النساك والعامة، مثل: الغوث الذي يكون بمكة، والأوتاد الأربعة، والأقطاب السبعة، والأبدال الأربعين، والنجباء الثلاثمائة، فهذه الأسماء ليست موجودة في كتاب الله، ولا هي  أيضًا مأثورة عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد صحيح ولا ضعيف محتمل ولا توجد هذه الأسماء في كلام السلف كما هي على هذا الترتيب، ولا هي مأثورة على هذا الترتيب والمعاني عن المشايخ المقبولين عند الأمة قبولًا عامًا.

أولاً- الغوث:

 هو الذي يكون مدد الخلائق بواسطته في نصرهم ورزقهم

قال شيخ الإسلام: وأما لفظ الغوث والغياث فلا يستحقه إِلَّا الله تعالى فهو غياث المستغيثين لا يجوز لأحد الاستغاثة بغيره لا بملك مقرب، ولا نبي مرسل، ومن زعم أن أهل الأرض يرفعون حوائجهم التي يطلبون بها كشف الضر عنهم، ونزول الرحمة بهم، إلى الثلاثمائة والثلاثمائة إلى السبعين، والسبعين إلى الأربعين، والأربعين إلى السبعة، والسبعة إلى الأربعة، والأربعة إلى الغوث، فهو كاذب ضال مشرك، فقد كان المشركون كما أخبر الله عنهم بقوله: {ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛ } [الإسراء:67]، وهذا من جنس دعوى الرافضة أنه لا بُدَّ في كل زمان من إمام معصوم يكون حجة الله على المكلفين لا يتم الإيمان إِلَّا به ثُمَّ مع هذا يقولون إنه كان صبيًا دخل السرداب من أكثر من أربعمائة وأربعين سنة، ولا يعرف له عين ولا أثر ولا يدرك له حس ولا خبر.

ثانيًا- القطب: وهو كل ما دار عليه أمر من أمور الدنيا أو الدين ظاهرا أو باطنا هي الخلافة عن الحق مطلقًا فلا يصل إلى الخلق شئ من الله إِلَّا بحكم القطب، أو هو الواحد الذي هو موضع نظر الله من العالم في كل زمان، وقال الجرجاني: >القطب، وقد يسمى غوثًا باعتبار التجاء الملهوف إليه، وهو عبارة عن الواحد الذي هو موضوع نظر الله في كل زمان، أعطاه الطلسم الأعظم من لدنه، وهو يسري في الكون وأعيانه الباطنة، والظاهرة، سريان الروح في الجسد، بيده قسطاس الفيض الأعم، وزنه يتبع علمه، وعلمه يتبع علم الحق، وعلم الحق يتبع الماهيات غير المجعولة، فهو يفيض روح الحياة على الكون الأعلى والأسفل.

قال المنوفي: الأقطاب السبعة لحفظ القارات السبع، والقطب هو الواحد الذي هو موضع نظر الله من العالم في كل زمان. والقطبانية الكبرى هي مرتبة قطب الأقطاب، وهو باطن النبوة للرسول صلى الله عليه وسلم ، قال شيخ الإسلام: وأما القطب فيوجد في كلامهم أيضًا: فلان من الأقطاب وفلان قطب، فكل من دار عليه أمر من أمور الدين والدنيا باطنًا أو ظاهرًا فهو قطب ذلك الأمر ومداره سواء كان الدائر عليه أمر داره أو قرية أو مدينة أمر دينها أو دنياها باطنًا أو ظاهرًا، ولا اختصاص لهذا معنى بسبعة ولا أقل ولا أكثر لكن الممدوح من ذلك من كان مدارًا لصلاح الدين دون مجرد صلاح الدنيا وهذا هو القطب في عرفهم، وقد يتفق في عصر آخر أن يتكافأ اثنان أو ثلاثة في الفضل عند الله، ولا يجب أن يكون في كل زمان شخص واحد هو أفضل الخلق عند الله مطلقًا ومعلوم أن الذين كانوا مع علي من الصحابة مثل عمار، وسهل بن حنيف، ونحوهما كانوا أفضل من الذين مع معاوية، وإن كان سعد بن أبي وقاص ونحوه من القاعدين أفضل ممن كان معهما، فكيف يعتقد مع هذا أن الأبدال جميعهم الذين هم أفضل الخلق كانوا في أهل الشام؟ هذا باطل قطعًا.

وقد قسَّموا الأقطاب إلى نوعين:

الأوَّل- وهو قطب يقوم مقامه أحد: وهو مخلوق إذا مات يتخلف بدل منه أقرب الأبدال له(تشبه بالنصارى).

الثَّاني- وهو قطب لا يقوم مقامه أحد: وهو الروح المصطفوي وهو يسير في الكون سريان الروح في الجسد.

