الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الحج ميلاد جديد

قال النبى صلى الله عليه وسلم "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه "

الحج ميلاد جديد
الجمعة ٠٢ نوفمبر ٢٠١٢ - ١٨:٢٦ م
2340

 

قال النبى صلى الله عليه وسلم "من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه " كما أن الولادة للبدن خروج من ظلمات ثلاث :ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة إلى نور هذا الكون ، ومن الضيق إلى السعة ، فكذلك ميلاد القلب الإنساني من ظلمات الضلال والجهل والظلم والهوى إلى نور الإيمان والعلم والعدل الذى شرعه الله ، ومن ضيق أسر الهوى وعبوديته ، إلى سعة الحرية الحقيقية التى هى بعينها العبودية الحقيقة لله وحده

 

والحج رحلة ضرورية للقلب قبل أن يكون رحلة للبدن نحو هذه الولادة للقلب ليتخلص الإنسان من أسر عاداته وتقاليده وطباعه ، ويعلن استعداده للتضحية بكل ذلك طلباً لرضوان الله وفضله " وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً"

 

ولأجل أن للكعبة أثرا هائلا فى هداية الإنسان " إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وَضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ

 " جعل الله الحج ركنا من أركان الإسلام لايتم الإسلام إلا به قال تعالى :" وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ وقال النبى صلى الله عليه وسلم " الإسلام أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتى الزكاه وتصوم رمضان وحج البيت إن أستطعت إليه سبيلا" وهو عبادة تظهر فيها آثار العبودية الكاملة لله فى مناسكه وأعماله وانتقالاته ، فالحاج يقصد بقعة معينة لايجزئ غيرها فى العالم ، ثم ينتقل منها إلى بقعة أخرى ، لها حدود محددة مثل أيام إبراهيم عليه السلام تناقلتها الأجيال عن بعضها من الحرم وعرفة ومزدلفة ومنى ، ليس هناك على الأرض فرق ظاهر بين أرض عرفة مثلاً والأرض التى بجوارها ، ولكن التواجد بأرض عرفة ركن الحج الأساسى ، فى حين أن التواجد فى بقعة مجاورة على بعد أمتار منها يفوت الحج قال النبى صلى الله عليه وسلم " الحج عرفة " والحاج يقبل حجراً هو الحجر الأسود ويرمى حجراً آخر بحجر فى رمى الجمار فى منى ، ليعلن للعالم إذعانة واستسلامه وذبحه لهواه كما قام إبراهيم وإسماعيل عليه السلام بذبح أهوائهم عند قبول فكرة الذبح والتضحية "  فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ"

 

ومن استسلم لله سبحانه ولأوامره وتأسى بالرسول صلى الله عليه وسلم فيما فعل وقال ، وجد من آثر ذالك فى القلب هدايه وعلماً ونوراً وعدلاً من جنس ما وجد إبراهيم وإسماعيل فى المعاملة مع الله أمتثلاً للأمر بالذبح ،وحفظ الله على إبراهيم ولده إسماعيل ، وفداه بذبح عظيم ، وزاده ولداً آخر " وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ "فمهما تركت شيئاً لله حفظ الله عليك رأس المال وزادك الربح المضاعف كما فعل سبحانه بالشهداء لما ضحوا بأنفسهم أبدلهم الله حواصل طير خضر بدلاً منها قال النبى صلى الله عليه وسلم "أروح الشهداء فى حواصل طير خضر تسرح فى الجنة حيث شاءت ثم تأوى إلى قناديل معلقة بالعرش ".

 

وبدلا من حياة النقص والتعب كانت الحياة فى الجنة حياة كاملة روح وجسد " وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ " .

 

فالحج ميلاد جديد لقلب الإنسان يتحرر به من أسر هواه إلى عبودية الله عزوجل وطاعته ومحبته والخوف منه والتوكل عليه وصدق اللجأ إليه ، وهذه تزكية النفس التى لابد لنا منها .

 

فى كل أرجاء الأرض بالخير والبركة والمزيد من طاعة الله عزوجل والعودة إلى شريعته ، تقبل الله منا ومنكم .