أحداث الأردن على ضوء
بيانات كلٍّ من: (الدعوة السلفية - الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين - إخوان
الأردن)
كتبه/ عبد المنعم الشحات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما
بعد؛
فالدعوة
السلفية لها -بفضل الله- موقفها الثابت من دعم الجهاد في كلِّ الأماكن التي يكون
فيها القتال قتالًا شرعيًّا -من حيث المبدأ- موجَّهًا لأعداء الأمة، وليس
لأبنائها؛ كما قد يحدث من بعض التيارات المسماة: بـ"الجهادية!".
ويأتي
على رأس تلك البقاع: "فلسطين الحبيبة"؛ حيث
القتال يدور ضد اليهود، وهم كفار معادون لنا، غاصبون لأرضنا ومقدساتنا. وهذا الدعم
المستمر للجهاد في فلسطين لم يمنعنا أن نقدِّم النصح لهم، وكان في معظمه يدور حول
علاقتهم بإيران.
وحتى
في هذه النصيحة لم نغلُ فيها أو نطالب بما ليس في المقدور، بل قلنا لهم: لا بأس
بقبول ما يقدمونه لكم لو كانوا يقدمون شيئًا، ولكن احذروا الاختراق المنهجي.
وأما
في الآونة الأخيرة، فقد جَدَّت قضيتان في غاية الخطورة:
الأولى:
ما ردَّده كثيرٌ من قادة حماس من أنه لا يلزمهم حماية المدنيين، وأن
جهاد الدفع لا يجب فيه مصالح ومفاسد!
والأخطر: أنه
لم يكن فقط كلام قادة ميدانيين فتحمله على أنه محاولة لتخفيف العبء عن نفسه، بل
انضم إلى ذلك بعض مَن ينتسِب إلى العلم -كالشيخ الددو، ومحمد الصغير، وكثير
غيرهما-؛ يشرِّعون للأمر، ويزعمون أن هذا هو دين الله!
مع
أن هذا يوقعهم في تناقضٍ؛ فهم هم مَن ينادي العالم بالتدخل لإنهاء الحرب على غزة،
وهم أنفسهم من دعم حماس من قبل في كلِّ المواجهات في إمضاء هدنات سابقة مع العدو.
وهذا يتنافى مع ما يدعونه من كون الجهاد هناك فرض عين بلا اعتبار لقوة ولا ضعف،
ولا مصلحة ولا مفسدة؛ فلو كان الأمر كذلك لما جازت الهدنة بأي حال من الأحوال، ومع
هذا التناقض البيِّن، صُدِّر هذا الكلام على أنه هو دين الله!
الثانية:
فتوى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين التي طالبت الشعوب بالجهاد بالسلاح، وانتشرت
الفتوى بهذه الصيغة، وأُخِذَت منها عناوين رنانة في مواقع كثيرة موالية لتيار
الإخوان، ثم عُدِّلت الفتوى خُفية، وحُذِف منها كلمة: (بالسلاح)، ولم يُذكَر هذا
التعديل إلا في معرض النفي في محاورة لي في نقاش الجزيرة مع محمد الصغير، وقد
أثبتُّ في مقالٍ بعدها فتوى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين قبل وبعد
التعديل.
وهذه
الفتوى سُبِقَت بفتوى "مفتي ليبيا"؛ الذي تجاوز فيها دعوة الشعوب إلى
الجهاد المسلَّح إلى دعوة أفراد الجيوش إلى الذهاب منفردين للجهاد، فيذهب الطيار
بطائرته!
وتلاها
خطبة عصماء لمحمد الصغير قرَّر فيها:
أنه لا أمل في الحكومات، ولا بد أن تزحف الشعوب، وأن هذا فرض عين، ثم زحف في هدوء
إلى فندق إقامته في تركيا! مع أنه لو كان الأمر فرض عين كما زعم؛ للزمه - والطريق
إلى الكيان الصهيوني من تركيا سهل ميسور -؛ فلما واجهته على قناة الجزيرة بهذا
السؤال اشترط لنفسه أن يوجد معبرٌ مفتوحٌ، وألا يُعتقَل (يعني لن يذهب رغمًا عن
الحكومات كما أفتى الأفراد بذلك!).
هذه
الفتاوى تعني أن جمهور المسلمين يتعرَّض لتحريض وتجييش: إما أن يحدث الفوضى في
بلاده (بلا أي فائدة تعود على المسلمين في غزة)، وإما أن يصفه هؤلاء المحرِّضون
بأنه آثم، وبائع لدماء إخوانه. وهذه حالة يتعيَّن فيها الإنكار، وتنطبق عليها
قاعدة عدم جواز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
فتصدَّت
الدعوة السلفية لهذه الفتاوى الباطلة، وفنَّدها فضيلة الشيخ ياسر برهامي في
مناسبات كثيرة، مفصِّلًا لها تارة، ومقتصِدًا تارة أخرى.