وبالطبع بعد أن يصف ابن عربي كل هذا الوصف الخرافي للأقطاب والأبدال والأوتاد، فلا بُدَّ من أن يخص نفسه بلقب من هذه الألقاب. وتأبى كرامة ابن عربي طبعًا أن يختار لقبًا دونًا، أو مرتبة صغيرة فيعلن عن نفسه أنه القطب الأعظم الذي لا أعظم منه أبدًا يقول بالنص: > لا أعرف في عصري هذا أحدًا تحقق بمقام العبودية مثلي، وذلك لأنني بلغت في مقام العبودية الغاية بحكم الإرث لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا العبد المحض الخالص الذي لا يعرف للربوبية على أحد من العالم طمعًا، وقد منحني الله -تعالى- هذا المقام هبة منه، ولم أنله بعمل، وإنَّما هو اختصاص إلهي.

ثالثا -الأبدال: أي أنهم أبدال الأنبياء، أو أنه كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً أو أنه أبدل السيئات من أخلاقهم وأعمالهم بحسنات، وهي لاتختص بالحقيقة بأربعين، وقيل: ثلاثين ، والأبدال زعموا أنهم أربعون، وهم مكلفون بحفظ العالم والكون، وقد عرفهم المنوفي بأنهم: >أبدال الأقطاب من الأولياء، فإن مات قطب أحل الله محله بدلًا منه، ومنهم الخلفاء الأربعة<.

قال شيخ الإسلام: والذين تكلموا باسم البدل أفردوه بمعان منها أنهم أبدال، ومنها أنهم كلما مات منهم رجل أبدل الله مكانه رجلًا، ومنها أنهم أبدلوا السيئات من أخلاقهم وأعمالهم وعقائدهم بالحسنات، وهذه الصفات كلها لا تختص بأربعين ولا بأقل ولا أكثر، ولا تحصر بأهل بقعة من الأرض، وكذلك من فسَّر الأربعين الأبدال بأن الناس إنما ينصرون ويرزقون بهم فذلك باطل وهذا تحقيق بما أخبر به النَّبِي من ركوب هذه الأمة سنن من كان قبلها حذو القذة بالقذة.

رابعا: الأوتاد:

هم رجال منازلهم منازل الأركان الأربعة: شرق، غرب، شمال، جنوب.

يقول المنوفي الصوفي : هم حفظة العلم كل واحد منهم في ركن من أركان العالم، وهم على قدم بدل من الأبدال، أي أقل رتبة من الأبدال، لأنَّ الأبدال يكونون على قدم قطب من الأقطاب.

وإذا كان المقصود بالوتد هو أن الله يثبت به الإيمان والدين في قلوب من يهديهم الله به كما يثبت الأرض بأوتادها فهو ثابت لكل من كان من أهل العلم والدين والورع وليس محصورًا في أربع.

قال شيخ الإسلام: وأما الأوتاد فقد يوجد في كلام بعضهم أنه يقول فلان من الأوتاد، ومعنى ذلك: أن الله يثبت به من الدين والإيمان في قلوب من يهديهم الله به كما يثبت الأرض بأوتادها، وهذا المعنى ثابت لكل من كان بهذه الصفة فكل من حصل به تثبيت العلم والإيمان في جمهور الناس كان بمنزلة الأوتاد العظيمة والجبال الكبيرة، ومن كان دونه كان بحسبه، وليس ذلك محصورًا في أربعة ولا أقل ولا أكثر بل جعل هؤلاء أربعة؛ مضاهاة لقول المنجمين في أوتاد الأرض..

خامسًا -النجباء: وهم في اصطلاح الصُّوفيَّة الأربعون القائمون بإصلاح أمور الناس، قال المنوفي: وهم الأربعون القائمون بإصلاح شئون السالكين.

سادسًا- الأفراد: وهم المفردون والغرباء لتفردهم عن الخلق بشهود الحق، وغربتهم في أهل زمانهم، وهم غير منحصرين في رتبة أو منزلة، ولهم كشف خاص وعلوم إلهية غريبة على الناس. وهم على قدم النَّبِي صلى الله عليه وسلم.

وأخيرًا وصلوا بالولاية إلى أنها مثل النبوة تمامًا فلها ختم كما للنبوة ختم، فختم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم وخاتم الأولياء عند الصُّوفيَّة مجموعة من الكذابين مختلفون فيما بينهم على ادعائها.

وأول من ادعى ختم الولاية به هو محمد بن علي بن الحسين، ويسمونه >الحكيم الترمذي<، وقد ظهر في القرن الثَّالث الهجري- في آخره- وهو غير الترمذي صاحب السنن.

وأخيرا. احذر أخي الكريم.

