معالم وهدايات بعد
الأيام المعدودات (2)
كتبه/ عبد الرحمن راضي العماري
الحمد
لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فمِن
الوسائل العملية لتحقيق الاستقامة بعد رمضان:
1-
الانشغال بالعلم وملازمة العلماء:
الطاعة
بلا علم قد تضعف، والإيمان بلا بصيرة قد يُسرق؛ لذلك كان لا بد من أن يجعل الإنسان
لنفسه برنامجًا علميًّا مستمرًا، ينهل فيه من العلم الشرعي، ويتدرج في فهم دينه،
تحت إشراف شيخ راسخ أو طالب علم بصير بمنهج التعلم. فالصحبة العلمية تعين على
الثبات، وكم من رجل ثبت على الطاعة بسبب مجالسته للعلماء ومحبته لكتب السلف!
وطلب
العلم النافع من أعظم أسباب الثبات، وتحصيل التقوى، وخشية الله -تعالى-: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) (فاطر: 28).
2-
الصحبة الصالحة والاستمرار في بيئة إيمانية:
كان
الناس في رمضان يجتمعون في المساجد، يتلون القرآن، يصلّون التراويح، ويتواصون
بالخير، وتتلاقى الصحبة الصالحة في مجالس الذكر والقيام والإفطار، لكن بعد رمضان
تتفرق الجموع، وينشغل كل إنسان بحياته، فمن أراد الثبات، فعليه أن يحافظ على
الصحبة الصالحة، لا يبتعد عن أهل الخير، بل يحرص على المجالس الإيمانية، يشارك في
حلقات العلم، ويجعل لنفسه رابطًا مع الصالحين حتى لا يفتر قلبه.
قال
-تعالى- لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ
زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ
ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف:28).
3-
المواظبة على الطاعات ولو بالقليل:
القليل
الدائم خير من الكثير المنقطع، فلو لم يستطع الإنسان أن يقوم الليل كله، فليصلِّ
ركعتين، وإن لم يستطع أن يصوم أسبوعيًّا، فليحرص على ثلاثة أيام من كل شهر، وإن لم
يكن يقرأ جزءًا يوميًّا، فليقرأ صفحة، المهم أن تستمر الطاعة؛ لأن التوقف عنها هو
بداية التراجع، وفي الصحيح: قالت عائشة -رضي الله عنها- لما سُئِلت عن عمله -صلى
الله عليه وسلم- قالت: "كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً" (متفق عليه).
4-
الانشغال بأعمال الخير والإصلاح:
من
وسائل الثبات أن يكون الإنسان مشغولًا بعمل نافع، فكما كان في رمضان ينفق ويساعد
المحتاجين، ويتلو قدرًا من القرآن الكريم، ويواظب على الدعاء، ويسعى في تفطير
الصائمين وقضاء حوائج المحتاجين، فليجعل له بعد رمضان نصيبًا من ذلك، فالمؤمن
أينما وُجد كان مفتاحًا للخير، فلا ينبغي أن يكون الخير محصورًا في زمن دون آخر،
ولو ترك الإنسان نفسه للفراغ غُبن وفُتن، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) (رواه البخاري)، وقد كان هذا حال السلف وأهل العلم والصالحين.
5-
مدافعة الفتن وحراسة القلب:
القلب
سريع التغير والتقلب، والشيطان لن يتركك بعد رمضان، بل سيحاول جاهدًا أن يجرّك إلى
عاداتك القديمة، لذلك كن حارسًا على قلبك، لا تفتح له أبواب الفتور، ولا تكن طويل
الغفلة، واحرص على أن تُشغل نفسك بما ينفعك؛ حتى لا يشغلك الشيطان بما يضرك.
ومن
أهم ما يعين على الثبات: أن يكون العبد متنقلًا بين الطاعات، فلا يكثر طاعة واحدة
ويلازمها دون غيرها فيمل القلب، ولا يترك وقته فارغًا فيزل؛ فإذا وجد نفسه فاترًا
في القيام، انتقل إلى الذكر، وإن وجد قلبه بعيدًا عن القرآن، اتجه إلى الصيام، وإن
شعر بالفتور في صلاة الليل، انشغل بالدعوة، فيقطف من كل بستان زهرة ومن كل شجرة
ثمرة، فلا يمل مع المحافظة على الفروض إن فتر، وبذلك يكون قلبه راشدًا، يعمل عمل
الراشدين، موفقًا مهديًّا على السداد، وصامدًا أمام أمواج الفتن والشهوات.
اثبت..
فالطريق لم ينتهِ بعد:
رمضان
كان فرصة عظيمة، ولكن لا يكن حالك كمن زرع بذرًا، وسقاه، حتى بدأ ينبت، ثم تركه
دون رعاية، فجفّ ومات! لا تكن كمن بنى بيتًا، ثم هدمه بيده بعد أن كاد يكتمل!
قيل
للإمام أحمد: "متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: إذا وضع قدمه في الجنة".
وقال الشافعي:
"لا ينبغي للرجل ذي المروءة أن يجد طعم الراحة، فإنما هو في هذه الحياة
الدنيا في نَصَبٍ حتى يلقى الله".
وقال
-تعالى-: (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ
أَنكَاثًا) (النحل:92)، فالحذر من أن نقع في هذه الصفة المذمومة، وننقض ما غزلناه من
طاعات، ونهدم ما بنيناه في المواسم المباركة.
ومَن
استقام بعد رمضان حقيق بأن يفرح حينئذٍ الصائم عند لقاء ربه بحصوله على أجره،
وحفاظه على تعبه وسهره، كما فرح عند يوم فطره.
اللهم
يا مقلب القلوب، ثبِّت قلوبنا على دينك، واصرفها إلى طاعتك، وأعنا على ذكرك وشكرك
وحسن عبادتك.
موقع أنا السلفي