الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

قضية الجاسوس... ومن أين نؤتى؟؟

قضية الجاسوس... ومن أين نؤتى؟؟
عبد المنعم الشحات
الجمعة ٢١ مايو ٢٠١٠ - ٠٩:٥٩ ص
2155

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

تشغل قضية الشاب المصري المتهم بالتجسس لصالح إسرائيل حيزاً كبيراً من اهتمام وسائل الإعلام في الفترة الحالية، وبغض النظر عن ثبوت هذه التهم في حق هذا الشخص بعينه أم لا، وهو الأمر الذي مازال منظوراً أمام القضاء، إلا أن القصة المنسوبة لهذا الشخص لا تختلف كثيراً عن قصص الجاسوسية المتكررة، والتي يعبر عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- أصدق تعبير حينما قال: (هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، قلوبهم قلوب شياطين في جثمان إنس)، ولا شك أن هذا الوصف ينطبق على الكثيرين، ويأتي على رأسهم هؤلاء الجواسيس.

وتلحظ في كل عمليات تجنيد الجواسيس تقريباً التركيز على طمس الانتماء العقدي لدى الشخص المستهدف، وعلى الرغم من أن هناك أصوات في بلاد المسلمين تنادي بالعلمانية، وتحاول فصل الدين عن الدولة، بل عن الحياة، وترى الحل في الدولة "القومية" لا في الدولة "الدينية"، إلا أن الأعداء يدركون أن الانتماء القومي لا يمثل عائقاً حقيقياً أمام اصطياد الفريسة، لاسيما وأن دعاوى تراب الوطن الغالي، وشمسه المشرقة، ونيله الصافي لم تعد تذكر في محافل الجيل الحالي من الشباب الذي تربى على فضائيات اللامعقول، والتي أصبح الناس معها يتحسرون على "مدرسة المشاغبين" إلا على سبيل التندر والفكاهة التي سرعان ما نتقلب إلى حنق وسخط مع كل اصطدام لأحلام الشباب بصخرات الواقع المرير.

وعلى ذلك فأول خطوة يقومون بها في سبيل تجنيد شخص ما هو محاولة تغيير انتمائه الديني بالكلية، هذا إن لم يكن هو كذلك بطبيعة الحال، ويكون ذلك مصحوباً أيضاً بتدمير شخصيته السابقة تماماً، فمن المعلوم أن المسلم الغير ملتزم، بل من نشأ في بلاد المسلمين وإن لم يكن مسلماً لابد وأن يتأثر بدرجة ما بالعفة والفضيلة والأخلاق التي يدعوا إليها الإسلام، ولذلك فإن الشيء المكمل لتدمير الشخصية المستهدفة بعد تدمير العقيدة هو تدمير الأخلاق، أو بالأحرى الحرص على عدم وجود أي مساحة أخلاقية مشتركة بين الشخص المستهدف وبين أخلاق أمته، ولذلك تجدهم يدفعون ضحاياهم إلى الشذوذ الجنسي وإلى المخدرات والتي لها وظيفة أخرى بالإضافة لما ذكرنا وهي استخدامها كأداة ضغط متاحة دائماً على الفريسة.

وهناك صور أخرى مشابهة لا تقل خيانة عن الجاسوسية بل قد تزيد، منها صورة أحد قادة الجيش اللبناني الذي التقطت له الصور وهو يتناول "الشاي" ويتبادل الضحكات مع وحدة إسرائيلية بعد قيامها بإحدى عملياتها في إحدى قرى لبنان في الحرب اللبنانية الأخيرة. ومهما يكن من اختلاف شكلي في الصورتين يبقى الجوهر واحداً.

ومن هذه الصور الحروب العربية مع إسرائيل قبل حرب العاشر من رمضان، وقد كانت كلها في ظل تفوق كيفي وكمي للجيوش العربية، ولكنها كانت حروب قومية مع إهمال الروح الدينية أو قل مع محاربتها، بينما كان لراية "الله أكبر" التي رفعت لبعض ساعات في حرب العاشر من رمضان الأثر البالغ رغم أن التفوق الكيفي للجيش الإسرائيلي وكان قد بلغ مبلغاً كبيراً، ويكفي أنهم كانوا في موقف دفاع من خلف جدر، ومن أمامها حاجز مائي، ولو استمرت هذه الراية مرفوعة في كل زمان وعلى كل ميدان لوجدت الأمة أثر ذلك جلياً ملموساً ولا شك.

الحاصل أن مشروع الدول القومية في بلاد المسلمين والذي مضى على السير في طريقه أكثر من قرن من الزمان قبل سقوط الدولة العثمانية بسنوات مشروع حقق الكثير والكثير من الإخفاقات، ولم يحقق نجاحاً يذكر عسكرياً كان أو تنموياً إلا في الحالات التي استعار فيها الراية الإسلامية ولو ظاهرياً، كما أن المعضلة الأكبر التي تواجه الدولة القومية أن "الأمن القومي" لا يتحقق إلا بنشر الإسلام، وإقامة حواجز نفسية عند أبناء "الوطن" ضد الذوبان في الأمم الأخرى، وهو الذي  لا يتحقق إلا بنشر مفهوم "الولاء والبراء" في "الإسلام" فإذا قامت الدولة القومية بحماية أمنها "القومي" باستخدام سلاح الإسلام اتهمت بأنها أصبحت دولة دينية، وإذا استخدمت غيره فشلت في حماية أمنها القومي.

وإذا كانت أمريكا الآن هي أم الدنيا، فلنأخذ منها العبرة، فالساسة الأمريكيون لا يستنكفون عن استدعاء أي معنى ديني لحماية أمنهم القومي، ولو كان في استخدام مصطلح الحروب الصليبية التي يشنونها بجيش يضم في صفوفه -وللأسف الشديد- عدداً لا بأس به من المنتسبين إلى الإسلام.

فالدولة القومية الخالصة قد يرضى عنها الخلق، ولكن يسخط عليها الخالق، ثم هي بعد على شفا جرف هار؛ لعجزها عن حماية أمنها القومي أمام أعداء يملكون الكثير من المغريات لاصطياد العملاء، والدولة القومية التي تهتم بنشر الدين وإن كانت أفضل من سابقتها إلا أنها مازالت عرضة لسخط الله؛ لاستبدالها ميثاق الإسلام بميثاق الوطنية، وفي ذات الوقت سيسخط عليها الأعداء لأنها من وجهة نظرهم مازالت دولة دينية مما يجعلها هدفاً مستمراً لحروبهم المعلنة والخفية مع عدم متانة الجبهة الداخلية عندها للازدواجية بين الخطاب القومي والخطاب الديني، مما يسهل عملية اختراق الصف الداخلي، واصطياد العملاء.

وأما الدولة الإسلامية التي تطبق الإسلام وتنشر مبادئ الإسلام، وتربي أبناءها على الإسلام فهي التي تنال بإذن الله رضى الرحمن، وهي التي يكتب لها البقاء والاستمرار بإذن الله، طالما حافظت على السنن والشرعية، ولم تقفز فوق السنن الكونية كما يأمرها الإسلام.
www.salafvoice.com