الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

كلمة إلى مرشَّحِي "حزب النور" الفائزين في الانتخابات

لا بد من توجيه كلمة إلى نوابنا الذي فازوا بمقاعد مجلس الشعب، نقدِّم لهم بها النصح ما استطعنا؛ رغبة في أن يقدموا في دورات المجلس القادم، وفي العمل السياسي ما يُنتظر منهم ويُرجى فيهم

كلمة إلى مرشَّحِي "حزب النور" الفائزين في الانتخابات
علاء بكر
الاثنين ١٩ ديسمبر ٢٠١١ - ١٦:٣٨ م
3539

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد أسفرت نتائج المرحلة الأولى والثانية من انتخابات مجلس الشعب عن حصول "حزب النور" على عدد كبير من مقاعد المجلس، وما زلنا في انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات في المرحلة الثالثة من نتائج.

ولا شك أن وجود هذا العدد من مرشَّحي "حزب النور" في مجلس الشعب يعكس مدى ثقة الجماهير في "الدعوة السلفية" وحزبها مع أنها أول مشاركة للحزب في الانتخابات العامة، ورغم كل الحملات الدعائية السافرة ضد السلفيين عامة "والدعوة السلفية" خاصة، والتي سبقت وصاحبت وتبعت الجولة الأولى من الانتخابات من الإعلام المغرض: المرئي، والمسموع، والمكتوب ممن لم يعد يخفى على أحد حقيقتهم ونواياهم، وإن أثرت في الكثير من عوام الناس وبسطائهم، ولكن هذا قدرنا (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف:21).

وبعيدًا عن الاستعدادات للمرحلتين القادمتين من الانتخابات؛ فلا بد من توجيه كلمة إلى نوابنا الذي فازوا بمقاعد مجلس الشعب، نقدِّم لهم بها النصح ما استطعنا؛ رغبة في أن يقدموا في دورات المجلس القادم، وفي العمل السياسي ما يُنتظر منهم ويُرجى فيهم.

ومن المؤكد أن المجلس القادم سيضم اتجاهات عديدة متباينة، منها: ما يحمل العداء السافر للتيار الإسلامي. ومنها: ما يحمل فكرًا تبناه من الفكر الغربي وتربى عليه، ويراه منهجًا للإصلاح على ما فيه. ومنها: من له أهداف ومصالح وأطماع يسعى لتنفيذها، لا يراعي فيها مصلحة الأمة والوطن.

ومعلوم أن المجلس القادم يتحمل مسئولية وضع الدستور القادم للبلاد، وإعادة بناء الدولة والخروج بها مما هي فيه من أوضاع متردية، وهذا سيتطلب الكثير من الجهد والعمل الدءوب والمثابرة، خاصة في توضيح المنهج الإسلامي المستمد من الكتاب والسنة في بناء الدولة في الإسلام، والتعرف على القدر المتاح والممكن في ضوء ظروفنا الحالية وواقعنا الحاضر، مع الأخذ في الاعتبار السبل الممهدة لتحقيق ما لا يمكننا حاليًا تحقيقه، وليس هذا من باب التدرج في التطبيق بقدر ما هو إتيان ما في الوسع والطاقة، وكلما أمكن تطبيق أمر؛ أدخلناه في حيز التطبيق حتى يأذن الله -تعالى- بكمال تطبيق شرعه.

إلى جانب ما يلزم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإرشاد والنصح والتوجيه، وبيان ما يحتاج إلى بيان من أحكام الشرع، والدلالة عليها، وإظهار مقاصد الشرع ومحاسنه في كل ما أمر به أو نهى عنه، والرد على شبهات المخالفين، والتصدي لألاعيب وافتراءات أهل الأهواء الذين ستظهر نواياهم من خلال ما يعرضونه من أفكار وآراء يريدون بها فتح أبواب الفساد والإفساد على الأمة.

وهذا كله متوقع ووارد، ويحتاج إلى التعامل معه بالحكمة والموعظة الحسنة بعيدًا عن الشدة والعنف، وفق ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الشرع، فيكون لكل مخاطب منا يناسبه أخذًا بالأسباب، والهداية والتوفيق من عند الله -تعالى-، قال الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- ومعلمًا للأمة في شخص النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) (آل عمران:159)، وقال -تعالى-: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) (القصص:56).

ولا يخفى أن الفترة الباقية لبداية أعمال المجلس، والدخول في مناقشة دستور البلاد وسن القوانين الجديدة، ومراجعة التركة الموروثة من القوانين السيئة التي وضعها النظام السابق، والأخذ بما يصحح من أوضاع الأمة ويخرجها من أزمتها الحالية تعد فترة قصيرة للغاية، وتستدعي من كل نائب تم اختياره من "حزب النور" أن يسارع بإعداد نفسه لذلك، كما تتطلب من الحزب التعجيل بتهيئة نوابه المختارين لهذه المهمة الخطيرة تهيئة مناسبة للأجواء القادمة، خاصة وأن الجماهير العريضة تتطلع إلى رؤية أداء نواب الحزب، وأن أعداء الدعوة على اختلاف مشاربهم يتربصون بهم، فهي مرحلة دقيقة وحرجة في حسابات الأمة والدعوة، لا نقول: لا تحتمل الخطأ، فالخطأ من البشر وارد، ولكن ينبغي تفادي الأخطاء والإقلال منها بقدر الاستطاعة، وسرعة معالجة ما يقع منها إن وقع، وفي الوقت المناسب بدون تأخير.

