يا باغي الشر ... أقصر !!
يا مستثقلاً رمضان ... أقصر
!!
إن أول شر يرتكبه أهل الغفلة وبغاة
الشر هو أنهم يستثقلونه ، ويعدون أيامه ولياليه وساعاته ، لأن رمضان يحجب عنهم
الشهوات ، ويمنعهم اللذات ، يقول شاعرهم :
ألا ليت الليل فيه شهر ومَرَّ نهارهِ مرُّ السحابِ.
ويقول
آخرُ:
رمضان ولى هاتها ياساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاقِ.
ما كان أكثره على
أُلافها وأقلَّه في طاعة الخـلاقِ.
حُكي أنه كان لهارون الرشيد غلام
سفيه ، فلما أقبل رمضان ضاق به زرعاً ، وأخذ ينشد :
دعاني شهر الصوم –لا كان من
شهر– ولا صمت شهـراً بعده آخرَ
الدهرِ.
فلـو كان يُعْدِينـي الأنـام
بقـوة على الشهر لا ستعديتُ قومي
الشهرِ.
فأصيب بمرض الصَّرْع ، فكان يصرع
في اليوم عدة مرات ، ومازال كذلك حتى مات قبل أن يصوم رمضان الآخر .
>يا
متعمد الإفطار في نهار رمضان ... أقصر !
ومن بغاة الشر من لا يسثقلون رمضان
أصلاً ، لأنهم لا يصومون ، بل يجاهرون بالفطر في الطرقات
، دون حياء من الله ، ولا من عباد الله .
صح عن أبي أمامة الباهلي –رضي الله
عنه- قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و سلم يقول: " بينما أنا نائم أتاني رجلان ، فأخذ بضبعي –عضدي- فأتيا بي
جبلاً وعراً ، فقالا: اصعد ، فقلت: إني لا أطيقه ، فقالا: ( سنسهله لك ) ، فصعدت
إذا كنت في سواد الجبل إذا بأصوات شديدة ، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء
أهل النار ، ثم انطلق بي ، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم ، تسيل
أشداقهم دماً ، قلت: " من هؤلاء ؟ " قال: " الذين
يفطرون قبل تحلة صومهم " .
فإذا كان هذا وعيد من يفطرون قبل
غروب الشمس ولو بدقائق معدودات ، فكيف بمن يفطر اليوم كله ؟!
وقد قال صلي الله عليه و سلم :
" ثلاث أحلف عليهن: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له ،
وأسهم الإسلام ثلاثة: الصلاة والصوم والزكاة " [الحديث] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه
الله-: (( من أفطر عامداً بغير عذر كان تفويته لها من الكبائر )) اهـ .
وقال الحافظ الذهبي –رحمه الله-:
" وعند المؤمنين مقرر: أنَّ من ترك صوم رمضان بلا عذر أنه شر من الزاني
ومدمن الخمر ، بل يشكون في إسلامه ، ويظنون به الزندقة والإخلال " اهـ .
>يا
تارك الصلاة أقصر !
وأعظم بغاة الشر في رمضان تارك
الصلاة الذي لا يتوب من جريمة كبرى ، قال الله سبحانه في شأن تاركها {مَا
سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ(42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ(43)} سورة
المدثر . وقال في شأنها رسول الله صلي الله عليه و سلم :
" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر" ، وقال صلي الله عليه و سلم :
" بين الرجل وبين الشرك والكفر: ترك الصلاة " ، وعن عبد الله بن
شقيق قال: ( كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه و سلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركهُ كفر غير الصلاة ) ، وعن عمر –رضي الله عنه- قال: (
أما إنه لاحظ لأحدٍ في الإسلام أضاع الصلاة ) ، وعن ابن مسعود –رضي الله عنه- قال:
( من ترك الصلاة فلا دين له ) .
وعن نوفل بن معاوية –رضي الله عنه-
أن النبي صلي الله عليه و سلم قال:
" من فاتته صلاة ، فكأنما وُتِرَ أهلهَ ومالَه " .
وعن عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما- عن النبي صلي الله عليه و سلم قال:
" من حافظ على الصلاة كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة ، ومن لم
يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة ، وكان يوم القيامة مع
قارون ، وفرعون وهامان ، وأُبيِّ بن خلف" .
قال الإمام ابن حزم –رحمه الله
تعالى- : (( لا
ذنب بعد الشرك أعظم من ترك الصلاة حتى يخرج وقتها ، وقتل مؤمن بغير حق )) اهـ .