قد علم المسلمون كلهم أن ما ينزل بهم من النوازل ودعائهم مثلا عند الكسوف والاستسقاء لنزول الرزق،  ودعائهم لرفع البلاء، وأمثال ذلك، إنما يدعون في ذلك الله وحده لا يشركون به شيئًا، ولم يكن للمسلمين أن يرجعوا بحوائجهم إلى غير الله، بل كان المشركون به في جاهليتهم إذا اشتد بهم الكرب يدعونه بلا واسطة فيجيبهم الله، أفَتَرَاهم بعد التوحيد والإسلام لا يجيب دعاءهم إِلَّا بهذه الواسطة التي ما أنزل الله بها من سلطان؟ قال تعالى: (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[يونس:12] ، وقال: { وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ ۖ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ كَفُورًا} [الإسراء: 67]، وقال -تعالى-: { قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[الأنعام:40]، وقال-تعالى-: (قُلۡ أَرَءَيۡتَكُمۡ إِنۡ أَتَىٰكُمۡ عَذَابُ ٱللَّهِ أَوۡ أَتَتۡكُمُ ٱلسَّاعَةُ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَدۡعُونَ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ (40) بَلۡ إِيَّاهُ تَدۡعُونَ فَيَكۡشِفُ مَا تَدۡعُونَ إِلَيۡهِ إِن شَآءَ وَتَنسَوۡنَ مَا تُشۡرِكُونَ (41) وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَآ إِلَىٰٓ أُمَمٖ مِّن قَبۡلِكَ فَأَخَذۡنَٰهُم بِٱلۡبَأۡسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمۡ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوۡلَآ إِذۡ جَآءَهُم بَأۡسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَٰكِن قَسَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ (43) [الأنعام: 40-43].

 والنبي استسقي لأصحابه بصلاة الاستسقاء، وبغير صلاة، وصلاتهم لخوف نزول البلاء كصلاة الكسوف، وكان يقنت في صلاته فيستنصر على المشركين، وكذلك خلفاؤه الراشدون من بعده، وكذلك أئمة الدين ومشايخ المسلمين، مازالوا، على هذه الطريقة؛ ولهذا قال العلماء المحققون: ثلاثة أشياء مالها من أصل: باب النصارى، ومنتظر الرافضة، وغوث الصُّوفيَّة؛ فإن النصارى تدعي في الباب الذي لهم ما هو من هذا الجنس؛ وأنه الذي يقيم العالم، فذاك شخصه موجود، ولكن دعوى النصارى فيه باطلة. وأما محمد بن الحسن العسكري منتظر الرافضة في سرداب سامرا، والغوث المقيم بمكة عند الصُّوفيَّة، ونحو هذا، فإنه باطل ليس له أصل في الوجود، ولا وجود له.

وكذلك ما يزعمه بعضهم من أن القطب الغوث الجامع يمد أولياء الله، ويعرفهم كلهم، ونحو هذا، فهذا باطل. فأبو بكر وعمر رضي الله عنهما لم يكونا يعرفان جميع أولياء الله وعددهم، فكيف هؤلاء الضالون المفترون الكذابون؟! والرسول صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم إنما يعرف في الآخرة الذين لم يكن يراهم في الدنيا بسيما الوضوء، وهو الغُرَّة والتحجيل، ومن هؤلاء أولياء الله من لا يحصيه إِلَّا الله. وأنبياء الله الذين هو إمامهم وخطيبهم لم يكن يعرف أكثرهم، بل قال الله له: { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ} [غافر: 78]، وموسى لم يكن يعرف الخضر، والخضر لم يكن يعرف موسى، بل لما سلَّم عليه موسى قال له الخضر: >وأنَّي بأرضك السلام؟ فقال له: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم<. فكان قد بلغه اسمه وخبره، ولم يكن يعرف عينه. ومن قال: إن الخضر نقيب الأولياء، وأنه يعلمهم كلهم، فقد قال الباطل.

أما من جهة جواز الاستغاثة بهم؛ فيصح إن كانوا أحياء حاضرين قادرين؛ يقومون بأسباب النفع الدنيوية- من سعي وإنفاق ونصح وإرشاد، أو يقومون بأسباب نفع دينية - من دعاء لله وتضرع وتعليم للشريعة - فيصح  أيضًا على اعتبار أنهم أسباب.

وأما الاستغاثة بهم - وهم أموات -؛ والتعلق بهم فيما لا يقدر عليه البشر - من كشف الكرب والنصر العام وشفاء المرضى وإنزال الغيث والنصر على الأعداء فهو من جملة شرك المشركين حيث ادعوا في شفعائهم وأوليائهم الصالحين أنهم إذا دعوهم؛ فإنهم سيدعون الله لهم ويتوسطون لهم عند الله، وهذا شرك في الألوهية، قال -تعالى-: { وَلَا تَدۡعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَۖ فَإِن فَعَلۡتَ فَإِنَّكَ إِذٗا مِّنَ ٱلظَّٰلِمِينَ (106) وَإِن يَمۡسَسۡكَ ٱللَّهُ بِضُرّٖ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَۖ وَإِن يُرِدۡكَ بِخَيۡرٖ فَلَا رَآدَّ لِفَضۡلِهِۦۚ يُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ (107)} [يونس: 106-107].

 

إلى هنا ينتهي حديثنا حول اعتقادهم في الأقطاب والأوتاد والأبدال.

 

 

أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم

الكلمات الدلالية