ووجد
الإخوان ضالتهم في إجابة سؤال بدت مختصرة بعض الشيء، فشنوا حملة تشويه واسعة
النطاق حتى دخلت فيها قناة الجزيرة بكلِّ ثقلها، وكان يمكنهم لو عندهم شيء من شرف
المواجهة أن يقولوا: إن الشيخ يدعم الجهاد في غزة بكذا وكذا، ولكن كلامه في هذه
الجزئيات خطأ في كذا وكذا... ولكنهم زادوا على انحراف فتاواهم كذبًا؛ إذ زعموا أن
هذا الدعم كان في 2009م وانقطع، مع أن الشيخ "ياسر برهامي" شارك بعد 7
أكتوبر في سبع ندوات للدعوة السلفية؛ نصرة لغزة، ورفضًا للتهجير.
ثم
شاء الله -عز وجل- أنه قبل أن ينقشع غبار تلك الحملة الظالمة أن تلقي الأجهزة
الأردنية القبض على خلايا تابعة للإخوان تجهِّز لتصنيع أسلحة خفيفة وتدريب الأفراد
عليها، وصدر بيان سريع لإخوان الأردن يعيد إلى الأذهان بيان حسن البنا -عفا الله
عنه- في حقِّ قاتلي "القاضي الخازندار"، والذي عنونه بعنوان: "هذا
بيان للناس"، وبيانه الثاني بعد مقتل "النقراشي" والذي عنونه
بعنوان: "ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين!".
مع
أن كتب تأريخ الجماعة تحرص على أن تضع أثناء عرض هذه الأحداث عبارات تؤكد أنه لم
يكن أمام الشباب "المتحمس" إلا أن يفعل هذا!
إذًا،
فمَن الذي يحمس هذا الشباب، بل ويرشده إلى أن السبيل الوحيد للاستجابة لمشاعره
النبيلة هو هذا الطريق؟!
ومن
باب بيان الاختلاف الجوهري في الطرح، سوف أطرح أسئلة جوهرية وأجيب عنها من واقع
ثلاثة مصادر:
الأول:
بيانات الدعوة السلفية.
الثاني:
بيانات الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وتصريحات الدائرين في فلكه.
الثالث:
بيان إخوان الأردن.
أولًا:
الإجابات الموضوعية من خلال منهج وبيانات الدعوة السلفية
السؤال
الأول: بماذا نخاطب الحُكَّام المسلمين في شأن نصرة غزة؟
نحمد
مَن اتخذ موقفًا محمودًا؛ مثل موقف مصر والأردن من رفض التهجير، وموقف مصر والأردن
والسعودية والكويت وقطر وتركيا من إرسال المساعدات، وجهود مصر وقطر في عقد اتفاقية
هدنة أكثر من مرة؛ فحَمْدُ مَن اتخذ موقفًا حسنًا؛ أمرٌ فيه تشجيعٌ على الخير
وتنميته؛ لا سيما إذا كان الكيل فيه بمكيالٍ واحدٍ -كما سنبيِّن-.
السؤال
الثاني: ألا يمكن مطالبة الدول العربية بالمزيد؟
نعم،
طالبنا الدول العربية بالضغط الاقتصادي والدبلوماسي، ومراجعة الاتفاقيات التجارية،
والاتحاد؛ لكي نكون رقمًا في المعادلة.
السؤال
الثالث: لكن لِمَ هذا الأسلوب الهادئ في نصيحة الحُكَّام؛ هل مِن كلمة حق عند
سلطان جائر؟
دين
الله مصلحة كله، ولا بد من مراعاة المآلات، وهذا الخطاب يغلب على ظننا أنه يشجِّع
الحكام أن تتحد رغبتهم مع رغبة الشعوب في اتخاذ خطوات أكثر إيجابية، بينما نجزم أن
الخطاب الخشن لا يفيد؛ إضافة إلى أنه يحوِّل جزءًا من اهتمام الحكومات برصد الخطر
الداخلي الذي يُخشَى أن يتولد مِن هذه الخطابات الخشنة.