وقال الحافظ الذهبي –رحمه الله- :
(( ترك كل صلاة أو تفويتها كبيرة ، فإن فعل ذلك مرات فهو من أهل
الكبائر إلا أن يتوب ، فإن لازم ترك الصلاة فهو من الأخسرين الأشقياء المجرمين ))
اهـ .
وقال الإمام المحقق ابن القيم –رحمه
الله-: (( لا
يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمداً من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر ، وأن
إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس ، وأخذ الأموال ، ومن إثم الزنا والسرقة وشرب
الخمر ، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة )) اهـ .
وبعيداً عن الخلاف الفقهي في كفر
تارك الصلاة ، هل هو كفر أكبر مُخرج من الملة أو هو كفر لا يخرج من الملة ، فدعني
أهمس في أذنك يا تارك الصلاة : هل تقبل أن تكون انتماؤك لدين الإسلام ، وإيمانك
بالله ورسوله وكتابه قضية محل خلاف ، فعلماء يقلون: ( أنت كافر مثل فرعون
وقارون وأبي جهل وأبي لهب ) ، وفريق آخر يقول: ( بل فاسق مجرم شرير أشد
خبثاً من قاتل النفس ، وسارق المال ، وآكل الربا ، والزاني ، وشارب الخمر ؟! )
.
يا تاركاً لصلاته إن الصلاة لتشتكي .
وتقول في أوقاتها : اللهُ يلعن تـاركي .
يا أيتها المتبرجة ...
أقصِري !
ومن بغاة الشر في هذا الشهر الكريم
المتبرجات بالزينة اللائي لا ينوين التوبة من هذه الكبيرة ، بل يبغين الفساد
بالإصرار على إظهار الزينة للأجانب من الرجال ، والخروج إلى الأسواق والطرقات
والمجامع متعطرات متطيبات ، كاسيات عاريات ... فاتق الله يا أمَةَ الله في نفسِكِ
، وفي عباد الله الصائمين ، ولا تكوني رسول الشيطان ِإليهم لتفسدي قلوبهم وتشوشي
صيامهم ، بل قَرِّيِ في بيتك ، فإن خرجتِ ولابد فاستتري بالحجاب الكامل ، وتأدبي
بآداب الإسلام .
يا أهل الفن والإعلام :
أقصروا !
إن رمضان فرصة ثمينة للتوبة والإنابة
إلى الله عزَّ وجلَّ: وأنتم تحولونه إلى فرصة لنشر الفساد وإشاعة الفواحش ،
فانضموا إلى صفوف أولياء الله المتقين ، وسخروا الإعلام في خدمة الدين ، وإشاعة
المعروف والنهي عن المنكر ، وذكِّروهم بالقرآن والسُّنَّة ، ولا تشغلوهم بالأغاني
والمسلسلات ، والفوازير ، والقصات ، قبيح بكم أن تبارزوا ربكم بالحرب في شهره
الكريم ، وتكثفوا حربكم على الدين والأخلاق ، كأنكم تشفقون من بوار تجارتكم
الشيطانية في هذا الشهر المُبارك ، فتضاعفون من مجهدكم لتصدوا الناس عن سبيل الله
عز وجل ، وتبغوها عوجاً .
إن المنادي يناديكم من أول ليلة في
رمضان … أقصروا يا بغاة الشر ، فإن أصررتم فإن ربكم لبالمرصاد ، قال تعالى: {إِنَّ
الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} (19)
سورة النــور .
ويا أيها المسلمون الصائمون:
فِرُّوا من الفيديو والتلفاز والصحف الفاسدة فراركم من الأسد ، إن الفنانين هم
قطاع الطريق إلى الله ، إنهم ممن قال الله فيهم: {أُوْلَئِكَ
يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ
بِإِذْنِهِ} (221) سورة البقرة ، وقال: {وَلَا
تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ
أَمْرُهُ فُرُطًا} (28) سورة الكهف ، وقال تعالى: {إِنَّ
السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى(15)
فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا
وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى(16)} سورة طـه ، وقال تعالى: {وَاللّهُ
يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ
أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا(27) يُرِيدُ
اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ
الإِنسَانُ ضَعِيفًا(28)}
سورة النساء .
فتذكر يا عبد الله الصائم قوله
تبارك وتعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ
السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}
(36) سورة الإسراء ، وأهل الفن يدعونك إلى زنا العين ، وزنا الأذن ، فكبف تطاوعهم
وأنت مسلم ؟!
وكيف تشاركهم وأنت صائم ؟! وكيف لا
تقول إذا دعاك الشياطين إلى هذه المعاصي: " إني صائم ، إني صائم
" ؟! وإذا كنت في الصيام تحرم الحلال من الطعام والشراب والشهوة امتثالاً
لأمر الله ، فكيف تستبيح ما هو حرام قطعاً من إطلاق البصر إلى النساء الفاجرات ،
ألا ما أصدق قول الصادق المصدوق صلي الله عليه و سلم :
" من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه
" ، وقوله صلي الله عليه و سلم :
" رُبَّ قائم حظُّه من قيامه السهرُ ، ورُبَّ صائمٍ حظُّه من صيامه الجوعُ
والعطش " ، وقوله صلي الله عليه و سلم :
" الصيام جُنَّة ، فإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرقث ولا يصخب ، فإن سابه
أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم".
فيا عاكفين أمام الممثلات
والراقصات: {إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي
أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} (52) سورة الأنبياء ، وأين أنتم
من عباد الرحمن الذين: {لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا
بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} (72) سورة الفرقان ، و {وَالَّذِينَ
هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} (3) سورة المؤمنون ، لقد بين
الله سبحانه وتعالى الحكمة من تشريع الصيام في قوله جل وعلاَّ: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183)
سورة البقرة .
ولقد سأل أمير المؤمنين عمر –رضي
الله عنه- أُبَيَّ بن كعب –رضي الله عنه- : ما التقوى؟ ، فقال أُبَيَّ : ( يا أمير
المؤمنين أما سلكتَ طريقاً ذات شوك؟ ، قال: بلى ، قال: فماذا صنعت؟ ، قال: شمَّرتُ
واجتهدتُ ، قال: فذلك التقوى ) .
وسئل أمير المؤمنين عليٌّ –رضي
الله عنه- عن معنى التقوى ، فقال: ( هي الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ،
والقناعة بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل ) .
خَـل الذنوب صغيرها وكبيرَهـا ذاك التُّقَى.
واصنع كماشٍ فوق أر ضِ الشوك يحذر ما يرى.
لا تحقـرن صغيرة إن الجبال من الحصـى.
ولقد قال رسول الله صلي الله عليه و سلم :
" الصيام جُنَّة " أي وقاية نتقي بها كل ما نخشاه ، وننال به كل ما
نتمناه ، فالصوم وقاية للَّسان في نطقهِ ، وللعين في بصرها ، وللأذن في سماعها ،
وهكذا كل الجوارح تتقي ما نُهِي عنه ، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: ((
إذا صُمْتَ فليصم سمعُك وبصرك ولسانُك عن الكذب والمآثم ، ودع أذى الجار ، وليكن
عليك وقارٌ وسكينة يوم صومك ، ولا تجعل يوم فطرك ويوَم صومِك سواءً )) .
___
يـا خائضاً في أعراض الناس
... أقصر !!
فقد قال تعالى: {وَلَا
يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ
مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}
(12) سورة الحجرات ، وقال صلي الله عليه و سلم :
" الغِيبة: ذِكرك أخاك بما يكره "
.
قال القرطبي –رحمه الله-
: (( لا خلاف أن الغيبة من الكبائر ، وأن من اغتاب أحداً عليه أن يتوب إلى الله
عزَّ وجلَّ )) اهـ .
وعن أنس –رضي الله عنه- قال رسول
الله صلي الله عليه و سلم : " لما عُرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس ، يخمشون
وجوههم وصدورهم ، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ ، قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم
الناس ، ويقعون في أعراضهم "
.
وعن أبي برزة الأسلمي والبراء بن
عازب –رضي الله عنهما- قال رسول الله صلي الله عليه و سلم :
" يا معشر من آمن بلسانه ، ولم يدخل الإيمانُ قلبه ، لا تغتابوا المسلمين
، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم ، تتبع الله عورته ، ومن
تتبع الله عورته ، يفضحْه ولو في جوف بيته "
.
أثر الغيبة في الصوم
عن الحسن بن وهب الجُمَحي قاضي مكة
قال: ( وقعت في رجل من أهل مكة ، حتى قلت: " إنه مُخَنَّث " ، فصليت
الظهر ؛ فعرض في قلبي شيء ، فسألت عطاء بن أبي رباح ، فقال: " يعيد وضُوءه ،
وصلاته ، وصومه " .
