الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

نعمة الهداية

فيا ترى ما هذه القضية ذات الشأن العظيم التي يقسم الله -عز وجل- من أجلها كل هذه الأقسام المتتالية؟!....فلا شك أنها قضية خطيرة.. بل إن شئت قل: هي أخطر وأهم قضية في حياة كل إنسان

نعمة الهداية
نبيل خميس
الخميس ٢٨ أبريل ٢٠١١ - ٠١:١٠ ص
3702

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلقد أقسم الله -عز وجل- بعدة أقسام متتابعة متتالية في أوائل سورة الشمس، والله -عز وجل- له أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، أما المخلوق فلا يقسم إلا بالله، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَ حَالِفًا؛ فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ، أَوْ لِيَصْمُتْ(متفق عليه)، وقال (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللهِ؛ فَقَدْ أَشْرَكَ(رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني).

والله -عز وجل- إذا أقسم بشيء فإن ذلك ليبين لنا أهميته، وأهمية ما يقسم عليه، يقول الله -عز وجل- في سورة الشمس: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا . وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا . وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا . وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا . وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا . وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا . وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا.. (الشمس:1-8).

فيا ترى ما هذه القضية ذات الشأن العظيم التي يقسم الله -عز وجل- من أجلها كل هذه الأقسام المتتالية؟!

فلا شك أنها قضية خطيرة.. بل إن شئت قل: هي أخطر وأهم قضية في حياة كل إنسان.

يقول الله -عز وجل- مبينًا لنا ما أقسم من أجله: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(الشمس:9-10)، نعم والله.. قد أفلح من زكى نفسه بطاعة الله، فطهرها من الأخلاق الرديئة، ومن الرذائل القبيحة، وسار في طريق الهداية، ونأى بنفسه عن طريق الضلالة والغواية. وقد خاب وخسر من أخمل نفسه بخزيانه إياها عن طريق الهداية، وسلك وسار بها في طريق الانحراف والضلالة والغواية.

فـ(مَنْ زَكَّاهَا) هذه هي الهداية، و(مَنْ دَسَّاهَا) هذا هو الانحراف والانتكاس عن طريق الهداية.

ولقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو سيد الأولين والآخرين وخاتم الأنبياء والمرسلين يسأل ربه الهداية، كما جاء في الدعاء الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه: (اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاهَا.. ).

وهذه الهداية التي كان يسألها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في دعائه هي هداية التوفيق التي يوفق الله -عز وجل- إليها مَن شاء من عباده: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ(القصص:56).

ونعمة الهداية هي أعظم نعم الله على العبد؛ أن يحبب الله إلى العبد الإيمان ويكرِّه إليه الكفر والفسوق والعصيان، وهذه الهداية لا يملكها إلا الله، وهي المقصودة في قول الله -عز وجل-: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا(العنكبوت:69)، وهي المعنية في قول الله -عز وجل-: (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(يونس:25)، والهداية هي منة مِن الله على عباده: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ(الحجرات:17)، ويقول -تعالى-: (كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ(النساء:94)، يعني: كذلك كنتم من قبل تسيرون في طريق الانحراف والغواية، فمَنَّ الله عليكم، وقذف في قلوبكم نور الهداية.

ولقد استشعر الصحابة -رضي الله عنهم- هذا المعنى، وهو أن الهداية منة مِن الله ونعمة، روى الإمام البخاري في صحيحه عن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر، فسرنا ليلاً، فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع: ألا تسمعنا من هنيهاتك، وكان عامر رجلاً شاعرًا "فأرادوا أن يسمعهم من شعره"، فنزل يحدو بالقوم ويقول:

اللهم لولا أنت ما اهتدينا                  ولا تصدقنا ولا صلينا

فاغفر فداء لك ما اقـتفينا                 وثبت الأقدام إن لاقينا

فلما سمعه النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَنْ هَذَا؟). قالوا: عامر. فقال: (يَرْحَمُهُ اللَّهُ(متفق عليه).