السؤال
الرابع: هل ارتضيتم اتفاقيات السلام بين العرب والكيان الصهيوني؟
نقول:
إن كل اتفاقيات السلام مع الكيان الصهيوني لو عُرِضَت على الشعوب لرفضتها -على
الأقل- من جهة العاطفة، ولكن ثمة اعتراضات جوهرية تتعلَّق بها كلها أو بكثيرٍ
منها؛ مثل:
1-
أنها تمثِّل عقودًا مطلقة، وهذا الانتقاض شائع جدا مما أوهم أن هناك إجماعا على
وجوب تحديد المدة فى المعاهدات، لا سيما مع محتلٍ غاصبٍ لأجزاء من بلاد المسلمين؛
لا سيما وأن فيها القدس الشريف.
والصحيح
أن ثمة مذهب يقول بجواز العقد المطلق، على أن ينبذه المسلمون إلى عدوهم متى وجدوا
في أنفسهم القدرة على هذا وكان ذلك محققا لمصلحتهم.
وأيًّا
ما يكن من خلاف فقهي في المسألة فطالما وقع العقد مطلقا فلم يبق أمامنا إلا
التعامل معها من منطلق القول الفقهي القائل بجواز العقود المطلقة، وبالتالي علينا
في هذه الحالة أن نكرس لدى الحكومات والعامة والساسة وكل الأمة أن العقد المطلق لا
يجوز إلا مع الوضع في الاعتبار أن ينسحب منه المسلمون وينبذوه لعدوهم متى وجدت
فيهم القدرة على هذا واقتضت مصلحتهم ذلك. وهذا هو واقع الاتفاقيات في القانون
الدولي، فأي اتفاقية تستطيع اتخاذ إجراءات الانسحاب منها. فيبقى هذا خيارًا متاحًا
شرعًا وقانونًا.
2-
اعترض الفريق "سعد الدين الشاذلي" -وغيره من العسكريين- على أن اتفاقية
"كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل قيَّدت سلطة مصر في تسليح سيناء.
3-
اعترض الكثيرون من مستشاري الرئيس السادات نفسه على أن المواد المتعلقة بحق الشعب
الفلسطيني في معاهدة كامب ديفيد كانت في حاجة إلى أن يُنصَّ على دور مصري واضح في
حالة الإخلال بها.
4-
اعترض عموم الشعب المصري والأردني على عبارات خارجة عن مفهوم الهدنة الشرعي من
الكلام على التطبيع مع العدو، وهي بنود -بفضل الله- وُلِدت ميتة، ويجب أن يبقى
الصوت الإسلامي الرافض لهذه البنود، فالمعاهدة إمساك عن القتال، وليس إنهاء
للعداء.
5-
وأما اتفاقيات الدين الإبراهيمي فهي تجاوز لمبدأ الهدنة والمعاهدة، وتمييع
للدِّين، وهي ليست اتفاقية حتى بالمعايير القانونية، بقدر ما هي فكر منحرف؛ للأسف
اقتنع به قادة بعض الدول، واتفقوا مع اليهود الذين يجنون من ورائها تذويب عقيدة
الولاء والبراء؛ ليتمكنوا أكثر وأكثر فيما تحت أيديهم من أراضٍ، ويتمكنوا من الغزو
الفكري والثقافي!
ومع
كل هذه المآخذ: فيجب أن تؤخذ في الاعتبار الظروف
التي قادت الدول إلى عقد مثل هذه المعاهدات؛ فمثلًا: الشيخ "أحمد ياسين"
في حلقات "شاهد على العصر على قناة الجزيرة"، ورغم انتقاده الشديد لكامب
ديفيد؛ إلا أنه قال: إن العرب قد اضطروا مصر إليها؛ لكونهم لم يتحملوا النفقات
الباهظة عسكريًّا، في حين أن إسرائيل تدعمها أمريكا بمليارات الدولارات.
السؤال
الخامس: كيف تجمعون بين هذه الانتقادات، وبين قولكم: إن مصر مُلزَمة باتفاقيات
كامب ديفيد؟
هذا
الكلام ليس وليد اليوم ولم ننفرد به.
وهناك
فرق بين أن تنتقِدَ الاتفاقية وأن تدعو إلى مقاومة الجزء الشعبي منها "وهو
التطبيع"، وبين أن تقول للأجهزة المسؤولة ألا تراعي الاتفاقية.
وهذا
كلام لم ننتحله اليوم في 2025، بل سُئلنا عنه مرارًا: هل نرى لزوم الاتفاقية؟ وهل
سنسعى لإلغائها؟ فبيَّنَّا أنها لازمة لمصر، ولا يمكن أن تنصح الحكومة في مصر
باعتبارها وكأنها غير موجودة، ولكن قلنا: علينا أن نسعى إلى اتخاذ أسباب القوة
لتعديل شروطها، أو إلغائها بالكلية لو استطعنا (وقد أكَّد الشيخ ياسر في فتواه
الأخيرة - بعد ما بيَّن لزوم الاتفاقية - بيَّن أنه يلزمنا أيضًا إلغاؤها إذا
وُجِدَت القدرة على ذلك وكان في ذلك مصلحتنا كما سبق أن أوضحناه).