وهذا يحتاج إلى بصيرة وعلم، وتدبر وحكمة، وهمة وعزيمة، وأخذ بالأسباب، وتجرد للحق، وتحمل للمسئولية، وقبل ذلك وبعده إخلاص لله -تعالى-؛ ليوفقنا إلى الاجتهاد الصائب الذي يضع الحق في نصابه، وهذا يعني أن الواجبات أكثر من الأوقات، وأنه لا وقت للدعة والراحة، ولا مجال للتردد أو الإحجام، ولا ينبغي ادخار أي جهد؛ ليكون الإعداد على الدرجة المأمولة في حدود الطاعات والإمكانيات -والله المستعان-.

ونضيف -إلى ما سبق- ناصحين لإخواننا النواب أن يعلموا:

- إن هذا النجاح الذي حققه "حزب النور"، والذي فاق توقعات الكثيرين -وهو نجاح مستحق- ينبغي ألا يشغلنا عن التعرف على أخطائنا وعيوبنا، وإدراك سبل علاجها وتلافيها في المستقبل، وإزالة آثارها -إن وجدت- قبل الدخول في معترك جديد وهي تصحبنا كما هي؛ لئلا تؤثر على عملنا الحزبي والدعوي.

- إننا ما زلنا نحتاج إلى الكثير والكثير من الوقت لاستخراج ما عندنا من الكفايات والطاقات وزيادة الإمكانيات، وتوظيفها في أماكنها المناسبة، وحسن الاستفادة منها، نعم حققنا الكثير من الإنجازات وقطعنا الكثير من الخطوات على الطريق، وطورنا أنفسنا، ولكننا ما زلنا نحتاج -أيضًا- للكثير، وهذا يحتاج إلى مزيد من الجهد، ومزيد من الوقت.

- إننا نحتاج إلى طمأنة المتخوفين من مشاركتنا في العمل السياسي ممن لم يؤيدنا، ولا يعرف حقيقة دعوتنا، وهذا يستلزم مد الجسور بيننا وبينهم، وتكون البداية من طرفنا، وهم خليط كبير من البشر، له احتياجاته ومصالحه، ويبحث عمن يخاطب مشاعره، وله درجته من التدين، ويحتاج من يأخذ بيده، ويزيد من إيمانه، يصبر على تعليمه، ويرفق به في ذلك من خلال عقيدة الإيمان بالله -تعالى-، والإيمان باليوم الآخر، فهي العقيدة المحركة لكل مسلم، فلا ترويع ولا تخويف باسم الإسلام، بل رفق ولين، ودعوة وإرشاد، والإسلام إن عرض على الناس -وفي أكثرهم خير إن شاء الله-، له مقدرته على التأثير وسيستجيب الناس لكل أحكامه -إن شاء الله- طواعية وعن اختيار.

- لقد دخلنا عالم السياسة ونحن نعلم ما فيه من تجاوزات تعارف الناس عليها من قديم، ولكننا دخلنا عالم السياسة؛ لنطهره مما فيه، ومَن أيَّدنا ومنحنا صوته يتوقع منا ذلك، ويثق في قدرتنا على تحقيقه، فعلينا أن نسعى جاهدين بلا تقصير أو تفريط في تحقيق المرجو من دخولنا في عالم السياسة، فلا نقابل إساءات الآخرين بإساءات منا، ولا نواجه تجاوزات الآخرين بتجاوزات مماثلة، وإذا دخلنا معهم في مناقشات فلا نحتد عليهم ولا نوسع هوة الخلاف معهم، ونلتزم بأخلاق الإسلام وآدابه، مع الحرص على الإقناع والبيان وإقامة الحجة مع المحافظة على توفير المناخ المناسب للحوار والمناقشة؛ فهذا كله أرجى للحصول على الثمرة المرجوة، والتي نتمناها من العمل السياسي والتناقش مع الغير.

- وعلينا بعد ذلك أن نحذر من الفشل ما استطعنا؛ حتى لا تضيع منا فرصة الإصلاح الذي نتمناه، فيشمت فينا من يشمت، ويتعلل بفشلنا من يتعلل أمام من يحاول إعادة التجربة بعدنا.

- وعلى أي فستبقى لنا دعوتنا، نحافظ على حريتنا في ممارستها ونعمل من خلالها، فهي الأساس الذي بدأنا منه، ونبني عليه، ونضيف إليه، وما زلنا نتمسك به، بل ما عملنا بالسياسة وشاركنا فيها إلا لكوننا نتطلع إلى نجاح فيها يكون رافدًا من روافد هذه الدعوة، يقويها، ويحولها من دعوة عملت فيما مضى لبناء الفرد المسلم إلى دعوة تعمل كذلك لبناء المجتمع المسلم بقدر المتاح على كتاب الله -تعالى-، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وفهم سلفنا الصالح.

وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة