الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

قانا الثانية والفرعون الثاني

قانا الثانية والفرعون الثاني
صوت السلف
الخميس ٢٠ مايو ٢٠١٠ - ٢٣:٣٢ م
2178

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،

عداوة الكفار للمسلمين شئ متوقع منهم ذلك أنه إذا ذكر الله وحده اشمئزت قلوبهم، وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون، وظهور أثر هذا البغض وهذه الكراهية على اللسان أمر مستوعب ( قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ)(آل عمران: من الآية118) وقتالهم للمسلمين طلباً لردهم عن الحق، لكي يحموا باطلهم وسلطانهم أمر متكرر( وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا )(البقرة: من الآية217) وأما التعطش إلى سفك دماء النساء والأطفال بعيداً عن ساحة المعركة فهذه خصلة إبليسية لم يظفر الشيطان بها من كثير من الطواغيت وإن ظفر منهم بالكفر والصد عن سبيل الله.

ولا نعلم على وجه الأرض فئة تتلذذ بمناظر الدماء لاسيما إن كانت دماء نساء وأطفال كهؤلاء اليهود، ولقد شابهوا في ذلك الفرعون، يوم كان الفرعون يمثل قمة الكفر والكبر حينما قال "أنا ربكم الأعلى"، وكان بنوا اسرائيل يمثلون آنذاك الفئة المؤمنة- رغم ضعف هذا الإيمان ورغم كثرة ذنوبهم ومعاصيهم- وبلغت الجرأة بالفرعون على الدماء أن أمر بقتل أبناء بني اسرائيل لرؤيا رآها أن ملكه سيزول على يدي أحد غلمان بني اسرائيل، ولو تأمل لعلم أن هذه الرؤيا إن كانت حقاً لم ينفعه قتلهم، وإن كانت باطلاً ففيم القتل، ولكن لماذا التفكير وقرار سفك الدماء ولاسيما دماء المؤمنين أهون عليه من مجرد التفكير، بل ربما كان في سفك الدماء لذة خاصة لمن كان في مثل كبر وصلف فرعون.

والآن بعدما تغيرت الأمور وصار اليهود هم فراعين ذلك الزمان، ورثوا هذا الإستهتار، بل تلك اللذة الإبليسية الفرعونية في رؤية الدماء لاسيما دماء النساء والأطفال.

ومن هنا كانت "قانا الأولى" وكان فرعونها هو "بيريز" الذي كان يستكمل فترة ولايته خلفاً لسلفه "رابين" الذي قتل على يد بعض اليهود الأكثر تعطشاً للدماء والذين رأوا في اتفاقية أوسلو انحرافاً عن منهجهم في القتل وسفك الدماء، رغم أنه لم يرد بها إلا مزيد من الهيمنة لليهود على مقدرات جيرانهم، قتل رابين، وكان على بيريز أن يثبت أن بوسعه أن يسير في الإتجاهين معاً، اتفاقيات سلام "ورقية" تدشن لسيطرة إقتصادية وإعلامية على المنطقة، وعدوان عسكري غاشم، لاسيما على المدنيين حيث تكون الدماء أنهاراً بلا أي مقاومة تجرح كرامة الفراعنة اليهود.

ودارت الأيام ليصبح بيريز في منصب هامان لا في منصب الفرعون أو قل صار هو "الفرعون الثاني" خلف فرعون أول يقل عنه سناً وخبرة لاسيما بأعمال القتل.

وجاءت الحرب اللبنانية لتكون فرصة لهذا الفرعون الثاني أن يعلن عن نفسه أنه هو الفرعون الحقيقي، فاختار " قانا" ليضربها، لماذا قانا؟

ادعت اسرائيل أنها ضربت قانا لأن حزب الله أطلق صواريخه منها، ورغم أن حزب الله لم يضع المسلمين العزل في حساباته من أول الحرب إلى آخرها فلا يستبعد عليه ذلك، إلا أن الأقرب أن بيريز أراد أن يضرب قانا ليعلن عن نفسه أنه ما زال الفرعون الأول عملياً ولتحيي "قانا الثانية" ذكرى "قانا الأولى"، ولا يهم عند أمثال بيريز دماء الأبرياء، بل إن هذه هي مؤهلات القيادة في بني صهيون.

وإذا كان الله قد من على بني اسرائيل بميلاد موسى- عليه السلام- لكي ينجيهم الله على يديه من بطش الفرعون، ولم يذكر سبباً لذلك إلا بغي الفراعنة، وضعف بني اسرائيل، كما قال تعالى (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ • وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص:5-6).

ولقد قدر الله عز وجل تلك الأحداث العجيبة في ميلاد موسى وتربيته في قصر الفرعون وأرشد المؤمنين إلى أن كل ذلك والفراعنة "لا يشعرون" لا يشعرون بما قدره الله لهم، إذلالاً ومكراً واستهزاءً بالذي قال "أنا ربكم الأعلى" حتى كان مصيره الغرق، وأنجاه الله ببدنه ليكون لمن خلفه آية، فبعد أن أغرقه جعل جسده يطفو يراه بنو اسرائيل الذين كانوا لفرط خوفهم منه يستبعدون هلاكه، فنجاه الله ببدنه أمامهم.

ومن عجيب الأمر أن شارون أحد الفراعنة اليهود صاحب قرار مذابح صابرا وشاتيلا تلك المذابح التي كانت لنساء وأطفال لاجئون في مخيمات اجتمع عليهم الجيش الإسرائيلي مع الكتائب الصليبية في الجيش اللبناني مع حركة أمل- وكل منهم له تاريخ طويل في التعطش للدماء- ها هو يرقد الآن شبه ميت لا يرحمه قومه ويوارونه التراب، بل تركوه اختياراً ليكون لمن خلفه آية، لمجرد أن بعض أجهزة جسمه لا يزال يعمل تحت تأثير الأجهزة الصناعية، وعلى الرغم من الجميع يعلم أن عودته إلى الحياة مستحيلة، ولكن ما زال الله يستعملهم "وهم لا يشعرون" في ضرب الآيات للناس.

ولذلك فإن هذه المذابح وإن كانت تورث المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها مزيداً من الألم فإنها أيضاً تورثهم مزيداً من الأمل بهلاك هؤلاء الطواغيت بأيدي المؤمنين أو بجنود من الله.

ولا نملك إلا أن نكرر دعاء سيد الأنصار سعد بن معاذ حيث قال: "اللهم لا تمتني حتى تشفي صدري في بني قريظة" لما غدروا برسول الله- صلى الله عليه وسلم-، فاللهم لا تمتنا حتى تشفي صدورنا في بني صهيون.

www.salafvoice.com
موقع صوت السلف