وهذا
ما أجاب به الإخوان وغيرهم (بل كان لـ"عصام العريان" تصريحات شديدة
الانفتاح على الاتفاقية والترحيب بها، وليس مجرد الالتزام الاضطراري، بل وله دعوة
لليهود المصريين (الذين طردهم عبد الناصر على حدِّ وصفه –عفا الله عنه-) للعودة
إلى مصر، رغم أن هذا التصريح كان كفيلًا بتوريط مصر في قضايا دولية!
مع
العلم أن اليهود الذين كانوا في مصر كان معهم جنسيات أوروبية، ومن خلالها أخذ مَن
غادر منهم حقوقه وفوق حقوقه، ولم يكن الأمر يحتاج إلى هذا الكرم المجاني مع
الصهاينة!
بل
حازم صلاح أبو إسماعيل الذي اشتهر بعدم اكتراثه بالحسابات، لما سُئِل في أثناء
حملته للانتخابات الرئاسية عن الاتفاقية؛ قال: إن إلغاء اتفاقية كهذه يحتاج إلى
عمل وترتيب لا يقل عن 10 إلى 15 عامًا!
السؤال
السادس: ماذا لو أصبح لا وسيلة لنصرة أهل غزة إلا بالقتال معهم، فمِن ثَمَّ يجب
على أهل مصر والأردن نقض الاتفاقية؛ لكي يتمكنوا من القتال مع إخوانهم؟
هذا
السؤال مَن يطرحه لا يدرك أن عمليات غزة إنما كانت ممكنة؛ لكونها تخضع لما يسمَّى
بـ"حرب العصابات" (هذه هي التسمية الشائعة لها)، وهي تعني قدرة جماعات
صغيرة خفيفة التسليح على إيقاع نكاية خاطفة في جيش نظامي، وهذا الجيش النظامي
عندما يفكر في الرد يجد أن كلفة الرد "النظامي" عالية جدًّا، فيرد ردًّا
تأديبيًا خاطفًا.
ومشكلة
"7 أكتوبر" أنها بلغت من الشدة مبلغًا جعلت إسرائيل تقرر الرد بطريقة
الجيوش النظامية، وحينئذٍ تترس المقاتلون ذوو التسليح الخفيف بحصونهم، واستمر
العدو في دكِّ المدنيين متذرعًا بفداحة ما أصابه، واضطر حينئذٍ البعض أن يقول: إنه
ضرب ضربته الخاطفة وتحصَّن، ولم يكن مطلوبًا منه قياس المصالح والمفاسد!
ولو
قال قائل: إنه توقع أن العملية حتى لو كانت واسعة فإن إسرائيل سوف تكتفي برد
تأديبي خاطف، لقلنا: أخطأ في الاجتهاد. وأما الإصرار على أنه مهما كان رد الفعل
المتوقع؛ فالفعل في ذاته صحيح ومشروع، وهو الذي حاولت حماس الدفاع عنه فترة، إلى
أن عَدَّل هذا الخطاب جزئيًّا موسى أبو مرزوق.
وكنوع
من التماس العذر قدر الإمكان لحماس اعتبرنا وكأن تصريحات أبو مرزوق كافية فى
التراجع عن التصريحات السابقة مع كثرتها ووضوحها، كما كتبت هذا في مقال "حماس
ومراجعة التصريحات".
اقرأ أيضا: حماس ومراجعة
التصريحات وضبط القواعد
والخلاصة: أن
طالما بقيت إسرائيل ومن ورائها أمريكا وبريطانيا، فلا يمكن لمصر أن تفكر في إلغاء
اتفاقية السلام إلا عند توفر - كحد أدنى - الشروط التي ذكرها الشيخ "أحمد
ياسين" نفسه - كما أشرنا سابقًا -.
ومن
هنا جاءت عبارة الشيخ "ياسر برهامي" (ردًّا على مَن يقول: إن مصر عليها
أن تلغي اتفاقية السلام وتحارب): إن حماس خَطَّطت للحرب وهي تعلم أن
دول المواجهة معها اتفاقيات سلام مع إسرائيل، فهل هي نسَّقَت معهم أنهم سوف يلغون
هذه الاتفاقيات؟
بقي
هنا أن سوريا ليس بينها وبين إسرائيل اتفاقية سلام، بل اتفاق وقف إطلاق نار في عام
1974، وكانت سوريا تحت حكم بشار الأسد لا أمل فيها في نصرة قضية فلسطين (رغم أن
إيران كانت تصنَّف سوريا ضمن محور المقاومة)، ولكن سقط بشار -بحمد الله-، وجاء
الرئيس أحمد الشرع وأعلن أنه ملتزم باتفاقية 1974 (وهذا ما في مقدوره).
