الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

مذابح البقاع وقانا وأخواتها والمصير الرهيب

مذابح البقاع وقانا وأخواتها والمصير الرهيب
ياسر برهامي
الخميس ٢٠ مايو ٢٠١٠ - ٢٣:٣٢ م
1932

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

حين يتدبر المرء في آيات القرآن عن عذاب النار والشقاء الرهيب الذي يحيط بأهله من كل جانب -حسي ومعنوي-، حسرة وألم، حزن وغم، عذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم فراشهم نار وغطاؤهم نار (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ) (الأعراف:41)، شرابهم نار وغذاؤهم نار (وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) (محمد:15)، (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ. طَعَامُ الأَثِيمِ. كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ. كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) (الدخان:43-46).

زفيرهم عذاب وشهيقهم عذاب (لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) (هود:106)، حتى النفس يعذبون به، سبحان الله، كل هذا الشقاء على ماذا؟ على سنوات معدودة في الدنيا المليئة بالنغص والآلام والخوف والقلق والعداوة والبغضاء؟ في مقابل أي نعيم محرم حصلوا على هذا الشقاء؟

حين يتدبر الإنسان كل هذا يعجب من الموازين المختلة التي جعلتهم يفضلون حطام الدنيا على فوت نعيم الآخرة فضلاً عن تحمل مثل هذا الشقاء، وقد يوسوس الشيطان للبعض فيقول: أليس من العدل أن يكون عذابهم على قدر أعمالهم في أعمارهم القصيرة؟ ثم يأتي نور الإيمان ليبرر هذه الوساوس والشبهات، قال -تعالى-: (لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ فواش وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ) (الأعراف:41)، فلم يجزهم -عز وجل- إلا على ظلمهم وهو ظلم رهيب أولاً بالشرك بالله ثم بظلم عباد الله المؤمنين وبالكبر والجبروت والطغيان.

ثم يأتي النظر إلى الواقع الأليم ليحقق الحقائق من عدل الله وحكمته فانظر إلى الآلام الهائلة التي يسببها المجرمون بظلمهم وفظائعهم في أهل الإسلام وهم لا يشعرون بشيء منها، تخيل هذا الطيار الذي ألقى القذائف المدمرة، والمساعدين الذين وضعوا هذه القذائف في طائرته والذين صنعوها وشحنوها ووصلوها ثم الذي اتخذ القرار بقتل الأطفال والنساء وهو لا يعبأ بشيء، بل يضحك ويمرح، ويبرر ويرضى الملايين من الكفار بذلك ويبررون كم سببوا من آلام لملايين المسلمين

"
تخيل هذا الطيار الذي ألقى القذائف المدمرة، والمساعدين الذين وضعوا هذه القذائف في طائرته والذين صنعوها وشحنوها ووصلوها ثم الذي اتخذ القرار بقتل الأطفال والنساء وهو لا يعبأ بشيء، بل يضحك ويمرح، هل يشعرون بكم الآلام الهائلة التي سببوها
"
.

أتخيل نفسي كواحد من هؤلاء المصابين في لحظات الرعب السابقة على ضرب بنايتهم ثم لحظة الانهيار فوق رؤوسهم ثم لحظات الجراح والآلام، ثم خروج الروح، ثم آلام الأمهات والآباء والأخوة والأخوات والأقارب والجيران، والمسلمين في كل مكان بل آلام كل من نظر إلى الصور من البشر الذين بقيت لهم صلة بالبشرية -أو حتى بالحيوانيةـ، والله إنها لآلام لا تتصور سببها هؤلاء المجرمون فهل لو عذبوا بقية عمرهم كما يعذب شارون في احتضاره الطويل العجيب أيكفي ذلك شفاء لما في الصدور؟؟

والله لا يكفي، كيف وقد أغضبوا رب العالمين لأنهم يقتلون أهل الإسلام لأجل كلمة التوحيد: "لا إله إلا الله"؟؟ (وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (البروج: 8)، فحين يتدبر الإنسان ما أعد الله للكافرين في برزخهم، وفي القيامة من أنواع العذاب يعرف حكمة الله وعدله.

إذا كانت مذابح الأندلس لا تزال تثير أحزاننا وغضبنا -رغم تباعد الزمان- وتسبب لنا الألم، فكيف بكل هذه الأجيال المتتابعة المتألمة -فكيف لا يجازى المجرم بعذاب النار الأبدي السرمدي، فاللهم لك الحمد على عدلك، ولك الحمد على حكمتك، ولك الحمد على عظمتك، ولك الحمد على ملكك وقدرتك، ولك الحمد على حلمك، والله لو كان الأمر لنا لقضي الأمر بيننا وبينهم (قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) (الأنعام:58)، فإذا كان هذا في حق أحلم الخلق وأعلمهم -صلى الله عليه وسلم- فكيف بنا؟!

نقول لكل مؤمن في صدره ما لا يعلمه إلا الله من الآلام ليس ما يقع في هذه الدنيا نهاية المطاف، إنما هي لحظات تنقضي بحلوها ومرها ثم يأتي الحساب بعد ذلك، فلابد أن يعتدل الميزان ولابد أن تؤدى الحقوق إلى أهلها ولابد أن يجبر الكسير ويخيب كل جبار عنيد، "اللهم إنا مغلوبون فانتصر".

www.salafvoice.com