وعن الضحاك بن عبد الرحمن بن أبي
حوشب: أن رجلاً أتى إلى ابن أبي زكريا ، فقال: " يا أبا يحيي ! أشعرت أن
فلاناً دخل على فلانة ؟ " قال: " حلال طيب " ، قال: " إنه دخل
معه برجل " ، فقال ابن أبي زكريا: " إنا لله ! فقد وقع في نفسك لأخيك
هذا ؟! حرج عليك بالله أن تكلمني بمثل هذا " ، فلما دنا من باب المسجد قال:
" والله لا تدخل حتى ترجع ، فتوضأ مما قلت " .
وعن أبي صالح أنه أنشد بيت شعر فيه
هجاء ، فدعا بماء فتمضمض .
وعن رجاء بن أبي سلمة قال: قلت
لمجاهد: ( يا أبا الحجاج ؛ الغيبة تنقض الوضوء ؟ ) ، قال: نعم ، وتفطر الصائم .
وعن أبي المتوكل الناجي قال: ( كان
أبو هريرة وأصحابه إذا صاموا ، جلسوا في المسجد ، قالوا: " نطهر صيامنا"
) .
وعن طليق بن قيس قال: قال أبو ذر –رضي
الله عنه- : "إذا صمت فتحفظ ما استطعت"
فكان طليق إذا كان يوم صيامه دخل ،
فلم يخرج إلا إلى صلاة .
وعن مجاهد قال: (( ما أصاب الصائم
شوى ، إلا الغيبة
والكذب )) ، وعنه قال: (( من أحب أن يسلم له صومه ؛ فليتجنب الغيبة والكذب
)) .
وعن حفصة بنت سيرين قالت: "الصيام
جُنَّة ، ما لم يخرقها صاحبها ، وخرقها الغيبة".
وعن ميمون بن مهران: " إن
أهون الصوم ترك الطعام والشراب " .
وعن عَبيدة السلماني قال: "
اتقوا المُفْطِرَيْن : الغيبة ، والكذب " .
وعن أبي العالية قال: "
الصائم في عبادة ما لم يغتب ، وإن كان نائماً على فراشه " .
وقال الشاعر في هذا المعنى:-
واعلمْ بأنك لا تكونُ
تصومهُ حتى تكونَ تصومُهُ وتصونُه.
وقال آخر:
إذا لـم يكن في السمـع مني
تَصَوُّنٌ وفي بصـري غَضٌ ، وفي
منطقي صَمْتُ.
فحظي إذاً من صومي الجوعُ
والظمأ وإن قلتُ: " إني صمتُ
يوماً " فما صُمْتُ.
وقال الإمام ابن حزم –رحمه الله- :
( ويُبطل الصومَ أيضاً تعمدُ كلِّ معصية – أي معصية كانت – لا تحاش
شيئاً – إذا فعلها عامداً ذاكراً لصومه كمباشرة من لا يحل له ... ) إلى أن قال: (
أو كذب ، أو غيبة ، أو نميمة ، أو تعمد ترك صلاة ، أو ظلم ، أو غير ذلك من كل ما
حرم على المرء فعله ) .
وقد استدل بقوله صلي الله عليه و سلم :
" والصيام جُنَّة ، وإذا كان يومُ صومِ أحدكم فلا يرقث ولا يصخب
" الحديث .
وبقوله صلي الله عليه و سلم :
"من لم يدع قول الزور والعمل بهِ فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"
.
وبما رُوي أنه صلي الله عليه و سلم أتى على امرأتين صائمتين تغتابان الناس ، فقال لهما: " قيئا " فقاءتا
قيحاً ودماً ولحماً عبيطاً ، ثم قال صلي الله عليه و سلم :
" ها ، إن هاتين صامتا عن الحلال ، وأفطرتا على الحرام"
.
وقال الإمام النووي –رحمه الله
تعالى-: ( ... فلو اغتاب في صومه عصى ، ولم يبطل صومه عندنا ، وبه قال مالك ، وأبو
حنيفة ، وأحمد ، والعلماء كافة إلا الأوزاعي ، فقال: يبطل الصوم بالغيبة ، ويجب
قضاؤه ) .
وقد استدل الإمام الأوزاعي –رحمه الله-
بقوله صلي الله عليه و سلم : "
رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع "
الحديث ، وبأدلة ابن حزم ، وقال النووي: " وأجاب أصحابنا عن هذه الأحاديث ...
بأن المراد أن كمال الصوم وفضيلته المطلوبة إنما يكون بصيانته عن اللغو والكلام
الرديء ، لا أن الصوم يبطل به "
اهـ .