والعجيب: أن
أحدًا لم يطالبه بإلغائها؛ رغم أنها مجرد اتفاق وقف إطلاق نار، وهذا ما سنعود إليه
-بإذن الله-.
السؤال
السابع: ألم تنقض إسرائيل اتفاقيات السلام بعدوانها على البلاد الإسلامية وبتصرفات
أخرى كثيرة؟
للأسف
صار الواقع الذي ما كنا نتمناه، ونقول: إنه يجب أن نسعى لتغييره، وفرقٌ بين السعي
لتغييره وبين إهمال كونه أمرًا واقعًا؛ هو: أن الاتفاقيات صارت بين كل بلد وبين
إسرائيل.
وعمومًا،
صلح الحديبية ذاته يؤصِّل لمسألةِ أنه من الممكن أن يكون فريقٌ من الكفار محاربًا
لبعض المسلمين، داخل في حِلْف مع البعض الآخر.
وأما
الخروقات المتعددة من إسرائيل للاتفاقية، فإن الإدارة المصرية اختارت أن تبادل
خرقًا بخرق، وأعلن كل طرف أنه متمسك بالاتفاقية، وأنه يسجِّل على الطرف الآخر
خروقاته.
وهذا
خيار مصلحي، وقد قرَّرنا أنه لو وجدت عندنا القوة لوجب استثمار تلك الخروقات في
إلغاء المعاهدة، ولكن الإدارة المصرية اختارت أن تستثمر تلك الخروقات في تحسين
الواقع في نشر التسليح في سيناء -على خلاف ما تلزم به الاتفاقية- من باب مبادلة
خرق بخرق.
وهذا
في حدِّ ذاته يشهد أن القرار في الجملة هادف لرفع درجة القوة والاستعداد أمام
العدو الصهيوني.
السؤال
الثامن: بماذا نصحتم الشعوب؟
نصحناهم
بالدعاء.
ونصحناهم
بالتبرع.
وساعدناهم
على ذلك من خلال حملة تبرع دائمة ترسل قوافل مستمرة طوال فترات فتح المعابر.
ووعيَّنا
الأمة بالقضية عن طريق ندوات ودورات ودروس.
ونصحنا
في مصر -وفي غيرها- بالمشاركة في الفعاليات الشعبية التي تعبِّر عن رفض الشعب
للعدوان على إخوانهم.
السؤال
التاسع: نفهم من هذا: أنكم نصحتم الشعوب بالتحرك في حدود المسموح به حكوميًّا في
كل بلد؟
نعم؛
لأننا لا نريد فوضى، ولا فتنة، ولا صراعًا داخليًّا يشغل كلَّ مَن يؤدي درجةً من
الواجب عما يؤديه، وليس لنا مصلحة في تقويض استقرار أي بلد من بلاد المسلمين، لا
مصر ولا قطر، ولا غيرها؛ فنؤدي ما نستطيع، وعزاؤنا قوله -تعالى-: (لَا
يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة:
286).
إجابات
الدكتور "العوا" عن هذه الأسئلة:
قال
الدكتور "العوا" على قناة الجزيرة مباشر، في اللقاء الذي جمعني أنا وهو
ومحمد الصغير -على برنامج المسائية مع المذيع أحمد طه-: "إلا أن الذين
يقولون: حيَّ على النفير، وادخلوا إلى فلسطين يا شعب الأردن، أو شعب مصر، أو شعب
سوريا، أو غير ذلك! كيف يدخلون؟ هل يُرَاد منهم أن يحدثوا فتنة بينهم وبين
الحكومات التي تمنع هذا الدخول؟
وإنما
الذي تُطالَب به الشعوب أن يضغطوا على حكوماتها لكي تتخذ هذه الحكومات مواقف أكثر
جرأة وأكثر قوة، وأنا أقول لكي أبرئ ساحتي أمام الله: إن أكثر ما تفعله هذه
الحكومات نحن لا نعرف عنه شيئًا، ما الواجب علينا إذا كنا لا نعرف حقيقة ما
يجري؟
الواجب
أن نحثَّ هؤلاء الحكام على القيام بواجبهم؛ نحثهم على القيام بواجبهم نحو أهل غزة،
نحثهم على القيام بواجبٍ عليهم على أهل غزة، ليس بالحرب، بل بأن يقوموا بتوصيل
شربة الماء، قارورة الدواء لأهلنا في غزة".
هذا
ما قاله مما يتعلق بالإجابة على جزئية الواجب على الحكومات والشعوب.
إجابات
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورموز الفكر الإخواني والسروري
السؤال
الأول: بماذا تخاطبون الحكام المسلمين في شأن نصرة غزة؟
اختارت
الفتوى أخشن خطاب مع الحكام، ولكن إذا استثنيتَ البلد التي فيها مقر الاتحاد
العالمي هذا، والبلاد التي يزورون رؤساءها، ويلتقطون معهم الصور التذكارية؛ فلن
يبقى إلا مصر والأردن، والتي خصها بالذِّكْر غير واحدٍ منهم!
وهذا
الخطاب لم ينتج عنه أي نصرة لقضية غزة، بل بدا تثبيطًا لهِمَم مَن يقدِّم شيئًا
ولَمْزًا له.
ثم
إن الفتوى خاطبت مَن معهم اتفاقيات سلام أن ينقضوها (وكأن نقضها يمكن أن يتم في
ساعات أو حتى أيام)، وبنفس الانتقائية لم تطالب الدول الأعضاء في حلف الناتو
-مثلًا- بالانسحاب منه، ولا الدول التي فيها قواعد عسكرية أمريكية أن تطرد هذه
القواعد!
ونحن
-كما أسلفنا- نأمل أن تُراجَع اتفاقيات السلام؛ فمن باب أولى نأمل ألا تكون هناك
دولة إسلامية عضوة في حلف صليبي، ولا أن تؤوي أي دولة إسلامية قواعد أمريكية،
ولكننا لم نضمن هذا في خطابنا في نصرة غزة؛ لأنه معلوم أن مثل هذه الأمور لو وُجِد
قرار سياسي حقيقي بمراجعتها فيحتاج عقودًا لا سنوات، وإذا كان تعديل المهام في حلف
الناتو، تقول دول أوروبا إنه لو رغبت أمريكا فيه فعليها أن تجدول هذا على 20 سنة،
وهو حلف واحد متحد المشارب؛ فكيف بهذه الأوضاع المعقدة؟
ثم
إن الفتوى التي ركَّزت على إلغاء اتفاقيات السلام بدت متصالحة مع توجه الرئيس
السوري أحمد الشرع في الإبقاء على اتفاقية وقف إطلاق النار في 1974 (ونحن لا نأمره
بنقضها لعدم قدرته على ذلك)، وإن كنا نرى أن الموقف السوري من الانتهاكات
الإسرائيلية لهذه الاتفاقية لا يرقى إلى مستوى رد الفعل المطلوب من دولة تتعرض
لانتهاك عسكري.
السؤال
الثاني: بماذا تخاطبون الشعوب الإسلامية بشأن نصرة غزة؟
هنا
فاجأنا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وكثير من الرموز الدائرين في فلك الإخوان
أنهم في الواقع يدعون لحرب أهلية، وليس لنصرة غزة؛ فالغرياني يدعو الطيارين
المصريين والأردنيين؛ كلٌّ يأخذ طائرته ويذهب إلى غزة!
وغني
عن الذِّكْر: أن مَن فعل هذا سوف يعترضه زملاؤه، فلا يوجد جيش يسمح بتحرك أفراده
هكذا.
ماذا
سيفعل هذا الطيار الذي سيسمع كلام الغرياني عندما يعترضه زملاؤه؟!
أليست
الحرب الأهلية يسقط فيها أبناؤنا وتدمَّر فيها طائراتنا؟!
ثم
هَبْ أنه وصل، فلن يتكلف العدو في إسقاط تلك الطائرات الشاردة إلا ما يكلفهم إسقاط
عصفور في السماء، بل ربما قرَّروا إجباره على الهبوط؛ فأسروه، وأخذوا طائرته
غنيمة.
وأما
الصغير فاختار أن يدعو الشعوب إلى النزول إلى الميادين ومحاصرة السفارات، وهو يعلم
أن هؤلاء سوف يواجهون قوات الأمن في بلادهم، ولن يضروا الأعداء في شيء.
مع
ملاحظة: أن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين اضطر أن يعدِّل فتواه، ويسحب
منها كلمة جهاد الأفراد بالسلاح، كما اضطر إلى إنزال بيان على صفحته دون أي ترويج
إعلامي كبير له، وكأنه اعتذار مسبق، يشدد فيه على أن هذا النزول الذي يدعو إليه
يجب أن يُراعَى فيه عدم الصدام مع الأجهزة الأمنية؛ فصار من الناحية الواقعية
البيان متناقضًا تمامًا مع الفتوى؛ بيد أن الفتوى مؤيدة بخطب رنانة، ووقفات آمنة
في تركيا -وغيرها-؛ حيث لا صدام مع أجهزة الأمن، فصارت إغراءً للشباب للوقوع في
الصدام مع الأجهزة الأمنية.