أسباب الوصول إلى الهداية:

ولا شك ـ أيها الأخوة الأحباب ـ أن الهداية إلى طريق الصلاح والاستقامة لها أسباب كثيرة، من هذه الأسباب:

العلم: العلم بالله، والعلم بأسمائه وصفاته؛ فمن أراد الهداية لابد أن يكون عالمًا بالله وبأسمائه وصفاته، يقول الله -عز وجل-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ(محمد:19)، فقدم الله -عز وجل- العلم قبل العمل، والمتمثل هنا في الاستغفار. والاستغفار والتوبة هي مِن أولى الخطوات التي يخطوها العبد على طريق الهداية.

التوبة: فمن أراد أن يمن الله عليه بنعمة الهداية لابد له أولاً أن يتوب إلى الله -عز وجل-، يقول -تبارك وتعالى-: (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ(الرعد:27)، فإذا أناب العبد إلى الله، وتاب إلى الله؛ هداه الله -عز وجل-.

الإيمان: وهو من أعظم أسباب الهداية، والإيمان هو: الاعتقاد والتصديق بالجنان، والنطق باللسان، والعمل بالأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان؛ يقول الله -عز وجل-: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ(التغابن:11)، ويقول -سبحانه-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ(يونس:9).

الدعاء: وهو من أمضى الأسلحة وأقواها في وصول العبد إلى ما يريد من الهداية، فالدعاء هو العبادة يقول الله -عز وجل-: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر:60)، ونحن نقول في صلاتنا في كل يوم: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، يعني: دلنا على الصراط المستقيم، ووفقنا لسلوكه.

فيا مَنْ تريد الهداية.. احرص على الدعاء خاصة في أوقات إجابة الدعاء: كالثلث الأخير من الليل، وعند السجود، وآخر ساعة في يوم الجمعة، وعند نزول المطر، وغيرها من الأوقات الشريفة والفاضلة.. تذلل بين يدي مولاك في الدعاء، وادع الله وأنت موقن بالإجابة.

المجاهدة: والمجاهدة على نوعين: أن تجاهد نفسك الأمارة بالسوء على السير في طريق طاعة الله، وأن تجاهد شيطانك الذي يوسوس لك السير في طريق معصية الله

 ولقد وعد الله -عز وجل- الذي يجاهد نفسه ويجاهد شيطانه بالهداية، فقال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا).

قصة هداية الفضيل بن عياض -رحمه الله-:

ولا شك أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء، فالله -عز وجل- إذا أراد هداية عبد من عباده؛ قذف نور الهداية في قلبه، ولو كان أفجر الناس وأفسقهم.

ولنا في قصص السابقين من هذه الأمة العبرة والعظة، والأسوة الحسنة؛ نستضيء بها في طريقنا إلى الله -عز وجل-، فهذه قصة هداية "الفضيل بن عياض"، وهو الملقب: بـ"عابد الحرمين".

وتوبته مشهورة معروفة.. نقلها الإمام الذهبي -رحمه الله- فقال: "كان الفضيل بن عياض شاطرًا، والشاطر هو اللص الذي يقطع الطريق على الناس وينهب ما معهم من أموال -"فهذه الكلمة التي نقولها لأولادنا إذا فعلوا شيئًا حسنًا أو جيدًا.. ذلك هو معناها"-، وكان سبب توبته أنه عشق جارية فبينما هو يرتقي الجدران إليها بالليل؛ ليقع بها في الفاحشة؛ إذ سمع تاليا يتلو قول الله -عز وجل-: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ(الحديد:16)، فقال الفضيل: بلى يا رب، قد آن.

وكان الذي يقرأ القرآن هو جاره قام بالليل، ليصلي، والفضيل كان يتسور إلى المرأة الجدار؛ ليفعل بها الفاحشة، فلما سمع الآية؛ وقعت في قلبه، ودخل نور الهداية إلى قلبه. فرجع ولم يفعل ما أراد مع المرأة، فأواه الليل إلى خيمة، فإذا بها أناس مسافرون، وكانوا يتشاورون فيما بينهم في الرحيل، فقال بعضهم: نرحل، وقال البعض: لا حتى نصبح، لا نرحل الليلة فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا الطريق.

فسمعهم الفضيل، يقول: ففكرت.. وقلت: أنا أسعى بالليل بالمعاصي وقوم من المسلمين هاهنا يخافونني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، ثم قال: "اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام".