وفي
النهاية.. بماذا نفعوا القضية؟
الإجابة
على لسان إخوان الأردن:
عَمِل
إخوانُ الأردن -أو مجموعات منهم- بفتوى الاتحاد العالمي، أو كانوا يعملون منذ مدة
بمثل هذه الفتوى، فلم يعتبروا أن هناك اتفاقية سلام بين بلادهم وبين إسرائيل
(ذكرنا أن نصيحتنا للحكام بالسعي إلى إلغاء تلك الاتفاقيات شيء، وافتراض أنها غير
موجودة بالفعل شيء آخر).
ومِن
ثَمَّ؛ فأخذوا يصنعون صواريخ قصيرة المدى جدًّا من 2 كم إلى 5 كم، والسؤال: هل
الداخل الفلسطيني يحتاج أن يستورد هذه الأسلحة من خارجه؟!
وصاروا
يصنعون طائرات الدرونز.
ولو
أن إيصال هذه الأسلحة للفلسطينيين نافعٌ لهم، ولا يترتب عليه احتراب ومواجهات بين
من يفعل هذا والأجهزة في بلده، ولا يورِّط بلده في مواجهة غير محسوبة العواقب؛
لقلنا: "إنها نصرة محمودة لإخوانهم"، ولكن فتوى الاتحاد العالمي أسقطتْ
كلَّ هذه الاعتبارات، واعتبرت أن هذه الأفعال فرض عين على كلِّ مسلم، لا سيما في
مصر والأردن!
ثم
حدث أن قامت سلطات الأردن بالقبض على هؤلاء.
فهل
تحمَّل مَن أفتى بهذه الفتاوى تبعة هذه المفسدة المحضة؟
لم
يصل شيء إلى فلسطين، لا سيما غزة، واحتمال وصول شيء من هذا يقترب من صفر بالمائة؛
فهذا الطريق نهايته صدام بين من يقوم به وبين الأجهزة الأمنية في بلده.
إذًا،
هذا الصدام مفسدة، وما يترتب على هذا الصدام من ثارات تلهب نيران الثأر، وربما
امتد ذلك لعقود، كما حصل في تجربة جماعات العنف في مصر وغيرها.
وهذه
المفسدة تضعف الدول أمام إسرائيل، وتلقي البغضاء بين الشعوب والحكام، ويترتب عليها
انكماش الدعوات واستطالة دعاة العلمانية، ولكن أصحاب هذه الفتاوى لا يحسبون ولا
يراعون، مع أن معظمهم يرفعون شعار: "الفقه المقاصدي"، ولكونهم يجيزون في
فقههم المقاصدي العدول عن الأحكام الشرعية إلى غيرها إذا حققت المقاصد -في زعمهم-؛
فقد تركوا النصوص المنظِّمة لحال المسلم في حالة الضعف ليتبنوا خطابًا تهييجيًّا؛
فأدَّى إلى نقيض المقاصد الشرعية (ولهذه الجزئية مجال لمناقشتها باستفاضة -بإذن
الله-).
وعلى
طريقة الانسحاب غير المنظَّم، والغدر بالأتباع الذين وثقوا في القيادة المحمِّسة
لهم؛ أصدرت جماعة الإخوان في الأردن هذا البيان:
بيان
جماعة الإخوان المسلمين في الأردن
بيان
إعلامي صادر عن جماعة الإخوان المسلمين في الأردن:
-
جماعة الإخوان المسلمين: نؤكِّد أن كلَّ ما تم التطرق إليه
خلال المؤتمر الصحفي، وما تلاه إعلاميًّا من مجريات وأحداث وأفعال، هي أعمال
فردية، على خلفية دعم المقاومة، لا علم لجماعة الإخوان المسلمين بها، ولا تَمُتُّ
لها بصلة.
-
جماعة الإخوان المسلمين: تؤكِّد أنها التزمت منذ نشأتها قبل
ثمانية عقود بالخط الوطني، وظلت متمسكة بنهجها السلمي، ولم تخرج يومًا عن وحدة
الصف وثوابت الموقف الوطني، بل انحازت على الدوام لأمن الأردن واستقراره.
-
جماعة الإخوان المسلمين: تؤكد الجماعة أنها كانت -وما زالت-
جزءًا أصيلًا من نسيج الوطن؛ تقدِّم مصالح الأردن العليا فوق كلِّ اعتبار، وتؤمن
بأن الحوار والتكامل بين مؤسسات الدولة والمجتمع هو السبيل لمواجهة التحديات
وتجاوز الأزمات.