فصار ذلك الشاطر اللص السارق -بفضل من الله ومنة- من أعلام سلف هذه الأمة، وصارت له أقوال تنير وتضيء الطريق للسائرين والمهتدين.

من هذه الكلمات الذهبية للفضيل بن عياض: "الزم طريق الهدى، ولايضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين".

فلا شك أنه كما توجد أسباب يهدي بها الله -عز وجل- من شاء مِن عباده إلى طريق الهداية، فكذلك توجد عوائق تمنع المحرومين من الهداية، فكان لابد لنا أن نتعرف عليها؛ لنبصر طريق الهداية واضحًا جليًا؛ فنزيل هذه العوائق التي تمنعنا من سلوك طريق الهداية.

ومن هذه العوائق:

الاحتجاج بالمشيئة: وهو دأب كثير منا ممن يقعون في معصية الله ولا يسلكون طريق طاعة الله، فيقولون: إن هذه هي مشيئة الله وإرادة الله، ولو شاء الله أن يهدينا لهدانا، وكأن لسان حالهم يقول: لو كان ما نفعله ليس بصواب؛ لعصمنا الله من الوقوع فيه! وإلى أمثال هؤلاء.. نقول لهم: إن الكفار قد سبقوكم في الاحتجاج بمشيئة الله على ما هم عليه من الشرك والكفر، فقال الله عنهم في سورة الزخرف: (وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ(الزخرف:20).

وقال -عز وجل- في سورة الأنعام: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ(الأنعام:148). فهل قبل الله -عز وجل- منهم ذلك الاحتجاج وعذرهم به؟!

كلا والله.. بل حكم الله عليهم بالكذب فقال: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)، فاحذر أن تقع في ذلك الفخ الإبليسي؛ فإنه يحول بينك وبين سلوك طريق الهداية.

القنوط من رحمة الله:

فالبعض من كثرة ذنوبه ومعاصيه التي عكف عليها آناء الليل وأطراف النهار يظن أن الله -عز وجل- لا يمكن أن يغفر له، وأنه مهما فعل من الطاعات فإن ذلك لن ينفعه بشيء، ولن يمحو عنه ما وقع منه من الذنوب والمعاصي والمنكرات، ولاشك أن هذا من أبطل الباطل، بل هو سوء ظن بالله، وهو شك في قدرة الله -عز وجل-، فإن الله يقول في سورة الزمر: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ.. ) (الزمر:53)، يعني: أسرفوا على أنفسهم بالذنوب والمعاصي والمنكرات (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، حتى الكافر والمشرك إذا أسلم ونطق شهادة التوحيد؛ قَبِل الله منه توبته، وغفر الله له جميع ما وقع منه من الذنوب والمعاصي، وقال -عز وجل- في الحديث القدسي: (يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِى وَرَجَوْتَنِى؛ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى، يَا ابْنَ آدَمَ، لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِى؛ غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى، يَا ابْنَ آدَمَ؛ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِى بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِى لاَ تُشْرِكُ بِى شَيْئًا؛ لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً(رواه الترمذي، وصححه الألباني).

تسويف التوبة:

وهي من أعظم العوائق التي تمنع من الهداية؛ خاصة في فئة الشباب، فكثير من الشباب يقع في المعصية بحجة أنه الآن صغير السن، وكما يقولون بلغة العصر يريد أن يعيش حياته، وأن العمر مازال أمامه طويلاً، وأنه لما يكبر ويتقدم به السن سوف يتوب إلى الله! فإلى هؤلاء نقول: وما أدراك ـ أخي الكريم ـ أنك سوف تعيش إلى أن تتمكن من التوبة، فإن الموت يأتي بغتة، وكم ممن نعرفهم من الشباب ماتوا وهم في عز شبابهم.

فيا أخي الحبيب.. كم أودعت في القبر بيديك من قريب.. بل كم ودعت وشيعت من أخ وحبيب.. فالموت يأتي بغتة، وقد تموت قبل أن تتوب، ثم تقول بعد أن تموت: (يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ(الزمر:56)، وقد يقال لك عند موتك: (كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(المؤمنون:100)، فبادر وسارع ـ أخي الكريم ـ بالتوبة إلى الله -عز وجل-.

اعتقاد أن النية الطيبة وحدها تكفي:

فيعتقد البعض أنه طالما أن القلب طيب وسليم -أو كما يقول البعض: أنا قلبي أبيض- وأنه طالما أن الإنسان لا يؤذي أحدًا، ولا يتضرر منه أحد؛ فإن ذلك يكفي عند الله، ولا داعي للعمل.. فقد يموت الرجل وهو لا يصلي ولم يركع لله ركعة، ويقول الناس: ما شاء الله فلان هذا كان رجلاً طيبًا، لم ينزعج منه أحد، ولم يضر أحدًا!

فنقول: إن هذا الزعم فاسد؛ لأن الله -عز وجل- قال لأهل الجنة: (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(النحل:32)، فالأعمال سبب لدخول الجنة، ويقول -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ(البروج:11)، فإذا لم نعمل الصالحات؛ فبأي شيء سوف ننجو يوم القيامة.

حب التحرر وعدم التقيد:

فيعتقد البعض أن الهداية والالتزام بالشرع فيه كثير من التقييدات وكبت للحريات، فتقول الفتاة: أريد أن ألبس ما أشاء، ولا أتقيد بالحجاب! أريد أن أكون على الموضة؛ فتكشف ما تشاء من جسدها، وتلبس الضيق من الثياب، وتضع الزينة على وجهها!

ويقول الشاب: إن الهداية تقيدني وتكبلني، فأنا أريد أن أسمع الأغاني، وأصادق الفتيات، وأنظر إلى النساء، وأشرب الدخان، فالهداية بالنسبة لهؤلاء ثقيلة على أنفسهم، فإلى أمثال هؤلاء نقول: اعلم أنك أن تكون عبدًا لله خير لك من أن تكون عبدًا لشهواتك؛ فإن الجنة حفت بالمكاره، وحفت النار بالشهوات، ولا شك أن هذه المحرمات التي حرمها علينا الله -عز وجل- هي من القيود، لكن من قيد نفسه بشرع الله في الدنيا؛ أخذ حريته يوم القيامة، ومن كان عبدًا لشهواته في الدنيا؛ فهو من أهل النار يوم القيامة.

اعتقاد أن الحق مع الأغلبية والأكثرية:

كثيرون هم الذين يستدلون على ما هم عليه من الباطل بأن كل الناس يفعلونه، ويقولون: إنه من المحال أن تكون كل هذه الأعداد من الناس على خطأ أو على ضلال؛ فيبررون لأنفسهم الوقوع في الحرام بحجة أن أغلب الناس يفعلونه! ولا شك أن هذا من الجهل العظيم والضلال المبين؛ إذ أن الأكثرية لا تدل على سلامة المنهج أو على اتباع الحق؛ يقول الله -عز وجل-: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ(الأنعام:116)، ويقول -تعالى-: (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ(يوسف:103)، ويقول -عز وجل-: (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ(هود:40)، فهذه سنة الله في هذه الحياة أن أهل الباطل هم الكثرة، وأهل الحق والإيمان هم القلة.

الاعتماد والاتكال على سعة رحمة الله:

فإذا ناصحت أحدًا أو نهيته عن منكر أو معصية؛ قال لك: "إن الله غفور رحيم"، فلا شك أن هذا من الجهل بالله -عز وجل-، ومِن الجهل بأسمائه وصفاته؛ لأن رحمت الله قريب من المحسنين لا مِن المسيئين والمفرطين، ولقد قرن الله -عز وجل- بين مغفرته وأليم عقابه، فقال: (نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ(الحجر:49-50)، وقال -عز وجل-: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(المائدة:98)، وقال -سبحانه-: (إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(الأنعام:165)، فلماذا نتذكر ـ دائمًا ـ أن الله غفور رحيم، وننسى أنه شديد العقاب، وأن عذابه هو العذاب الأليم، فلا شك أن من خاف من عذاب الله وعقابه؛ كان ذلك حافزًا له على سلوك طريق الهداية.

اللهم اهدنا واهد بنا، اللهم اجعلنا هداة مهتدين، اللهم اجعلنا سببًا لمن اهتدى. وصلِّ اللهم على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

www.anasalafy.com
موقع أنا السلفى

تصنيفات المادة