-
الإخوان: المرحلة تتطلب وعيًا وطنيًّا صادقًا، وتكاتفًا مسؤولًا، وترسيخًا
للوحدة الوطنية وتمتينًا للجبهة الداخلية على قاعدة المصالح الوطنية العليا للوطن،
بعيدًا عن محاولات التشويش أو التشويه أو التخوين، وحملات التحريض التي لا تخدم
الأردن وتستهدف منعته.
-
الإخوان: لقد أثبتَ الأردنيون -على الدوام- أنهم قادرون على تجاوز التحديات
بالحكمة والرشد، والمسؤولية والحوار الوطني، وأن الدولة الأردنية بتماسكها
وتعدديتها وانفتاحها، قادرة على احتضان كل رأي حر، والتفاعل مع كلِّ صوت مخلص في
إطارٍ من الاحترام المتبادل والشراكة الوطنية الصادقة.
ثم
صدر بيان عن ما يسمى نفسه تيار التغيير داخل الإخوان
وهو التيار الذي قاد عمليات العنف المنظم في مصر بعد 2013، وكان مما جاء في نص
البيان:
(إن
ما قام به هؤلاء الأبطال هو تطبيق عملي ناصع لما أقره علماء الأمة في فتاواهم،
وآخرها بيان لجنة الاجتهاد والفتوى في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي نص
بوضوح على وجوب نصرة المــ ـقاومة في غـ ـزة بالســ ـلاح والمال والنفس، وبيّن
وجوب التصدّي لكل من يعاديها أو يخذّلها أو يحاصرها، وهو كذلك ما دعت إليه المــ
ــقاومة مرارا واستنفرت فيه الأمة، ونادى به المكتب العام على مدار عام ونصف من
وجوب انخراط جموع الأمة في هذه المعركة).
وهذا
تأكيد على أن فتوى الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين لها دور فى وجود هذه الممارسات
على أرض الواقع و قد أشار البيان إلى استنكار بيان
إخوان الأردن دون أن يسميهم فجاء فيه:
(يُعرب
المكتب العام للإخوان المسلمين عن بالغ أسفه لمواقف وتصريحات صدرت عن جهات كان
يُنتظر منها أن تحتضن فعل أحرار الأردن وتدعمه، فإذا بها تُسارع إلى التبرؤ منه).
لقد
كانت الإخوان تكتفى بخطابات الحماسة ثم عندما يتورط البعض في تصرفات خرقاء يسارعون
إلى إصدار بيانات "ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين".
ولكن
بعد 2013 أصبح فريق من الإخوان يفاخر بالعنف والصدام داخل المجتمعات الإسلامية،
سواء بذريعة ردع الأنظمة عن تعقب الإخوان كما نظَّر لذلك سيد قطب، أو كما هو الحال
هنا بالسعي لإجبار الجيوش على خوض حرب بلا حسابات ولا استعداد.
وعلى
الرغم أن كلا حالتي الإخوان فيها ما فيها من المفاسد؛ ولكن كنا نتمنى أن يحافظ
الإخوان على الاقل نظريا على التبرؤ من هذه الفوضى وقد كتبت في ذلك مقالة بعنوان
البنا يقول "ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين" عن
قاتلي صاحب مذبحة كوبري عباس فهل من مقتدٍ به؟
لكن
يبدو أن هذا الفصيل الإخواني صار صريحا وواضحا في تبنيه للعنف، وهو يستند في
التنظير والتجنيد والتجييش لمن يصفون أنفسهم بالعلماء ويفتون بما يوافق هوى تلك
المجموعات الموتورة التي تظن أن نصرة الدين لا تتم إلا بإشعال الأوضاع في بلاد
المسلمين.
وبعد
هذا البيان: فالحمد لله أننا لم نؤخِّر البيان عن وقت الحاجة، وأنكرنا انحرافات
فتوى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ومفتي ليبيا، والصغير، وغيرهم؛ حتى لا نشعر
بالذنب أننا تركنا بعض الشباب فريسة لفتاوى غير مسؤولة تلقي بهم إلى مفاسد لا ترفع
شيئًا عن كاهل إخوانهم في غزة، وإنما تضع على كاهل المسلمين مفاسد حالية
ومستقبلية.
ونرجو
أن يكون هذا الاستعراض السريع قد جَلَّى بعضَ الحقائق في هذه الفتن.
نسأل
الله -تعالى- أن يقينا شرَّ الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
ونسأله
-عز وجل- أن يهلكَ اليهود ومَن عاونهم، وأن يرفع البلاء عن غزة، وكلِّ بلاد
المسلمين.
موقع أنا السلفي